النساء مطالبات بإثبات أنفسهن كل مرة لتأكيد قيادتهن في عالم إسلامي تسوده سلطة الرجال

القاهرة – بعد فترة وجيزة من تعيين خلود الفقيه قاضية في محكمة دينية إسلامية في الأراضي الفلسطينية، دخلت امرأة نظرت إليها وخرجت، هامسة بأنها لا تريد أن تحكم امرأة في قضيتها. فشعرت القاضية بالحزن، لكنها لم تُفاجأ فقد اعتاد الناس منذ فترة طويلة على رؤية رجال في مكانها.
وفي 2009 فقط أصبحت واحدة من أول امرأتين عُيّنتا في الضفة الغربية قاضيتين في المحاكم الشرعية الإسلامية. لكنها ترى أن وجودها في المحكمة أكثر أهمية لأنه يحكم في مسائل الأحوال الشخصية التي تتراوح من الطلاق والنفقة إلى الحضانة والميراث. وقالت “ما كان أكثر إثارة هو أن هذه المحاكم الدينية هي المسؤولة عن قضايا المرأة فدورة حياة المرأة بأكملها تمرّ أمام هذه المحاكم”.
وقالت القاضية الفقيه إن غياب المرأة الطويل عن منصب القضاء في المحكمة الإسلامية الفلسطينية يرجع في جزء منه إلى العرف وإلى حقيقة أن الكثيرين يعتبرون المنصب “دينيا مثل منصب الإمام”. وتعتبره قضائيا يعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية، وقالت إنه لا توجد أسباب لاستبعاد المرأة.

وشهدت عقبات في طريقها بعد تعيينها، حيث بدا بعض القضاة وموظفي المحاكم غير سعداء بوجودها. وجاءت المعارضة أيضا في شكل خطبة الجمعة التي لم تحضرها، ولكن قيل لها إنها انتقدت السماح للمرأة بشغل هذا المنصب.
لكن الأمور سارت أكثر سلاسة منذ ذلك الحين، وغالبا ما تشعر بالارتياح من جانب النساء اللاتي يواجهن قضايا أمام المحكمة حيث يشعرن أنه بإمكانهن التحدث معها بصراحة حول القضايا الشخصية الحساسة. وقالت الفقيه “أصبح الحلم المستحيل ممكنا”.
وقالت ريم شانتي، 40 عاما، التي تقدمت مؤخرا لتصبح قاضية بالمحكمة الشرعية وتعتبر الفقيه نموذجا يحتذى، إن تعيين النساء فتح لها ولغيرها عالما من الخيارات ووفر للنساء حافزا وأعطاهن دفعا قويا.
وتعمل النساء مثل الفقيه بشكل متزايد على افتكاك مساحة لأنفسهن في الفضاء الإسلامي، ويمهدن بذلك الطريق للأخريات. ففي جميع أنحاء العالم، تدرّس النساء في المدارس والجامعات الإسلامية، وتقود حلقات دراسة القرآن، والوعظ وتقديم التوجيه الديني للمؤمنين.
ولا تزال الرتب الرسمية في القيادة الإسلامية تمنح إلى حد كبير بالرجال، ولكن بينما لا تؤمّ النساء صلاة الجماعة المختلطة في الأماكن الإسلامية التقليدية، تقول الكثيرات إنهن يرين الكثير من المسارات الأخرى للقيادة.
وقالت إنغريد ماتسون التي تشغل كرسي لندن وندسور المجتمعي للدراسات الإسلامية في كلية هورون الجامعية التابعة لجامعة ويسترن أونتاريو في لندن “عندما يتعلق الأمر بالمعرفة، يمكن أن يشغل النساء أو الرجال دور القائد الذي هو عالم الدين والمرشد الروحي والشخص الذي يعلّم الناس دينهم… وكان ذلك قائما على مر التاريخ”.
وتتنوع وجهات النظر عبر مختلف المناطق والثقافات ومدارس الفكر الإسلامي حول نطاق الأدوار القيادية للمرأة في الدين. وقد حفظت النساء المقربات من النبي محمد، مثل زوجاته، بعض أحاديثه وممارساته ونقلنها. وتقول العديد من النساء إن هذا يوفر أساسا يحاولن البناء عليه.
وبالنسبة إلى عزيزة مفيد، البالغة من العمر 40 عاما في المغرب، فهي واحدة من أولئك اللاتي يولين دور القيادة الدينية من خلال العمل كواحدة من “المرشدات” الدينيات في البلاد. وتتدرب “المرشدات” في معهد للطلاب والطالبات أسسه العاهل المغربي الملك محمد السادس وسمي باسمه. وتدرس الخريجات فصولا دينية ويُجبن على أسئلة النساء في المساجد أو أثناء أعمال التوعية في المدارس والمستشفيات والسجون.
وتعمل مفيدة مرشدة في الغالب عبر واتساب أثناء الوباء. وتستخدم المنصة لشرح الأحاديث النبوية للأطفال ومساعدة النساء على تعلم حفظ القرآن وتلاوته وتقديم المشورة للفتيات المراهقات حول عدد لا يحصى من المواضيع من الحياء إلى الصلاة والحيض. وقالت إن “هناك قضايا حساسة قد لا يجرؤ بعضهن على مناقشتها حتى مع أمهاتهن أو أخواتهن. لكن لا يوجد مثل هذا الحياء بيننا. أقول لهن، أنا أختكن. أنا صديقكن. أنا والدتكن”.
وقال مدير معهد محمد السادس عبدالسلام الأزعر، إن خدمات المرشدات كانت مطلوبة بشدة “النساء هنا في المغرب حريصات للغاية على حفظ القرآن والتعلم عن الدين”.
وفي الولايات المتحدة، قالت سامية عمر، التي أصبحت أول امرأة دين مسلمة في جامعة هارفارد في 2019، إن الطالبات هناك يفضلن أيضا طرح أسئلة حول أشياء مثل الحيض عليها بدلا من الرجل.
وترى عمر أنها تنقذهن من تعليمهن نسخة من الإسلام تخلو من مناقشة حقوقهن. وقالت “أنا أخدم هؤلاء الفتيات والنساء وأعلمهن بالطريقة التي أتمنى أن تساعد بها النساء الأخريات في تعليم بناتي لاحقا”.

ولم تحلم عمر بهذا الطريق من قبل. لكن التقلبات في حياتها، بما في ذلك الزواج المسيء والطلاق وفقدان ابنتها بسبب السرطان، قادتها إلى العمل الذي تمارسه الآن جنبا إلى جنب مع زوجها الحالي، الذي يعمل مثلها.
وحاول البعض في مسجدها ثنيها عن اللجوء إلى القضاء خلال طلاقها فتجاهلت هذا الضغط وفازت في النهاية بالوصاية الكاملة على أطفالها، لكن التجربة تركت عمر تشعر بأن بعض الرجال يستغلون الدين لقمع النساء. وقالت يمكن أن تكون لذلك عواقب روحية وخيمة “الكثير من الشابات لا يفهمن أننا مهمات في نظر الله”.
ودعا الكثيرون في الولايات المتحدة إلى دور أكبر للمرأة في المساجد، من أماكن صلاة أفضل للمصلين إلى المزيد من المقاعد في مجالس الإدارة وثقافة المساجد الأكثر تقبّلا. كما يطالب البعض بنموذج قيادة أكثر لامركزية في المساجد، يتضمن عالمة مقيمة مدفوعة الأجر بالإضافة إلى إمام ذكر.
قالت تمارا جراي من الرباط، وهي ناشطة تعمل على تمكين النساء المسلمات من رؤية أنفسهن قادة وباحثات ومدرسات، إنه في حين أن هناك أملا في مثل هذه التطورات، ليست الأمور مثالية بالنسبة إلى النساء في القيادة في مساحاتنا المقدسة اليوم.
وقالت جراي إن التغيير يتطلب “الكثير من الصبر والكثير من النقاش والكثير من القدرة على التحلي بالشجاعة”، مضيفة أن النساء يُقابلن أحيانا بعدم الثقة في المجتمعات الإسلامية.
ولهذه الغاية، أسست منظمة غير ربحية مقرها مينيسوتا، وتشمل برامجها دورات عبر الإنترنت في العلوم الإسلامية. وقالت إنه من خلال التجمعات الافتراضية التي تركز على النمو الروحي والعبادة، تستطيع النساء تجربة التواجد في مكان مقدس ثم “العودة إلى مسجدهن والإصرار، حقا، على أن يُشعرهن مسجدهن بالتقدير والاحترام”.
وخلال حدث افتراضي أخير انضمت إليه العشرات من النساء، اختلطت دموع وضحكات بينما احتفلت المجموعة باستلام جراي شهادة تسمح لها بتدريس السنة النبوية. وقالت جراي للمجموعة “أحاديث الرسول… أثقل من جبل من ذهب”.
يعدّ تعزيز القيادة الروحية للمرأة أمرا بالغ الأهمية لإبقاء المسلمين على اتصال بعقيدتهم في أميركا، في نظر سيلين إبراهيم، التي تبحث في النوع الاجتماعي والإسلام.
وقالت “لا يمكنك تحمل هذا بمفردك”، في إشارة إلى رجال الدين الذكور، “هذه مهمة كبيرة، وهي نوع من المهام التي يجب أن يشارك فيها الجميع”.