النزاع المسلح يعطل الحياة التجارية في السودان

مصالح المزارعين والحرفيين تتشتت في غياب الزبائن.
السبت 2023/05/13
فوضى عارمة

الصراع المسلح في السودان عطل كل شرايين الحياة، فتوقفت التجارة وعجز المزارعون عن تصريف منتجاتهم، فيما توقفت الصادرات التي تعتمد عليها البلاد في اقتصادها من ميناء بورتسودان وازدادت حياة الناس صعوبة. فمن ظل في الخرطوم يخاف الخروج، ومن فر من قتال تشرد دون أن يعرف مصيره.

الخرطوم - كان إبراهيم عبدالقادر يبيع إنتاجه من الطماطم في سوق الخضار المركزية في الخرطوم قبل اندلاع النزاع… اليوم، يضطر إلى تسويقه في قرى محيطة بمكان إقامته، ولكنه يبيع بالخسارة، لأن الزبائن بمعظمهم نازحون لا يملكون شيئا، ومن بقي منهم عالقا يعاني صراعا مريرا من أجل البقاء.

ويقول عبدالقادر متحسّرا "المشترون يعرضون علينا ألفي جنيه سوداني (أكثر قليلا من ثلاثة دولارات) للقفص الذي يحوي عشرة كيلوغرامات، وهذا لا يغطي حتى كلفة النقل من المزرعة إلى هنا".

ومنذ بدء المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، يرفض أصحاب الشاحنات، باستثناء قلة، الذهاب إلى الخرطوم، "لأنهم لا يريدون أن يموتوا أو أن يخسروا شاحنتهم”، والذين يوافقون على الذهاب "يطلبون مبالغ كبيرة، خصوصا بعد تضاعف سعر الوقود ثلاث مرات".

وقال هاشم (35 عاما)، وهو صاحب نشاط تجاري أغلق محله، إنه لم يتمكن من العثور على الأرز أو المعجنات منذ أسبوع، وإن “هناك على الدوام عجزا في شيء ما”. لذلك توقف عن العمل وكان سيغادر السودان لكنه لم يستطع لأنه فقد جواز سفره قبل بدء القتال.

◙ الرزق يضيع من بين أيدينا
◙ الرزق وفير لكنه يضيع من بين أيدينا 

وساهم الصراع في تعطل صادرات سلع مهمة، على رأسها الذهب والسمسم والفول السوداني واللحوم، مما حرم البلاد من العملة الصعبة التي تحتاجها لاستيراد سلع أساسية.

وقال أحد وكلاء الشحن “أي شيء يمر عبر الخرطوم لا يمكنك القيام به”، مشيرا إلى أن البنوك تعرضت للنهب كما تعطلت الأنظمة المصرفية والجمركية المركزية، فيما لم تعد عمليات السحب والإيداع متاحة إلا في الضواحي.

وأوضح مسؤول في ميناء بورتسودان، وهو مركز الملاحة البحرية الرئيسي بالبلاد، أن عمليات الشحن التجارية عبر الميناء توقفت بالكامل مع وقف شركات الشحن الكبرى للحجوزات الجديدة.

وقال مُصدر للحوم “إذا استمرت الحرب ستخرج الشركات السودانية من سوق اللحوم بالكامل لأن المستوردين لن ينتظروا”، وأشار إلى أن فرصة الابتعاد عن تصدير الماشية إلى تصدير اللحوم صارت مهدرة الآن. وبالفعل أعلنت مصر، وهي مستورد كبير للماشية السودانية، أنها تبحث سبل تنويع مصادر الاستيراد.

وقال أحد التجار الذين يتعاملون في السمسم والبذور الزيتية والسكر، وتتكبد شركته خسائر يومية من جراء عدم الالتزام بالتعاقدات ونهب المستودعات وتضرر البنية التحتية، “إذا انتهت الحرب سيحتاج القطاعان الخاص والصناعي إلى وقت طويل وإلى دعم كبير للعودة إلى ما كانا عليه".

ويواصل المزارعون في القرى المجاورة للخرطوم عملهم كالعادة في موسم الحصاد ويضربون الأرض بمعاولهم لاستخراج البصل. ويزرع الخطيب ياسين (40 عاما) الفول السوداني الذي تشتهر به بلاده.

ويقول الرجل الذي ارتدى جلبابا وبنطالا من اللون البني الفاتح، "لدينا مشكلة واحدة، ليس هناك مشترون" يؤمنون استمرارية القطاع الزراعي الذي يمثل 40 في المئة من إجمالي الناتج القومي و80 في المئة من الوظائف في المناطق الريفية، بحسب الصندوق الدولي للتنمية الزراعية.

◙ معاناة طويلة في جمع الثروة
◙ محصول بدأ يتلف لصعوبة جمعه 

ويقول حسين الأمين، الذي يزرع البامية في مساحة خمسة فدادين (الفدان يساوي قرابة 4 آلاف متر مربع) على مقربة من الضفة الغربية للنيل الأزرق، إنه باع خضراواته في الخرطوم للمرة الأخيرة “قبل الحرب بيوم واحد". ويضيف “الآن بدأ المحصول يتلف لعدم جنيه. كما أننا توقفنا عن ريه بالماء لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل رافعة المياه للري".

وفقدت حرم آدم الأمل في أن تتوقف الحرب في الخرطوم، فتركت مقهاها الصغير في العاصمة ونزحت مخلّفة وراءها الملايين من سكان الخرطوم الذين يعيشون خلف الأبواب المغلقة في منازلهم خوفا من الموت في الشارع.

وتتعرض المحلات التجارية في الخرطوم للسلب والنهب، ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات، في الوقت الذي تتحرك العصابات في الشوارع بحرية أوسع من السابق وهي تفتك أشياء الناس بكل جرأة.

هل من مشتر لمنتوج نشقى في جمعه
◙ هل من مشتر لمنتوج نشقى في جمعه 

في الحصاحيصا، في ولاية الجزيرة على بعد 120 كيلومترا جنوب الخرطوم، وجدت آدم مياها جارية وتغذية ببضع ساعات من الكهرباء يوميا. والأهم، لم تعد تسمع أصوات القصف المتواصل.

ولكنها تجد صعوبة في توفير احتياجاتها الأساسية مع بناتها الثلاث. وتقول "في الخرطوم، كان دخلي اليومي لا يقل عن 100 ألف ليرة يوميا". أما في الحصاحيصا حيث افترشت الأرض تحت شجرة مع بائعات أخريات لبيع الشاي والقهوة، فلا يزيد دخلها “عن عشرة آلاف ليرة".

وجلس آدم عيسى الذي يمتهن خياطة الملابس منذ ثلاثين عاما، في ممر بين محلات تجارية في سوق مدينة الحصاحيصا خلف ماكينة خياطة يحتسي كوبا من القهوة. ويقول "في الخرطوم عندي محل فيه ثلاث ماكينات أعمل على واحدة ومعي عاملان يعملان على الأخريين. الآن، أستأجر هذه الماكينة وأدفع إيجار المكان، والعمل قليل جدا". ويتابع "ما أجنيه لا يكفي احتياجات أسرتي المكوّنة من ستة أفراد".

أما زاهر دفع الله، الذي كان يبيع أصنافا من الخضراوات على قارعة الطريق، فقد كان موظفا في مصنع لإنتاج الحديد مملوك لأجانب في الخرطوم.

مع بداية القتال، أغلقت أبواب المصنع وانقطع الاتصال. عاد دفع الله مع أسرته إلى القرية التي يتحدّر منها وتبعد خمسة كيلومترات غرب الحصاحيصا، حيث "قررت أن أبدأ هذا العمل لتوفير احتياجات أسرتي، لكن العائد قليل جدا".

وشاهد دفع الله على شاشات التلفزيون الأجانب وهم يهربون عبر البحر أو الجو في رحلات تنظمها على عجل البعثات الأجنبية في السودان. ويقول بقلق "أتمنى فقط ألا يكون أصحاب المصنع قرروا مغادرة السودان بشكل نهائي".

◙ تجميع للمنتوج في غياب فرص الترويج
◙ تجميع للمنتوج في غياب فرص الترويج 

16