النزاعات العرقية تقلق الصحوة الديمقراطية في إثيوبيا

إثيوبيا تتطلع إلى تحقيق أهداف محلية طموحة، بما في ذلك أن تصبح دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025.
الخميس 2018/09/27
نظرة تتطلع لإثيوبيا للجميع

أديس آبابا – إلى حد أشهر قليلة ماضية، كان اسم إثيوبيا مقترنا بالمجاعة والأزمات، لكن اليوم الصورة القادمة من هذا البلد الأفريقي تبدو ملامحها متغيرة، وأن هناك “شيئا غير عادي يحدث الآن في إثيوبيا”، على حد تعبير الكاتبان في صحيفة الغارديان توم غاردنر وتشارلي روسر.

ما رصده غاردنر وروسر، هو واقع إثيوبيا في عهد رئيس الوزراء آبي أحمد، الذي افتتح عهدا جديدا يوم 27 مارس 2018، أولا باعتباره رئيس وزراء من عرقية أورومو، وثانيا أنه الأول من أصل مسلم الذي يرأس حكومة في إثيوبيا. ولم تتوقف الصورة عند هذا الحد بل تجسد ملمحها الأكبر في التغييرات السياسية التي جاء بها آبي أحمد.

وخلال فترة قصيرة منذ وصوله إلى الحكم، بدا واضحا إيمان آبي أحمد بموقع بلاده الاستراتيجي، وبأهميته على مستوى صياغة السياسات الإقليمية وفق المتغيرات والصراعات الراهنة. وبدا واضحا أن السياسة الخارجية الإثيوبية تتطلع إلى أهداف محلية طموحة، بما في ذلك بأن تصبح دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025. ويتم تصوير الترابط الاقتصادي والتكامل كطرق ضرورية لتحقيق الاستقرار في المنطقة وتحقيق تلك الأهداف.

وتحولت إثيوبيا من دولة أفريقية ضعيفة إلى دولة ترى نفسها مهيمنة إقليميا، وهي سياسة كانت واضحة منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي، لكن الأخير ركز فقط على محيطه القريب ويرتبط اسمه بسد النهضة الذي أثار أزمة مع مصر، في حين اختار آبي أحمد أن تكون هيمنة إثيوبيا مختلفة، بحيث تقوم على الاستفادة من موقعها الجغرافي ومن محيطها العربي والأفريقي.

لقي هذا التوجه تأييدا داخليا كبيرا، وارتفعت شعبية آبي أحمد. وتم تعليق صوره في جميع أنحاء البلاد، التي بدت أكثر انفتاحا، حتى أن السكان المحليين الذين كانوا يخشون من التحدث علانية عن السياسة يتحدثون الآن عن أشياء أخرى.

وفي أديس أبابا، أصبح وجه آبي أحمد في كل مكان تقريبا، مطبوعا على الملصقات واللافتات والقمصان والكتب. ويقول أسرات أبيري، سائق سيارة أجرة وأب لطفلين، “دون آبي لن نستطيع فعل أي شيء. إذا كان يمتلك الوقت الكافي، لكان من الممكن أن يغير كل شيء”.

لكن، وفيما يقول البعض إن هذا الدعم الأعمى لآبي، سببه ما عاناه الإثيوبيون في السابق من دكتاتورية، يرى آخرون، ومنهم توم غاردنر وتشارلي روسر، أن هذا الوضع يستوجب الشعور بالقلق.

وتنقل الغارديان عن ويتوم غبريلويل الباحث الإثيوبي في جامعة كامبردج، قوله إن “الشعب الإثيوبي يؤمن على ما يبدو بالرؤساء ذوي الشخصية القيادية أكثر من الأحزاب السياسية أو المؤسسات. لقد تمكن آبي من زراعة ذلك بذكاء”.

وفي 9 سبتمبر، أي قبل يومين من بدء السنة الإثيوبية الجديدة، وصل الآلاف من سكان أديس أبابا إلى ساحة الميدان الرئيسي والاستاد الوطني لاستقبال زعيم المعارضة المنفي برهانو نيغا، الذي انتخب رئيسا لبلدية المدينة في انتخابات 2005 المتنازع عليها قبل أن يُسجن ويهرب من البلد في نهاية المطاف. ويقود نيغا حركة المعارضة جينبوت 7، التي كانت قد صنفت منظمة إرهابية قبل تولي آبي منصبه في أبريل.

وكان مؤيدو جينبوت 7 يلوحون بحماس بالعلم الإثيوبي القديم، الذي ينقصه شعار النجم المرتبط بحزب الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، منادين بتحقيق الوحدة بين المجموعات العرقية العديدة في إثيوبيا.

وكان العديد من المشاركين في المسيرة أشادوا بآبي وطالبوه بالسماح لأبطالهم السياسيين بالعودة إلى إثيوبيا. ويقول ستينتيو، أحد مؤيدي جينبوت 7، “نعيش الآن في بلد ديمقراطي. آبي شخص رائع، وأشعر وكأنه مثل والدي أو أخي”.

ويضيف مواطنه أدماسو بلهجة أميركية “هذا هو يوم الحب بالنسبة لنا. آبي هو معجزتنا، وكل هذا يحدث بسببه”. لتؤكد بلانش منجيستو، التي تجلس على درج ساحة ميسل في أديس أبابا مع شقيقاتها “اليوم هو يوم انتصارنا. لقد كنا نعمل في عهد العبودية منذ 27 عاما، لكن الآن الأمور تتحسن تدريجيا، ومن الواضح أننا سنعيش مستقبلا مشرقا”.

وفي 15 سبتمبر انطلق تجمهر آخر في شوارع أديس أبابا، هذه المرة لمؤيدي جبهة تحرير أورومو التي عاد زعيمها المنفي لفترة طويلة داود إيبسا من إريتريا المجاورة.

وأصبح علم جبهة تحرير أورومو التي كانت محظورة في يوم من الأيام رمزا عاما للمقاومة بالنسبة للعديد من الشباب الأورومو، المعروفين باسم قيرواو، التي أدت احتجاجاتهم المعادية للحكومة إلى جلب آبي إلى السلطة.

وقام شباب قيرواو بالغناء في المسيرة بلغة الأورومو وهم يلوحون بعلم “جبهة تحرير أورومو” ويحملون العصي الخشبية التقليدية.

ويقول ليمي مامو، وهو طبيب يبلغ من العمر 26 عاما، “أنا هنا لأرحب بمقاتلي الحرية. أنا أيضا أؤيد آبي أحمد. فهو يتجه بالبلاد نحو الديمقراطية، حيث يمكن للجميع أن يعبر عما يشعر به”.

لكن ذلك لا ينفي أن الطريق مازال طويلا نحو الاطمئنان، حيث تزامن تخفيف الدولة من قبضة سيطرتها مع تصاعد في أعمال العنف العرقي وانتشار الفوضى. وانتشرت خطابات الكراهية واشتبكت مجموعات ذات رؤى متناقضة في شوارع العاصمة أديس أبابا.

وفي 17 سبتمبر، نزل الآلاف إلى شوارع أديس أبابا لمطالبة الحكومة بالتدخل لإيقاف إراقة الدماء، بعد أن قتلت قوات الأمن خمسة أشخاص عندما استولت شرطة مكافحة الشغب والكوماندوس على المدينة. وتقول أيلي، وهي طالبة يبلغ عمرها 23 عاما، “تقول الحكومة الفيدرالية ببساطة إننا واحد، لكن الأورومو ينتقمون ويقتلون الناس”.

7