"النحلة الطنانة" المتحوّلون يجددون صراعاتهم للاستيلاء على الأرض

تنشغل السينما الأميركية كثيرا بالأفلام التي تمتد إلى سلسلة حتى صار هذا النوع علامة فارقة يجتذب إليه جمهورا كبيرا، هي في الواقع ظاهرة متأصلة في الحياة السينمائية، فضلا عن تفاعلها مع سلاسل الكوميكس والرسوم الكرتونية.
يندرج فيلم “النحلة الطنانة” للمخرج ترافيس نايت ضمن سينما الخيال العلمي، وينتمي تحديدا إلى ما يُعرف بسلسلة المتحوّلين التي انطلقت سينمائيا في العام 2007، ليتم إنتاج ستة أفلام منها حتى الآن.
والمتحوّلون هي كائنات روبوتية بإمكانها أن تكتسب أشكالا وأجساما أخرى على فرض أنها قادمة من كوكب آخر وتمتلك قدرة تدميرية هائلة.
وسنشاهد في بداية الفيلم عراكا شرسا بين روبوتات ضخمة حتى تحسب أنها ألعاب فيديو، ثم لننتقل إلى قصة درامية عندما يتحول روبوت منشق عن مجموعته إلى سيارة فولكسفاغن من نوع ما يسمّى ضفدعة أو سلحفاة ملقاة في مرآب سيارات مستهلكة.
وفي المقابل سنعود إلى أسرة تشارلي (الممثلة هايلي ستينفيلد)، وهي تعيش مع أمها وزوج الأم والشقيق، وتسترجع دوما في حنين جارف ذكرى والدها، وتشاء الصدف أن تمر بمقبرة السيارات القديمة لتعثر على السيارة الضفدعة الصفراء لتطلبها من صاحب المرآب فيهديها لها.
من هنا سيبدأ التحوّل الدرامي، إذ تكتشف تشارلي أنها ليست سيارة، بل هي كائن روبوتي في شكل سيارة، وسرعان ما يتحول عائدا إلى شكله الروبوتي الضخم.
في هذه الأثناء يقوم روبوتان ضخمان بالهبوط على سطح الأرض بحثا عن الروبوت الثالث المارق، وهنا تحضر أحدث التقنيات الرقمية في الاقتفاء والتعقب، ليتفقا مع قيادة الأركان الأميركية على العمل المشترك الذي سوف يفضي إلى تمكن الروبوتين من اختراق نظام اتصالات البنتاغون، وستكون وظيفة الروبوت المارق الذي أطلقت عليه تشارلي النحلة الطنانة، هو الدفاع عن بني الإنسان ضد ذلك الغزو.
سوف تتكرر هنا قصة الألفة والتعلق ما بين الكائن الروبوتي والإنساني، علاقة فيها الكثير من المغامرات تلك التي سوف تربط تشارلي مع النحلة الطنانة- الروبوت.
ويعج الفيلم بالطبع بمشاهد العراك الشرس، لاسيما بعد العثور على النحلة الطنانة ونشعر في كل مرة بتعاطف معه في مقابل الشريرين الآخرين.
وتتكرر في الفيلم كذلك مشاهد التحوّل من سيارة إلى روبوت وبالعكس، وهو ما تطلب حلولا وخدعا بصرية تم استخدامها ببراعة في خلال أحداث هذا الفيلم.
ويتجه الفيلم لمخاطبة جمهور يجد في هذه السلسلة ما يبحث عنه من مغامرات ونزالات بين الروبوت، وهناك بالطبع مشاهد قطع الأنفاس، لاسيما بعد انكشاف مخطط الفضائيين لضرب أهل الأرض والاستيلاء على الكوكب.
وفي إطار المعالجة الفيلمية عمد المخرج إلى تأسيس مشاهد حوارية بدت مترهلة ومطولة سواء بين تشارلي وأسرتها أو مع صديقها، ثم لنعود إلى الروبوت الذي تم تعريفه بالرمز B-127، وتشعر بالتعاطف معه، نظرا إلى أن قدراته لا ترتقي إلى مستوى خصومه، وهو ما استدر عاطفة تشارلي تجاهه وسعيها إلى إنقاذه ثم إنقاذه لها في العديد من المشاهد.
وتعود الأحداث بالمُشاهد إلى العام 1987، حيث ما تزال تشارلي تعيش ذكرى والدها المتوفى غرقا، ولهذا لا تقوى على الغوص في الماء إلاّ في مشهد مصيري ومصنوع بعناية عندما تسعى إلى إنقاذ صديقها الروبوت.
يمزج الفيلم ما بين تلك السلسلة السابقة وبين إيجاد شكل فيلمي أكثر واقعية من خلال الحياة اليومية لتشارلي، والتي من خلالها سوف نكتشف شكل الحياة في تلك الحقبة لمن لم يعشها.
وإذا انتقلنا إلى خطوط السرد الفيلمي، فإن المخرج وكاتب السيناريو عمدا إلى قدر من التنويع في مسارات السرد لغرض تجاوز النمطية التي تطبع أفلاما من هذا النوع والقائمة أساسا على فكرة الصراع والانتقام.
ولا يخلو الفيلم من العديد من المشاهد الكوميدية المسلية، ومنها مثلا دخول الروبوت إلى منزل تشارلي وتحطيم كل شيء، ومنه أيضا محاولة تشارلي أن تخبئ الروبوت، فيختبئ خلف كومة من الرمل وغيرها من المشاهد الطريفة التي تم صنعها للتخفيف من وطأة مساحة الخيال العلمي في الفيلم.
في المقابل وجدنا أن هذا الفيلم ينتمي إلى ذلك النوع من الأفلام الذي يجمع ما بين الحركة والخيال العلمي والعنف، لاسيما مع تدخل الجيش طرفا في الأزمة والخديعة التي تعرّض لها كبار القادة والتي أتاحت للروبوتيين الفضائيين التسلل إلى أنظمة اتصال الجيوش المتحالفة.
وإذا عدنا إلى السمات المشتركة لهذه السلسة من الأفلام، فإننا سوف نجد هذا الفيلم لا يضيف كثيرا للسلسلة، وخاصة للفيلم الأول “المتحوّلون” الذي في رأيي هو أهم ما في السلسلة سواء من ناحية الموضوع أو إدارة الإنتاج.
نعم، يمكن للجمهور المهتم بهذا النوعي أن يمضي قرابة ساعتين مستمتعا بتحوّل السيارة السلحفاة إلى روبوت عملاق وبالعكس، لكن ذلك ليس كافيا ولا يحقق إشباعا دراميا لولا المشاهد العائلية الواقعية التي أسهمت في إنعاش الأحداث والارتقاء بالإيقاع الفيلمي.