النحافة الدائمة لا ترتبط بالحمية الغذائية أو بنمط الحياة

باحثون: النحافة عند بعض الناس لا تتعلق بالحمية الغذائية التي يتبعونها أو بأسلوب حياتهم، وإنما يعود الفضل في ذلك إلى جينات ولدوا بها.
الأحد 2019/02/03
البعض يتناولون ما يحلو لهم دون اكتساب الوزن

يصاب بعض الناس بخيبة كبيرة عندما يكونون محاطين بأشخاص نهمين يأكلون كل ما يحلو لهم دون أن يتعرضوا إلى زيادة ملحوظة في الوزن بينما يلاحظون أن أجسادهم تتفاعل مع أي كمية من الطعام يتناولونها وسرعان ما تظهر عليهم علامات البدانة التي تتفاقم، شيئا فشيئا مع الوقت.

لندن - كشف فريق من العلماء أنهم توصلوا إلى معرفة السر الذي يجعل بعض الناس يحافظون دائما على نحافتهم بينما يعاني آخرون من زيادة الوزن. وبيّنت الدراسة التي أجراها العلماء أن النحافة الدائمة مرتبطة بعوامل جينية.

وفي تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي، يقول فريق العلماء متعدد الجنسيات إن هذا الاكتشاف يعزز فكرة أن النحافة عند بعض الناس لا تتعلق بالحمية الغذائية التي يتبعونها أو بأسلوب حياتهم، وإنما يعود الفضل في ذلك إلى جينات ولدوا بها.

وفي العقود القليلة الماضية، بينت الكثير من الدراسات والبحوث علاقة جينات معينة بزيادة الوزن، لكنها لم تنظر في الجينات التي تساعد في المحافظة على القوام النحيف.

وقارن الباحثون في هذه الدراسة عينات من الحمض النووي لنحو 1600 شخص نحيف في صحة جيدة في بريطانيا بعينات لنحو 2000 شخص يعانون من البدانة ونحو 10400 شخص أوزانهم عادية.

واستخدم الباحثون استبيانات عن أنماط الحياة، لاستبعاد المصابين باضطرابات في تناول الطعام مثلا.

وتبين للباحثين أن الأشخاص الذين يعانون من البدانة زاد بينهم احتمال وجود جينات مرتبطة بزيادة الوزن. أما الأشخاص النحفاء، فكانت الجينات المرتبطة بزيادة الوزن لديهم أقل، كما كان لديهم تركيب جيني رُبط حديثا بالنحافة الصحية.

ودعت صدف فاروقي، رئيسة فريق الباحثين والأستاذة بجامعة كيمبريدج، الناس إلى تجنب إطلاق الأحكام على أوزان الآخرين.

وقالت “هذه الدراسة بينت لأول مرة أن النحفاء الذين يتمتعون بصحة جيدة يكونون نحفاء بصفة عامة لأن لديهم عددا أقل من الجينات التي تزيد احتمالات زيادة الوزن، وليس لأنهم أفضل من غيرهم، كما يعتقد بعض الناس”.

وأضافت “من السهل إطلاق الأحكام على الناس وانتقاد أوزانهم ولكن العلم يُبين أن الأمور أكثر تعقيدا، فسلطة الإنسان على وزنه أقل مما نعتقد”.

ويقول العلماء إن المرحلة المقبلة في البحث هي تحديد هذه الجينات المسؤولة عن النحافة. أما الهدف على المدى الطويل فهو دراسة ما إذا كان هذا الاكتشاف سيسمح بوضع أساليب جديدة لإنقاص الوزن.

وتعليقا على هذا الاكتشاف، قال توم ساندرز أستاذ التغذية في جامعة كينغز كوليدج لندن إن “هذه الدراسة مهمة، وأُجريت على نحو جيد، وتؤكد أن البدانة المفرطة غالبا ما تكون محددة سلفا من خلال الجينات، وتظهر أن الأشخاص الذين يتمتعون بالنحافة مختلفون وراثيا عن غيرهم”.

ولكنه أضاف أن “أغلب حالات البدانة تُكتسب في حياة الشخص البالغ، وهي مرتبطة بالبيئة المشجعة على البدانة”، من حيث نمط الحياة الأقل نشاطا وتوفر الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية.

بدوره، يقول تيم سبيكتور الأستاذ بجامعة كينغز كوليدج لندن إن نحو ثلث السكان في غالبية الدول نجحوا في الحفاظ على النحافة بالرغم من هذه البيئة.

ويضيف “يعود هذا في جزء منه إلى الجينات، لكن من المرجح أن عوامل أخرى مثل الفروق الفردية في نمط الحياة أو ميكروبات الأمعاء لها دور”.

وتنسجم هذه النتائج مع ما توصل إليه العلماء، في دراسة سابقة، إلى أن سبب السمنة المفرطة لدى الأطفال يعود إلى خلل جيني ينجم عادة عن فقدان الطفل لجزء أساسي من مورثاته الحمضية، وليس بالضرورة إهمال الأهل وسوء إدارتهم التي قد تتسبب بإفراط أبنائهم في تناول الطعام.

باحثون يؤكدون ارتباط التعرض العالي لانبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين والكربون، المنبعث من الوقود الأحفوري، بزيادة استهلاك الوجبات السريعة
باحثون يؤكدون ارتباط التعرض العالي لانبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين والكربون، المنبعث من الوقود الأحفوري، بزيادة استهلاك الوجبات السريعة

وقال العلماء إن من شأن النتائج التي توصلوا إليها في دراستهم أن تطوِّر طرق تشخيص البدانة المفرطة، والتي يُعتقد خطأ أنها تنجم في بعض الأحيان عن التخمة المضرة بالجسد.

نُشرت نتائج الدراسة، التي أُجرتها جامعة كامبريدج البريطانية بالاشتراك مع “معهد ويلكوم تراست سانجر” وشملت 300 طفل يعانون من السمنة، في مجلة “نيتشر” المتخصصة. وكانت أسماء بعض الأطفال ممن شملتهم الدراسة قد وردت رسميا في سجلات دوائر الخدمة الاجتماعية ضمن قوائم وُضعت عليها علامة “في خطر”، وذلك على افتراض أن أولئك الأطفال يفرطون بتناول الطعام عمدا بتحفيز من ذويهم.

وكان الباحثون المشاركون في الدراسة قد أجروا فحصا دقيقا لكامل الخارطة الجينية (الجينوم) الخاصة بكل طفل تشمله الدراسة، وذلك بقصد البحث عن الثنائيات الجينية (شرائط الحمض النووي) المشطوبة أو المفقودة لديهم، والتي تُعرف باسم الطفرات الوراثية (سي.أن.في)، والتي يعتقد العلماء أنها تلعب دورا هاما في المرض الوراثي.

وبمقارنتهم لملف الصبغيات (دي.أن.آي) للأطفال البدناء مع تلك العائدة لأطفال تكون أوزانهم طبيعية، وجد العلماء أن أجزاء محددة من الجينوم تكون مفقودة عند الأطفال الذين يعانون من السمنة.

وقد ركَّز الباحثون على وجه الخصوص على جزء مفقود من الصبغي (الكروموزوم) رقم 16، والذي يبدو أنّ له صلة قوية بالبدانة المفرطة.

وقالت الدكتور فاروقي، وهي من الباحثين المشاركين في الدراستين، “تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن جينا بعينه من جينات الصبغي رقم 16 ويُدعى (أس.إيتش 2 بي1) يلعب دورا أساسيا في تنظيم الوزن، وكذلك في التعامل مع مستويات السكر في الدم”.

وأضافت “لقد تبين أن الأشخاص الذين يعانون من فقدان تلك الأجزاء من هذا الجين كان لديهم ميل قوي للأكل، وبالتالي ازدادت أوزانهم بسهولة”.

وأردفت “يُضاف هذا إلى الأهمية المتزايدة للأدلة القائلة إن المجال الواسع للطفرات الوراثية يمكن أن ينتج ميلا قويا نحو تناول الطعام… نأمل أن يغيِّر هذا تلك المواقف والممارسات السائدة بين أولئك الذين يضطلعون بمسؤوليات مهنية تتعلق بصحة وسعادة الأطفال ورفاههم”.

أما الدكتور مارت هارلز، والذي اشترك أيضا في إجراء الدراسة، فقال “هذا هو أول دليل على أن الطفرات الوراثية تكون مرتبطة بحالة استقلابية، كالسمنة مثلا”.

وأوضح هارلز “هذه الطفرات الوراثية معروفة سابقا بأنها تسبب اضطرابات كالتوحد ومصاعب التعلم”.

من جانبه، أكَّد الدكتور إيان كامبل، المدير الطبي لجمعية “ويت كونسيرن” الخيرية، “أن معظم الأطفال لم يكن لديهم عوامل وراثية هامة جعلتهم يميلون إلى البدانة”. لكنه أضاف بالقول إن أسباب السمنة، والحلول الممكنة لها، هي من “الأمور المعقدة”.

وقال “إن حقيقة أن العديد من الأطفال الذين شملتهم الدراسة كانوا قد أُخذوا من أقسام الرعاية الاجتماعية وأُعيدوا إلى ذويهم بالنتيجة هي أمر مزعج بحد ذاته، ويجب بالتأكيد أن يضع هذا حدا لادعاءات البعض بأن البدانة عند الأطفال هي قضية بسيطة وتنجم عن إهمال الوالدين أو سوء إدارتهما. الأمر بوضوح ليس كذلك، فتلك العائلات تحتاج إلى دعمنا ومساعدتنا”.

كما توصلت دراسة جديدة، نشرت نتائجها صحيفة ديلي ميل البريطانية، إلى أن العيش في المدن المليئة بالضباب والدخان، يمكن أن يجعل الأطفال يتناولون أطعمة دسمة تماما مثل البالغين. ويقول الباحثون إن المستويات المرتفعة من الجسيمات المنبعثة من محطات توليد الطاقة وأنظمة العادم، ترتبط بزيادة خطر اعتماد نظام غذائي عالي الدهون بنسبة 34 بالمئة.

ووجدوا أيضا أن زيادة هذه المستويات جعلت الناس أكثر عرضة لتناول العشاء في مطاعم الوجبات السريعة وليس في المنزل.

ومن غير الواضح بشكل دقيق، السبب وراء هذه الحالة، رغم أن الخبراء يقولون إنه قد يكون متعلقا بالملوثات التي تفسد كيفية امتصاص أجسادنا للطاقة من الطعام، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات السكر في الدم وتفاقم الجوع.

وبغض النظر عن السبب، فإن فريق البحث من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، يقول إن الأدلة التي توصل إليها تقترح أن خفض مستويات تلوث الهواء في المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة يمكن أن يكون من الطرق المؤثرة للحد من وباء البدانة الذي ينتشر بين السكان الأميركيين.

ويوضح البروفسور صمويل هارفي من معهد بلاك دوغ، “نحن نعرف منذ مدة أنّ التمارين الرياضية تلعب دورًا مهمًّا في علاج أعراض الاكتئاب، ولكنها المرة الأولى التي نتمكن فيها من قياس الإمكانات الوقائية للنشاط الرياضي، من حيث تخفيض مستوى الاكتئاب مستقبلا”.

18