الناقد العراقي أثير شوَّاي: الأدب قادر على تغيير المجتمع

أثير عادل شواي كاتب وناقد عراقي وُلِد في بغداد عام 1978، وحصل من جامعتها على البكالوريوس في الآداب والماجستير في النقد الروائي، ليهاجر مع مطلع عام 2007 إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث بدأ الاشتغال في الصحافة، حيث تابع في جامعة جورج ميسن في ولاية فرجينيا دراسته للأدب الانكليزي ليكمل طريقه الأكاديمي بدراسة الماجستير في العلوم السياسية بتخصص الفلسفة السياسية، في عام 2014 صدر كتابه الأول الموسوم بعنوان “تقنيات تقديم الشخصية في الرواية العراقية، دراسة فنية”، وفي هذا العام صدر له الكتاب النقدي الثاني تحت عنوان “الشعر بعد الحداثة: النظرية، الأشكال، الرؤى، وتطبيقات على شعر أحمد الشيخ علي”.
الأدب والنقد
أبدأ الحديث مع ضيفنا عن المكانة التي يشغلها الناقد اليوم في حضارتِه وفي الأدب العربي خصوصاً، ليقول إنه لا يوجد في مجتمعاتنا استطلاع رأي لمكانة النقاد، ولهذا دلالات عديدة منها ألّا حاجة لمثل هذا الاستطلاع ولا مبرّر، فالناقد مثله مثل أيّ متخصص لا يتوجب علينا بالضرورة أن نعرف شعبيته خلافا للقادة السياسيين مثلا، فالناقد -كما يراه ضيفنا- لا يقود المجتمع ولا يتحكم بذوقه ولا يمتلك أيّ سلطة على أحد، يقول فقط رأيه عبر وسائط عديدة وللمتلقي أن يحكم على ذلك كما يشاء، ويتابع شوّاي أنَّ زمن الأسماء الكبيرة في النقد مثل طه حسين وعباس محمود العقاد قد ولّى، كان ذلك الزمن مرتبطاً بأنظمة الحكم الشمولي للحكام ذوي الأسماء الكبيرة التي تتحكم بكل شيء ولا سيما وسائل الإعلام، تلك المرحلة انتهت بحسب ضيفنا الذي يرى أن الوضع تغير بظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح للجميع إيصال الرأي للجميع، في هذا التفصيل يرى أثير أنَّ النقاد لا يستخدمون هذه الوسائل لتوصيل النظريات النقدية وإجراء تطبيقات في النقد على الأدب في بقاع شتى من العالم.
حديث ضيفنا يقودني لسؤاله عن وظيفة الأدب اليوم من وجهة نظر نقدية وعن الدور الذي يقع على عاتق المثقف عربياً، ليقول إنَّ هناك وجهات نظر نقدية كثيرة جدا ومختلفة للغاية بخصوص الأدب والنقد نفسه، وفي كل زمن ترجح وجهة نظر أو أكثر على سواها، في هذه الأيام، من الصعب القطع بما هي وظيفة الأدب، ومن هنا يمكن أن يكون الناقد مُروِّجاً للاختلاف بعد أن كان صاحب الكلمة الفصل في جودة النص من عدمه، فالناقد يمكن أن يحرّض القارئ على النظر للنص الأدبي من أكثر من زاوية على أساس أن وظيفة الأدب هي القبول بالاختلاف بدل مناهضته، فلا عدم إلا في التشابه والتكرار.
الأدب والهوية
هل لا يزال الأدب دعامة للهوية القومية -أيّ قومية-؟، أسألُ ضيفنا ليقول إنَّ الأدب شديد التنوع، منهُ ما هو قومي على نحو عنصري ومنه ما هو قومي على نحو يضع أبناء قومك أو وطنك في سياقهم الإنساني فتحبهم مرة لأنهم أهلك ومرة أخرى لأنهم يمثلون الإنسانية. ويتابع ضيفنا أنَّ القارئ قلَّما يقرأ لأديب كتَبَ بحسّ إنساني ولا يقع في حب الشعب الذي كتب عنه ذاك الأديب، فالأدب يحكي كثيراً وبشكل مباشر أحياناً عن صراع الهويات، وفي غالبية النصوص من هذا النمط نجد الأدباء البارزين كتولستوي مثلا في “الحاج مراد” يتعالى على هويته الروسية لينتصر لقيم إنسانية تتخطى جميع الأطراف المتصارعة معاً، تلك القيم تتمثَّل في العدالة والصدق والمحبة والإحساس بمعاناة البشر لأنهم كلهم يتألمون ويتخوفون ويأملون ويحبون ويقعون تحت سلطات لا ترحم.
آلية الدراسة النقدية عند أثير شوّاي صارت تتجه نحو دراسة شاعر واحد فقط بدلاً من الاعتماد على المقطع العرضي لعدة شعراء
حديثه عن القيَم الإنسانية قادني لسؤاله عن اعتباره للأدب بوصفه حاوياً للقيم التي تقوم عليها الحضارة المُنتِجَة له، ليقول أثير إنَّ هناك من يفرّق بين الحضارة والمدنية ويقول إن الحضارة هي العصر الذي يشهد نهضة كبرى في البناء والقوة العسكرية والنفوذ مثل العصر العباسي الأول وعصر النهضة الأوروبي، في حين أن المدنية هي التي تمثل السكون والخفوت الذي يلي ذلك، التفريق هنا مهم لأن لكل منهما قيمه المختلفة، والأدب يعبّر عن الاثنين بأشكال مختلفة، فالأدب الرسمي له قيمه التي تحددها السلطة وتستثني بالتأكيد الضحايا التي قام على أنقاضها وأوجاعها صرح هذه القيم كالأقليات والنساء والمهمشين اجتماعيا، وهناك أيضاً الأدب الشعبي بقِيَمِهِ التي يعبر بها عن ضحاياها أيضاً، في هذه الثنائية يظهر الأدب الشعبي بوصفه مقموعاً من الأدب الرسمي حين تكون السلطة في مجدها، وحين تخفت يطل برأسه كأدب العصور المتأخرة قبل سقوط الخلافة العباسية وبعدها حيث شاع الشعر الذي يحكي عن عموم الشعب بألوان مختلفة فضلاً عن المقامات.
في هذا المشهد الغارق بالثنائيات يبدو السؤال التالي: مَن الذي يحدد جودة الأدب؟ بالطبع -والحديث لضيفنا- طبيعة العلاقة بين السلطة والنخبة ووسائل الإنتاج وتأثيرها على الحرية الفردية هي من تحدد جودة الأدب وتراتبية الأدباء، فالقِيَم كما يراها أثير شوّاي ليست مستقرة والنصوص الأدبية متفاوتة في مدى التعبير عن ذلك من خلال خضوعها لمحددات كثيرة.
الأدب والتغيير
حديث ضيفنا عن الأدب والمحددات التي تحكمه دفعني لسؤاله عن رأيه بقدرة الأدب على إحداث تغيير في المجتمع عموماً وبالتالي عن قدرته على إذكاء جذوة الثورة، ليؤكد قدرة الأدب على ذلك، ويشير هنا إلى نصوص عديدة قيلت في مراحل هامة من التاريخ وأدت إلى تغيير حتمية مجرياته لأنها ألهبت الجماهير بما كانت تتضمنه من شحنات عاطفية كبيرة جداً في اللحظات الفارقة، على الضفة الأخرى يشير ضيفنا إلى أنَّ الأدب يمتلك القدرة أيضاً على تعليم الناس أن التغيير لا يأتي فجأة بل يحتاج إلى التدريج من خلال تغيير الوعي الخاص والجمعي ومن ثمّ الواقع.
|
وفي ظل الظرف الحالي الذي يحكم العديد من بلدان المشرق العربي، أسأل ضيفنا عن مقولات الأدب في ظل انهيار المدن الذي نشهده ليؤكد أنَّ التجليات لما يحدث بدأت تظهر في الرواية والشعر، ويضرب مثالاً برواية “وحدها شجرة الرمان” للكاتب العراقي سنان أنطون الذي تناول العاصمة بغداد في ظل جولات الاقتتال الداخلي عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، وكذلك فعل الشاعر أحمد الشيخ علي في قصيدة “شجرة العزاءات”، بينما قدَّم الشاعر السوري نوري الجراح عدة أعمال شعرية انعكست فيها التراجيديا الإنسانية المروعة في سوريا مثل “يأس نوح” و”قارب إلى ليسبوس″، و”مراثي هابيل”، وجميع هذه النصوص تتنصر للإنسان وحده وتحاول التركيز عليه بوصفه القيمة الكبرى التي تضمحل أمامها القيم الأخرى التي باسمها يـُذبح، ويشير أثير هنا إلى أنَّ أسلوب هذه الأعمال يتعالى عن الخطابية على الرغم من أنه يتضمن كمّا هائلاً من الحزن والفجيعة على نحو قد يدفع الكاتب إلى التعبير تعبيراً مباشراً عنها.
ارتكازات النقد
يُقرُّ ضيفنا أنَّ كل صوت هو تعبير عن المجتمع، النكتة والشتيمة والإيماءة والفيلم والقصيدة والملابس وحتى كتب الخيال العلمي، كلها تعبّر عن نواح معينة من المجتمع!، ودور الأديب هنا يكون في القدرة على قراءة الطبيعة المعقدة للمجتمع وصراعات شرائحه وعلاقته بالسلطة والفرد ومن ثم التعبير عن ذلك تعبيرا فنيا ممتازا.
في الحديث عن ارتكازات الاشتغال النقدي لدى أثير عادل شوّاي يقول ضيفنا إنَّهُ معنيّ الآن بدراسة شعر ما بعد الحداثة حيث أصدر قبل شهر كتاباً عنه ويُعدِّ الآن لكتاب آخر، فآلية الدراسة النقدية عنده صارت تتجه نحو دراسة شاعر واحد فقط بدلاً من الاعتماد على المقطع العرضي لعدة شعراء إدراكاً منه لأهمية فرادة كل أسلوب بدل قسر أكثر من شاعر في قوالب مسبقة ووعياً بضرورة إدراج النص الأدبي ضمن سياقه العام ومؤثراته عوضاً عن التشتت بدراسة أساليب مختلفة لأكثر من شاعر.
كاتب من سوريا