النازحون السوريون في لبنان يترقبون محفزات العودة

بيروت- يتطلع النازحون السوريون للعودة إلى بلادهم بعد الإطاحة بالنظام السوري السابق وفرار رئيسه بشار الأسد، لكنهم يتريثون، بانتظار استتباب الأمن وتحسن الوضع الاقتصادي.
وتمكنت فصائل المعارضة المسلحة في سوريا بعد أن بدأت تحركها من شمال غرب سوريا في 27 نوفمبر الماضي، من الوصول إلى العاصمة دمشق فجر الثامن من ديسمبر الماضي وأعلنت الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي دام مدة 24 عاماً.
وبعد سقوط النظام السوري بدأ الآلاف من النازحين السوريين بالعودة من لبنان إلى بلادهم عبر معبر المصنع الحدودي الرسمي مع سوريا في البقاع شرق لبنان، ومعابر أخرى غير رسمية، فيما نزح الآلاف من السوريين بالاتجاه الآخر إلى لبنان.
ويتخطى عدد النازحين السوريين في لبنان المليوني نازح، فيما 42 في المئة من مجموع السجناء في لبنان من الجنسية السورية. ويطالب لبنان بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم عودة آمنة وكريمة.
وقال عمار حسن الحميّد القادم إلى لبنان من منطقة دير الزور في سوريا لوكالة الأنباء الألمانية “عندما بدأت الحرب في سوريا في العام 2011 انتفت كل وسائل الحياة المعيشية والتعليمية بسبب وجود النظام، الذي أجبر الشباب على الانخراط في الخدمة العسكرية والقتال، وإذا فروا إلى مكان تواجد الجماعات المسلحة الإرهابية تعرضوا للتنكيل أيضاً، لذلك خرج قسم كبير من السوريين من سوريا إلى لبنان، وأنا من بينهم.”
وأضاف الحميّد الذي يعمل ناطورا لأحد المباني في منطقة جبل لبنان” منذ ثماني سنوات لم أر أولادي، ولي ابنة عمرها ثماني سنوات لا تعرفني، ولا أستطيع العودة الآن إلى سوريا حتى بعد زوال النظام السوري، بسبب القلق الأمني من إمكانية الخطف أو التصفية الجسدية على يد جيوب النظام أو الميليشيات.”
واعتبر أن “هناك حاجة إلى تشكيل نظام جديد ودولة تنشر الأمن والقانون ليتمكن السوريون من العودة إلى بلادهم، وهناك حوادث تحدث ولا تخرج إلى الإعلام.”
ورأى أنه “لا يوجد استقرار في سوريا حالياً، ولا تزال هناك جيوب للنظام السوري السابق، وهناك بعض الإرهابيين متواجدون في عدد من المناطق السورية، وهناك فصائل لا نعرفها. والحديث عن استقرار الوضع الأمني يحتاج إلى سنة على الأقل.”
وقال “نحن هنا في لبنان مرتاحون ولكننا نفضّل العودة إلى بلادنا، حيث أنواع العمل للسوريين في لبنان محدّدة في مجالات معينة، ولا يمكن لأي سوري أن يستخدم شهادته في لبنان.”
وتشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى عودة 300 ألف نازح سوري من لبنان إلى بلادهم، بعد سقوط نظام الأسد، والذين تركوا مناطقهم في سوريا بفعل الأزمة الأمنية والاقتصادية التي شهدتها سوريا منذ عام 2011.
وقالت الفتاة بيان التي تعمل في محلّ لتصفيف الشعر في جبل لبنان “أتينا من حلب إلى لبنان في نهاية عام 2011 بسبب الحرب حيث كانت الطائرات تقصف عشوائياً، وكنت يومها طفلة صغيرة.”
وأضافت “لا أريد العودة إلى سوريا، لقد تأقلمنا مع الحياة هنا في لبنان، ولا أعتقد أنه يمكننا التأقلم من جديد في سوريا. وأهلي يمكن أن يذهبوا في زيارة إلى سوريا ولكن لن يستقروا فيها بعد أن هُدم منزلنا.”
وتابعت بيان “هنا نشعر بالأمان ويمكن لفتاة أن تخرج من منزلها دون أن يتعرض لها أحد، بالرغم من التمييز الذي نتعرض له في العمل حيث أجر اللبناني أعلى من أجر السوري. ولقد ذهبت أختي إلى حلب منذ ثلاث سنوات لتكمل دراستها، ولكنها عادت بعد شهرين، بعد أن لحق بها خمسة شبان لدى خروجها من المنزل وكانت بمفردها، بالرغم أنها كانت ترتدي اللباس الشرعي، أما هنا في لبنان فلا نتعرض لحوادث مماثلة.”
وما زال الآلاف من النازحين السوريين يترقبون انعكاسات الانهيار السريع لنظام الأسد، ويتابعون التطورات عن كثب لمعرفة ما إذا كان انتقال السلطة في سوريا سيضمن لهم حقوقهم، وما إذا كان سيتيح لهم فرصة العودة بأمان.
وقال سعيد صالح الحاج محمد من منطقة دير الزور في سوريا، الموجود في لبنان منذ عام 2011، “أتيت إلى لبنان منذ عام 2011 بسبب الحرب التي اندلعت في سوريا في ذلك الوقت، حيث طالب قسم من الناس بتغيير النظام بداية في درعا، ولم يتقبل النظام السوري المعروف بالقسوة والظلم الأمر، فأهان المطالبين بالتغيير، واندلعت الحرب وانتقلت من محافظة إلى أخرى وفقد الأمن ولم يعد بإمكاننا البقاء، واضطر قسم من السوريين إلى الخروج من سوريا وأنا من بينهم.” وأضاف الحاج محمد الذي يعمل في مجال ترميم المنازل مع متعهدين في ورش البناء “ما دفعنا للنزوح إلى لبنان هو فقدان مقومات الحياة في دير الزور وبالأخص الوضع الاقتصادي، وارتفاع أسعار السلع وانقطاع الرواتب وفقدان بعض السلع.”
وتابع الحاج محمد “بعد سقوط النظام نحن متفائلون بالجماعة التي تسلّمت زمام الأمور في سوريا ونأمل أن تتمكن من إنشاء دولة مدنية في سوريا مؤسسة على دستور جديد يستند إلى حرية الرأي.”
وأشار إلى أن “من عادوا من لبنان إلى سوريا بعد سقوط النظام أخبرونا أن الوضع جيد وأصبحت هناك حرية”، معتبراً أن “العقبة الأكبر التي كانت تحول دون عودة النازحين السوريين إلى بلادهم المتمثلة في وجود النظام السابق القمعي والأمني ليس لها مثيل، ومهما حصل لن يكون أسوأ.”
وأوضح أن “حياة السوريين كانت محفوفة بالخوف، بحيث لا يجرؤ المواطن السوري على التعبير عن رأيه أو يوجه انتقاداً للدولة أو الحكم كي لا يختفي عن الوجود. وبعد خلع النظام وإزاحته، أي عقبة أخرى يمكن تخطيها بسهولة.”
وقال الحاج محمد “بعد أيام سوف أذهب إلى سوريا ولكن لن أستقر هناك بسبب الوضع الاقتصادي وعدم وجود فرص عمل فالدولة نُهبت في ظل النظام السابق. ونأمل أن يتمكن القيمون على الحكم الجديد من إرساء الاستقرار في سوريا بالتعاون مع الدول الداعمة.”
ويأمل السوريون أن تحمل الأيام القادمة الأمن والسلام لبلادهم ليتمكنوا من العودة إليها وإعادة إعمارها. ويعتبرون أن العقبة الأصعب، المتمثلة في وجود نظام قمعي وظالم، تم تخطيها وما سيحصل في سوريا سيكون أفضل وأهون مما كان.