النادي الوحيد للملاكمة في غزة متنفس للفتيات من ضغوط الحياة اليومية

غزة - في النادي الوحيد للملاكمة في غزة والخاص بالفتيات، تتمرن فرح أبوالقمصان البالغة من العمر 15 عاما على حركاتها وتتبادل تسديد الضربات مع فتيات أخريات ومعهن المدرب أسامة أيوب.
ومنذ دخولها عالم هذه الرياضة في سن التاسعة، تجد فرح في اللعبة متنفسا من ضغوط الحياة اليومية في القطاع الساحلي الضيق الذي يعيش به نحو 2.3 مليون فلسطيني.
وتروي فرح في أول مركز فلسطيني للملاكمة النسائية بغزة “كنا نلعب بحاصل صغير وضيق جدا، صرنا نلعب بالقوانين الأساسية ونفرغ طاقة سلبية”.
وكانت اللاعبة فرح أبو القمصان (15 عاما) تتابع بطولات الملاكمة عبر الإنترنت، قبل أن تقرر خوض غمار تجربة اللعب.
وتقول اللاعبة صاحبة الجسد النحيل “أتابع (على الإنترنت) ملاكمين مثل محمد علي كلاي ومايك تايسون، يجب مشاهدة مبارياتهم لأن طريقة لعبهم صحيحة، هم دائما يفوزون بالمرتبة الأولى”.
وتنافست في البطولة التي أقيمت الجمعة إناث من فئات عمرية مختلفة حسب الأوزان. وبدأ أسامة أيوب (35 عاما) قبل ست سنوات بفتاتين. ومع انضمام المزيد، انتقلوا من المرأب وبدأوا التدريب على الشاطئ أو في أماكن مستأجرة قبل الانتقال إلى مبنى النادي الجديد.
عدد الفتيات حاليا وصل إلى نحو 40 فتاة يتدربن في المركز الذي يضم حلقة ملاكمة بالحجم الكامل ومعدات تدريب
ويقول أيوب “البنات جاهزات، أنا دربتهن بشكل قوي لخمس سنوات… نحن نقدم نموذجا”.
ووصل عدد المتدربات حاليا إلى نحو 40 فتاة يتدربن في المركز الذي يضم حلقة ملاكمة بالحجم الكامل ومعدات تدريب وملصقات على الجدران لأبطال الملاكمة مثل مايك تايسون ويتحدين التوقعات في منطقة لطالما اعتبرت هذه الرياضة حكرا على الرجال.
ويشير أيوب إلى قلة الإمكانيات وكيف أن كل ما حققه في مجال رياضة الملاكمة كان جهدا شخصيا.
ويقول “نحن ناد أولمبي للملاكمة، غياب الإمكانيات يعتبر من أهم المعوقات”. ويضيف مفتخرا “هذا مجهود شخصي”. وتضيف أبوالقمصان “كان الناس يقولون لي لماذا الملاكمة؟ ماذا ستستفيدين منها؟ تعلمي شيئا تستفيد منه بناتك”. وتستدرك ” أنا استفدت من الملاكمة كثيرا واليوم أنا طموحي أن أمثل شعبي الفلسطيني وأشارك في بطولات عالمية.”
وتعاني لعبة الملاكمة كما بقية الرياضات في غزة من ضعف الاهتمام والإهمال الرسمي، خاصة عندما يتعلق الأمر في الفتيات وتدريبهنّ وتطوير مهاراتهنّ، وتؤكد ذلك هيام التي ظلت تبحث، مدة عامين، عن ناد يهتم بها، “من المؤسف أن هناك الكثير من الرياضات التي تفتقر للعنصر النسائي القوي، وفي حال وجد ذلك يكون الأمر بجهود فردية وجهد شخصي من السيدات الشغوفات”، لكنها تشير إلى بدء الاهتمام الرسمي بالنساء.
وواجهت هيام صعوبة في ذلك، فلا يوجد في غزة أندية مخصصة لتعليم الفتيات رياضة الملاكمة، وعلى الرغم من ذلك، ظلت تترقّب الفرصة حتى جاءت عندما أعلن اتحاد الملاكمة الفلسطيني (منظمة رسمية معترف بها دولياً، ويعد فرعاً للاتحاد الدولي للملاكمة) تشكيله فريقاً نسائياً بامتياز لهذه الرياضة.
الرياضة النسوية في غزة تجاوزت حدود العادات والتقاليد المجتمعية
وفي الواقع، كانت هناك فرق عدة للنساء في قطاع غزة تهتم بتدريب رياضة الملاكمة، إلا أنه لم يكتب لها النجاح والاستمرار بسبب عادات وتقاليد المجتمع الذي يستهجن ممارسة الفتيات هذه الرياضة خاصة إذا كان المدربون ذكوراً، وعادة ما يتذرع الناس بأن الملاكمة لا تلقى قبولاً في أوساط الإناث.
وتقول الملاكمة ريتا أبورحمة “غالبية الناس يعتقدون أننا نقوم بشيء مستهجن وتحت بند العيب، وأننا نتخطى العادات والتقاليد، لكن بالنسبة إليّ وإلى أهلي والمجتمع القريب مني، فإن الأمر طبيعي، ومن وجهة نظري، لا توجد رياضة للشباب وأخرى للبنات، الذكور والإناث يستطيعون ممارسة أي رياضة يرغبون بها وهذه الرياضة لا تفقد من أنوثتي شيئا”.
وتضيف ابنة العشرين عاما “بعد مشاهدتهن لي، فإن صديقاتي سيسجلن أيضا في هذه الرياضة”.
ويعيش في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس الإسلامية، نحو مليوني شخص، يعانون من البطالة المرتفعة التي تصل إلى حوالي 50 في المئة بشكل عام، وحوالي 65 في المئة في صفوف الشباب.
ويرى المتابعون أن الرياضة النسوية في غزة قد تجاوزت حدود العادات والتقاليد المجتمعية .وقالت أنعام أبوقينص (37 عاماً)، مدربة لرياضة البيسبول والسوفتبول، وهما رياضتان حديثتا عهد في قطاع غزة، إن المرأة هي التي تستطيع أن تفرض رغبتها، حتى لو كانت تتعارض مع رغبة المجتمع.
وأشارت أبوقينص إلى أنه تأسس اتحاد لأنواع جديدة من الرياضات في قطاع غزة عام 2017، وقد انضمت إلى نادي النصر العربي وبدأت بمتابعة الفرق الرياضية الناشئة للفتيات، مبينة أن رياضة البيسبول والسوفتبول وجدتا إقبالا كبيرا لتعلم مهاراتهما، رغم معارضة أهل الفتيات بالانضمام.

وقالت “استطعت إقناع الأهل بأهمية إشراك فتياتهن في الأنشطة الرياضية التي يغربون بالمشاركة فيها، وبعض الأهالي حضر التدريبات لاكتساب المزيد من الثقة”.
وحصلت أبوقينص على جائزة أفضل لاعبه لعام 2020 للبسيبول، بتشجيع من عائلتها وإسنادها في المباريات. وعندما قامت بتأسيس فريق كرة قدم للفتيات دون سن 18 عاماً، قالت إنها رافقت الفتيات المنخرطات في الفريق في رحلتي الذهاب والإياب إلى النادي، وصولا إلى مرحلة تغيرت فيها الثقافة السائدة بأن الرياضة للذكور فقط.
ويتقاطع ما قالته المدربة أبوقينص مع أقوال الصحافية والباحثة الرياضية نيلي المصري التي أشارت إلى أن النساء الرياضيات استطعن كسر القالب التقليدي الذي كان سائدًا، “فالعادات والتقاليد المجتمعية التي كانت تمنع المرأة من ممارسة كافة أنواع الرياضة منذ سنوات ليست قليلة، ضربت بها المرأة عرض الحائط”.
وأفادت أن المجتمع قبل سنوات قليلة مضت، كان يعتبر أن الرياضة سلوك غير مناسب للمرأة، غير أن مشاركة العديد من النساء في مسابقات المشي (المارثون) التي نظمها العديد من المؤسسات النسوية المحلية، وكذلك المنظمات الدولية، شكلت اختراقاً للنمطية التفكير تجاه ممارسة النساء للرياضة في الأماكن العامة.
وأكدت هلا الحسيني رئيسة لجنة المرأة في الاتحاد الفلسطيني للثقافة الرياضية (غير حكومي) أن التوعية بأهمية الرياضة بالنسبة إلى النساء أمر في غاية الأهمية من أجل كسر الصورة النمطية في المجتمع حول حق المرأة في ممارسة الرياضة، مشددة على أهمية ألا تكون ممارسة الرياضة لفئة معينة أو عنصر معين أو لون معين، “فهي لكل البشر ويجب أن تُمارس من الجميع”.