المولات في السعودية مضامير مكيّفة لرياضة المشي

الكثير من المراكز التجارية في الرياض تتحول إلى مضمار مشي مزدحم، حتى قبل أن تفتح المتاجر والمقاهي أبوابها.
الجمعة 2023/10/27
فرصة لمتابعة جديد العلامات التجارية

تتخصص المركبات التجارية عادة في التسوق والمطاعم والمقاهي، لكن المولات في السعودية توسع نشاطها الترفيهي فصارت بمثابة المضمار الرياضي تمارس فيه النساء والرجال رياضة المشي قبل ساعات العمل الرسمية في أجواء لطيفة بعيدا عن حرارة الطقس.

الرياض – كل صباح يتوجه السعودي محمد سلطان مرتديا قميصه وسرواله الرياضييّن إلى مركز تجاري مُكيّف في شرق الرياض، ليس بغرض التسوق، لكن لممارسة المشي لنحو ساعة بعيدا عن الحرارة اللاهبة في الخارج.

وفي السعودية ومنطقة الخليج عموما، تمتدّ فترة الحرّ عادة بين شهري أبريل وأكتوبر، وهو ما يعيق ممارسة الكثير من الأنشطة في الهواء الطلق، خصوصا أثناء ساعات النهار وعلى رأسها ممارسة الرياضة.

ورغم أنّ الساعة لم تكن بلغت التاسعة صباحا، كانت الحرارة في الخارج تلامس الأربعين درجة مئوية حتى في مطلع أكتوبر، فيما يلطّف تيار هواء بارد الأجواء داخل مركز “النخيل مول”.

يقول المهندس سلطان (55 عاما) وهو يبطئ حركته قليلا ليلتقط أنفاسه ويرتشف الماء “الجو حارّ جدا في الخارج لممارسة الرياضة. والمشي على جهاز المشي الكهربائي في صالات الألعاب الرياضية ممل للغاية”.

ويؤكد أن “الجو هنا بارد لا يسبّب العطش لذا الأجواء مثالية لممارسة الرياضة خلال الصيف وحتى بداية الخريف”. حولهما، كان آخرون يسيرون بخُطى متسارعة وكثير منهم بالثوب الأبيض التقليدي أو العباءات السوداء، لكنّ جميعهم يرتدون الأحذية الرياضية.

وفي الصباح الباكر حتى في عطلة الجمعة، تتحول الكثير من المراكز التجارية في الرياض إلى مضمار مشي مزدحم، حتى قبل أن تفتح المتاجر والمقاهي أبوابها. وما إن غادر سلطان وزوجته المركز، حتى وصلت الأسترالية زوزانا كلاوس وأعضاء مجموعتها النسائية للمشي لبدء رياضتهنّ الصباحية.

pp

وأسست كلاوس التي تعيش في الرياض منذ ستّ سنوات مجموعة للرياضة النسائية في 2020 لتجاوز آثار الحجر المنزلي أثناء انتشار كوفيد. والآن، باتت تنظم أربع جولات للمشي أسبوعيا في مراكز تجارية كما توسعت المجموعة إلى مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر (غرب).

وتقول كلاوس التي ترتدي بنطالا رياضيا ضيقا وقميصا أرجوانيا فوقهما عباءة سوداء تركتها مفتوحة، إنّ المشي في المراكز التجارية “هو الخيار الوحيد في السعودية بسبب الحرارة المرتفعة”.

وتؤكد الشقراء التي يتابعها أكثر من 20 ألف شخص على تطبيق إنستغرام أنّ “المركز التجاري آمن للنساء ومكيّف والأجواء فيه لطيفة. فلا تلوث ولا غبار ولا حركة مرور”، فيما كانت أكثر من 20 امرأة، معظمهنّ أمهات، يمارسن الرياضة أمام الواجهات الزجاجية للمتاجر التي لا تزال أبوابها مغلقة.

ولم يكن مشهد هؤلاء النساء بملابسهن الرياضية ممكنا بشكل علني قبل سنوات قليلة لولا حملة الانفتاح الاجتماعي التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ 2017.

واعتاد سكان السعودية مترامية الأطراف استخدام السيارات بشكل مفرط وهو ما حدّ تقليديا من ممارسة المشي. لكنّ المشي في المراكز التجارية، المعروف بالفعل في الولايات المتحدة، بات راهنا بمثابة رياضة سعودية.

وواحد من كل خمسة سعوديين مصاب بالسمنة، بحسب دراسة للبنك الدولي صدرت في 2022 واعتبرت المسألة “أمرا مقلقا”. ولمواجهة الخطر الصحي، ينظم الاتحاد العام للرياضة للجميع ماراثوناً شارك المئات من السعوديين والأجانب في نسخته الثانية هذا العام.

وشرعت السلطات في تشييد “المسار الرياضي” ليقطع العاصمة الرياض من شرقها إلى غربها بطول 135 كيلومتراً في مسعى لتشجيع رياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية وركوب الخيل.

لكنّ المشروع الطموح الذي يعدّه منظمون “عمودا فقريا أخضر عبر المدينة” مع “ملاعب كرة قدم مُظللة”، لا يزال بحاجة إلى سنوات ليكتمل.

وتقول أخصائية التغذية السعوديّة ليلى الرفاعي (46 عاما) وهي ترتدي عباءتها السوداء إنّ أمام الطقس المتقلب، فإنّ “المراكز التجارية تشكّل الحل المثالي للاستمرارية في المشي أي وقت في اليوم وأي وقت في السنة مهما كان الطقس في الخارج”.

pp

وباتت الأم لأربعة أبناء تمارس الرياضة ثلاث مرات أسبوعيا ضمن مجموعة كلاوس النسائية، مشيرة إلى أن “الصباح الباكر هو الوقت الأفضل لهنّ للمشي قبل الانشغال بالمنزل والأبناء”.

وتضاعفت أعداد أندية اللياقة البدنية للرجال والنساء في أرجاء المملكة، لكنّ اشتراكاتها الشهرية مرتفعة بالنسبة إلى الراغبين في ممارسة المشي فقط. كما لا تناسب أجهزة المشي الكهربائية كبار السن خصوصا ممن يعانون آلاماً في المفاصل.

ويشجع مدرب اللياقة البدنية اللبناني حسّان مرعي زبائنه على السير في الهواء الطلق الذي يعتبره “الأفضل في كل الحالات”. ويقول الشاب المقيم في الرياض إنّ ذلك “يساعد على حرق الدهون أسرع ويقلل من التوتر”.

لكنّ السورية بتول زند الحديد (41 عاما) تجد المشي في المراكز التجارية “ممتازا لمن لا يزال يتحسس خطواته الأولى”.

وأشارت الرياضية المحجبة إلى أنها “تجربة أشمل ومسلية أكثر”، إذ إن ذلك يمكنها من متابعة أحدث صيحات الموضة في المحال المختلفة أثناء تمارين الرياضة. وبعدما صارت تأتي إلى المركز للمشي أكثر من التسوق، أكّدت أنّ “الهدف المقبل هو أن نجري هنا كل يوم جمعة فجرا”.

18