الموت يحاصر عمّال الصرف الصحي في الهند

نيودلهي - يبلغ شير سينج بالكاد 50 عاما من العمر، ومن شدة الجهد يمكن سماع صوت صادر عنه كالأزيز وهو يتنفس، محاولا الجلوس داخل غرفة صغيرة مستأجرة، كائنة في إحدى ضواحي العاصمة الهندية نيودلهي.
ومنذ أكثر قليلا من ثلاث سنوات، تم تكليف سينج بمهمة إزالة انسداد، في مجاري الصرف الصحي، فنزل إلى داخل خزان مملوءا بالمياه العفنة، يبلغ عمقه عشرة أقدام، وهو عبارة عن غرفة مبنية من الخرسانة، يتم داخلها تجميع القاذورات غير المعالجة الناتجة عن المراحيض.
ونزل سينج إلى الخزان متتبعا ثلاثة أفراد آخرين، إلى داخل خزان المياه العطنة، ولم يصعد إثنان منهم إلى أعلى لأنهما فارقا الحياة اختناقا، أما سينج فقد أعجزه المرض عن العمل منذ ذلك الحين.
ويحكي سينج ما حدث في ذلك اليوم فيقول، “بعد أن نزل الآخرون، جلسوا وأسندوا ظهورهم إلى جدار الحفرة، وهو ما فعلته أنا أيضا، وسرعان ما فقدنا الوعي، وقال المشرفون لنا بعد ذلك أننا ربما استنشقنا غاز الميثان”.
وكان كل ما يرتديه سينج عندما نزل إلى الحفرة، زوج من السراويل القصيرة، ولم يكن مزودا بقناع واق من الغازات، أو قفازات أو أية أدوات أخرى للوقاية. وحظر قانون هندي صادر عام 1993، ممارسة تنظيف البراز البشري بطريقة يدوية، وتم إضافة بنود أكثر صرامة إلى هذا القانون عام 2013.
ويقضي القانون بتوقيع عقوبة السجن لمدة عامين، مع دفع غرامة مالية كبيرة، على كل من يشغل شخصا في تنظيف الفضلات البشرية، كما يحظر على أي شخص، بما في ذلك المجالس البلدية والقروية، تشغيل أي شخص في تنظيف مجاري الصرف الصحي أو خزاناتها، بدون تزويده بأدوات الحماية اللازمة.
وجاء في بيان ألقته الحكومة الهندية في البرلمان مؤخرا، أنه لم يوجد أي تقرير، يشير إلى حدوث تنظيف لخزانات الصرف الصحي يدويا، من أية منطقة بالهند، وحدد البيان حدوث تسع وفيات أثناء تنظيف هذه الخزانات خلال عام 2023.
وقال بيان آخر إن 330 شخصا فارقوا الحياة، وهم ينظفون قنوات المجاري وخزانات الصرف الصحي، خلال فترة خمس سنوات بين 2018 و 2022.
غير أن بيزوادا ويلسون مؤسس منظمة “سافاي كارماتشاري أندولان”، التي تشن حملات لإنهاء ممارسة التنظيف اليدوي، لخزانات الصرف الصحي في الهند، يقول إن الحكومة تتجاهل الأعداد المستمرة من الوفيات، وإنه يكفي النظر إلى التقارير الصحافية للتعرف على أبعاد المشكلة.
ويضيف إن “59 مواطنا هنديا قتلوا داخل المجاري وخزانات الصرف الصحي منذ يناير 2023، وإن الحكومة تكذب عندما تقول إن تسعة أشخاص فقط هم الذين ماتوا”، ويزعم ويلسون أن “أكثر من ألف شخص يموتون بهذه الطريقة سنويا”.
وتشير سجلات المنظمة إلى أنه في كل يوم تقريبا، يتم في مكان ما في الهند، دخول رجال يشغلهم عادة المقاولون الذين تكلفهم السلطات المدنية، بمهمة تنظيف المجاري، إلى خزانات وغرف الصرف الصحي العفنة والمليئة بالغازات السامة، ويزحفون داخلها وسط الحشرات والثعابين والأبخرة السامة، وغيرها من المخاطر غير المعلومة.
وتقول المنظمة إنه نادرا ما يتمّ تزويدهم بأي نوع من أدوات الحماية، وبتقاضون أجورا زهيدة، ما بين 350 إلى 400 روبية (4.20 دولارات إلى 4.80 دولارات) في اليوم، وتكون العواقب مميتة.
وتجاهد سومان باحثة في حقيبة يدها عن منديل، بينما يمسح أمريك سينج دموع عينيه في كم قميصه، وتغلبهما العواطف وهم يحملون صور أحبائهما الذين فقدوهما.
وكل من أمريك سينج وسومان من بين بضع مئات، من عمال الصرف الصحي وأسرهم الذين تجمعوا، أمام المرصد المعروف باسم جانتار مانتار ينيودلهي، في عصر يوم قائظ من شهر أغسطس الماضي، لمساندة الحملة الرامية إلى وقف وفيات العمال أثناء قيامهم بتنظيف خزانات الصرف الصحي.
وعمل سوكويندر سينج البالغ من العمر 30 عاما، وهو ابن لأمريك سينج، ويلقب بكنية هابي أي السعيد، في تنظيف المجاري لبضع سنوات بمنطقة سانجرور بولاية البنجاب، ويقول الأب عن ابنه وهو يذرف الدمع، “أمره المقاول بالدخول إلى غرف المجاري، بدون أن يزوده بأدوات السلامة، وأفقدته الأبخرة المتصاعدة الوعي، واندفع عاملان لإنقاذه، وتمكنا من إخراجه ولكنه فارق الحياة”.
وحملت أخت العامل المتوفي لافتة تقول “متوسط العمر الافتراضي في الهند: الذكور 72 عاما، ولكن عمال تنظيف المجاري 32 عاما”، وهذه هي نفس القصة مرة بعد مرة.
وعادة ما يتم تشغيل عمال النظافة، مقابل أجور يومية زهيدة، من جانب المقاولين الذين تختارهم المجالس والهيئات البلدية، في الغالب وفقا لأرخص العروض المقدمة.
وتحدث الوفيات بسبب الغازات السامة، والغرق ولدغات الثعابين والعناكب ونقص الأوكسجين، ويعاني آلاف من عمال تنظيف الصرف الصحي، من أمراض الجلد وكسور في العظام، وفقا لما يقوله أشوك كومار تانك، من منظمة “داليت أدهيكاري مانش”، غير الربحية التي تعمل على رعاية عمّال الصرف الصحي، وجامعي النفايات في العاصمة الهندية.
ويضيف تانك “إنهم يعانون عادة من الأمراض، مثل التيفود والكوليرا والسل، ويصبح كثيرون منهم من مدمني المشروبات الكحولية، أثناء محاولتهم التكيف مع مهنة قد تكون إحدى أسوأ المهن الموجودة في العالم”.