المهن تتساقط تباعا.. الذكاء الاصطناعي يزاحم عارضات الأزياء

العارضات الافتراضيات والمؤثرين ليسوا معضلة، بل مجرد أمثلة على التغيير الاجتماعي الناجم عن الذكاء الاصطناعي.
الجمعة 2024/08/30
عارضة أزياء مولدة بالذكاء الاصطناعي.. أي مستقبل لعارضات الأزياء

برلين – العاملون في صناعة الموضة لن ينسوا عام 2024، لأول مرة تشارك في مسابقات ملكات الجمال العالمية ملكة جمال تم توليدها بواسطة الكمبيوتر. أول “ملكة جمال مولدة بالذكاء الاصطناعي” في العالم هي المؤثرة الافتراضية كنزة ليلي، التي أثبتت جدارتها أمام 1500 منافسة افتراضية أخرى. كنزة، شخصية خيالية ترتدي زي محجبات ذهبي، وقد ابتكرتها مريم بيسة، مؤسسة ورئيسة الوكالة المغربية للذكاء الاصطناعي. وتم اختيارها كفائزة في الثامن من يوليو الماضي من قبل جمعية جوائز المبدعين العالمية للذكاء الاصطناعي.

فهل يفتح فوز كنزة ليلي المجال أمام عارضات أزياء مولدات بالذكاء الاصطناعي لتصبح العارضات الحقيقيات ذكرى من الماضي؟ هناك شيء واحد مؤكد: الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في عالم الموضة والأزياء. تُظهر ماركة الأزياء الإسبانية “مانغو” إلى أين تتجه المسيرة. إذ لم تعد هناك أي عارضة حقيقية تقف أمام الكاميرا لتعرض تشكيلتها الجديدة المسماة “صن سيت دريم”. الملابس الموجودة في الصور هي فقط الحقيقية، حيث تم عرضها بواسطة عارضات مولدات بالذكاء الاصطناعي.

بعيون كبيرة وشفاه ممتلئة يمكن للذكاء الاصطناعي خلق وجوه خالية من العيوب
بعيون كبيرة وشفاه ممتلئة يمكن للذكاء الاصطناعي خلق وجوه خالية من العيوب

حملة مانغو ليست أول انقلاب للذكاء الاصطناعي في صناعة الأزياء. ففي بداية عام 2023، كانت العلامة التجارية للجينز الشهيرة “ليفايز” (Levi’s) قد تصدرت بالفعل عناوين الأخبار باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي والتعاون مع الشركة الهولندية الناشئة “لالا لاند”، التي تنتج نماذج الذكاء الاصطناعي للتجارة الإلكترونية.

“الذكاء الاصطناعي يُحدث تغييرات هائلة في قطاع الأزياء والموضة”، بحسب ما كتب ماكس ديوود من وكالة التسويق الأميركية “ريفيرب” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. علامات تجارية مثل “زارا” و”اتش آند ام” و”نايك” و”بيربري” توضح كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بالفعل لتحديد الاتجاهات والاستفادة منه وتحسين خدمة العملاء وتحسين البحث وخصوصية سلوك التسوق.

هنالك علامة تجارية واحدة فقط ترفض عن عمد اتباع هذا الاتجاه، وهي “دوف”. ففي بيان صدر في مايو هذا العام، وعدت الشركة، وهي جزء من مجموعة يونيليفر البريطانية، “بعدم عرض صور الذكاء الاصطناعي أبدًا بدلاً من النساء الحقيقيات”. ليس هذا فحسب، بل تتعهد الشركة أيضًا “بعدم اللجوء أبداً إلى استخدام التزييف الرقمي أو إظهار صور غير واقعية ومنعزلة وخالية من العيوب للجمال المثالي، التي يتيحها استخدام برامج معالجة الصور”.

والسبب في ذلك هو أن دراسة أجرتها مجموعة بعنوان “الحالة الحقيقية للجمال: تقرير عالمي” أظهرت أن نماذج الذكاء الاصطناعي والمؤثرين في الذكاء الاصطناعي بمظهرهن المثالي يضعون الشابات والفتيات بشكل خاص تحت ضغوط. فعلى سبيل المثال، وافقت غالبية الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عامًا على الجملة التالية: “الجراحة التجميلية تساعدك على الشعور براحة أكبر تجاه جسمك”.

ويتعرض الرجال والفتيان أيضًا لضغوط للوصول إلى المثالية. فقد قال 79 في المئة من الرجال و74 في المئة من المراهقين الذكور إنهم لا يعتقدون أن أجسادهم تتمتع بالعضلات الكافية ويشعرون بالضغوط لكي يبدوا أكثر جاذبية.

"الذكاء الاصطناعي يُحدث تغييرات هائلة في قطاع الأزياء والموضة"، فهو يستخدم بالفعل لتحديد الاتجاهات والاستفادة منه وتحسين خدمة العملاء وتحسين البحث وخصوصية سلوك التسوق

وتؤكد الناشطة البرازيلية بيتا بوشات، التي ساهمت في إعداد الدراسة، الاستياء العام المتزايد من قبل الأشخاص تجاه مظهرهم. وقالت: “كلما توافرت أدوات أكثر لتغيير مظهرنا، زادت الضغوط لتحقيق المثالية الرقمية للجمال جسدياً وواقعياً”. وترى بوشات دليلاً على ذلك في العدد المتزايد من جراحات التجميل في جميع أنحاء العالم. وأصبح التدخل الجراحي الآن أكثر سهولة وبأسعار معقولة. وتقول بوشات: “هذا يزيد من الضغوط لتحقيق المثالية ليس فقط بالنسبة للنساء، بل للرجال أيضًا”.

بالنسبة لمطوري الموديل الفنلندية ميلا صوفيا المولدة بالذكاء الاصطناعي، فإن العارضات الافتراضيات والمؤثرين ليسوا معضلة، بل مجرد أمثلة على التغيير الاجتماعي الناجم عن الذكاء الاصطناعي.

وترى خبيرة التجميل البريطانية ومؤلفة الكتب سالي آن فاوست، أن ثورة الذكاء الاصطناعي في عالم الموضة وصناعة الأزياء فرصة لمزيد من الحضور النسائي. لقد كانت فاوست عضوًا في لجنة تحكيم مسابقة الجمال “ملكة جمال الذكاء الاصطناعي 2024”. وقالت لمجلة تايم الأميركية: “في السبعينات، كان الرجال ينظمون غالبية مسابقات ملكات الجمال، أما الآن فإن 95 في المئة من جميع مسابقات ملكات الجمال في بريطانيا تديرها النساء”.

لكن في المقابل، تخشى الناشطة البرازيلية بيتا بوشات من حدوث انتكاسة للحركة الاجتماعية “بودي بوزتيفتي” التي تدعو للنظر للجسد بإيجابية بصرف النظر عن مظهر الشخص. وتناضل هذه الحركة منذ عقود من أجل إلغاء مُثُل الجمال غير الواقعية والتمييزية. “وهذا أمر ملحوظ بالفعل بين الناشطين”. وتشير بوشات إلى أن “الذكاء الاصطناعي يصل إلى المجتمع في لحظة حساسة والمطالب الجمالية تتزايد والحركات المضادة لسطوة عبادة الجسد أصبحت أكثر ضعفاً”.

12