المهمشون في الأطراف يبحثون عن حلول تمنع تقسيم السودان

السودانيون منقسمون بين نخبة تقليدية احتكرت الموارد والقوة في العاصمة ووسط البلاد، وشرائح مهمشة تعيش في أطرافها وأريافها.
الخميس 2023/05/18
أصحاب البشرة الداكنة أكثر عرضة للتمييز

القاهرة - لطالما كانت الهوة الاجتماعية وممارسات الجيش سببا رئيسيا في الانقسام داخل السودان، وسبق وأن كلفا البلد انفصال الجنوب في العام 2011، الذي فرضته الاختلافات الدينية والعرقية فعلى عكس دولة السودان ذات الأغلبية المسلمة، يتبع جنوب السودان الديانات التقليدية، إلى جانب أقلية مسيحية.

هذه المرة يبدو الوضع مختلفا حيث تحركت الأطراف ممثلة في قوات الدعم السريع نحو الخرطوم لتحاول منع الجيش من إحداث انفصال جديد بدلا من تحقيق المساواة السياسية والاجتماعية ورفضه الوفاء بأغلب وعوده خلال الفترة الانتقالية، وهو ما زاد من حدة العنصرية والتمييز بين سكان المركز والأطراف.

ويرى خبراء أن من الأسباب التي تقف وراء الحرب الدائرة في السودان انقسام السودانيين بين نخبة تقليدية احتكرت الموارد والقوة في العاصمة ووسط البلاد، وشرائح مهمشة تعيش في أطرافها وأريافها.

مارك لافيرن: الحرب نتيجة للاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية داخل السودان
مارك لافيرن: الحرب نتيجة للاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية داخل السودان

ويتجلّى هذا الفارق بوضوح بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) اللذين يقودان طرفي النزاع. ولد البرهان شمال الخرطوم ودرس العلوم العسكرية وأصبح جنديا محترفا، ولكنه يفتقد إلى قوة الحضور، بينما ينتمي الثاني إلى قبيلة في غرب السودان قرب الحدود مع تشاد، وبرز كزعيم لقوات الجنجويد في إقليم دارفور.

ويؤكد المتخصص في شؤون القرن الأفريقي والشرق الأوسط مارك لافيرن أن “المجتمع السياسي السوداني يتركز في وادي النيل”. ويشير إلى أن “هذه الحرب هي أيضا نتيجة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها السودان، والتي لم تعالجها أيّ حكومة في الخرطوم منذ أن برز هذا التباين بين وادي النيل والخرطوم” من جهة، وبقية مناطق البلاد من جهة أخرى.

ويرى لافيرن أن “المناطق النائية أصبحت اليوم الأكثر ثراء من حيث الموارد”، في إشارة إلى مناجم الذهب في إقليم دارفور في غرب السودان، والتي يسيطر عليها دقلو وشيّد من ورائها إمبراطورية اقتصادية وتجارية.

وأفاد تقرير صادر عن معهد “ريفت فالي” للأبحاث بأن هذه الثروات ساعدت قوات الدعم السريع في أن تتحوّل “من قوات محلية إلى كيان وطني قوي ومؤثّر يهدّد تفوّق القوات المسلحة السودانية”. وأضاف التقرير الذي نشر الاثنين أن “التوسّع السياسي والاقتصادي والعسكري لقوات الدعم السريع مثال على المعركة بين نخبة عسكرية سياسية تتمركز في الوسط ونخبة عسكرية جديدة في دارفور”.

ووصف التقرير ما يجري في الوقت الراهن بأنه “مرحلة جديدة في الصراع بين المركز والأطراف”. وتقول خلود خير مؤسّسة مركز “كونفلوانس أدفايزوري” للأبحاث في الخرطوم إن “هناك العديد من خطوط الصدع” بين المعسكرين، مشيرة إلى أن “حميدتي يوصف بأنه دخيل من دارفور على الخرطوم”.

وتعتقد خير بأن قوات الدعم السريع “عملت قبل النزاع على إيصال رسالة تفيد بأن عناصرها تقاتل من أجل الديمقراطية نيابة عن جميع المهمّشين في السودان”. ولفتت إلى أن دقلو “كان يُعتبر من أفضل جهات التوظيف في البلاد قبل اندلاع النزاع.. لديه الكثير من المال ويحصل من ينضمّ إلى قوات الدعم السريع على مزايا عديدة”. وفي سياق آخر، يرى البعض أن عدم المساواة بين وسط البلاد وأطرافها مرتبط أيضا باللون.

◙ الحرب نتيجة الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها السودان والتي لم تعالجها أيّ حكومة في الخرطوم

وكتب الباحث البريطاني أليكس دي وال في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس”، “إلى الآن، يمتلك السودانيون معجما للون البشرة يتدرّج من الأحمر والبني إلى الأخضر والأصفر، إلى الأزرق”. وتابع “لا يزال يُطلق مسمّى العبيد على سكان الجنوب، أصحاب البشرة الداكنة”. وتهيمن على السودان نخبة ذات بشرة فاتحة اللون تتحدث العربية، بينما يواجه أفارقة سود في جنوب البلاد وغربها التمييز والتهميش.

وتمارس العنصرية بكثرة في السودان، تاريخيا، وحتى منذ الاستقلال، فمعظم المناصب العليا يشغلها سكان الشمال من العرب والنوبيين، كما يشغل هؤلاء أيضا جميع المناصب العسكرية تقريبا، وهذا مكّنهم من توظيف نفوذهم في الهيمنة على قطاع الأعمال وتأجيج الشعور بالرفض والتمييز لدى سكان الجنوب.

ويعد ذلك أحد الأسباب المعرقلة لنهضة السودان واستقراره، وتسبب في نزاعات أهلية وقبلية منذ استقلال السودان عام 1956 حتى اليوم، حيث يعتبر سكان السودان في شرقه وغربه وشماله وجنوبه أن أبناء المركز في الخرطوم والوسط يهيمنون على السلطة والثروة، ويحرمون مناطقهم منها ومن الخدمات الأساسية. وهم باستمرارهم في مثل هذه الممارسة يقودون السودان نحو انقسام جديد.

ولكن بحسب الخبراء، لا يبدو أن لهذا المعيار حيثية كبيرة في الصراع الحالي، وستبرز أهمية الولاء القبلي والعرقي إذا طالت فترة الحرب. وتتوقع خلود خير أن "الجانبين سيتعين عليهما تجنيد قوات جديدة لتعويض خسارتهما.. تاريخيا، يعدّ الولاء العرقي أفضل طرق التجنيد في السودان".

7