"المهطوان" سيرة روائية تقرأ تاريخا كاملا من التقلبات

رمضان الرواشدة يعيد التأريخ لمآلات النخب وسيرورة المثقفين والمجتمعات.
الخميس 2022/06/02
بطل يخوض رحلة على ضوء الحب (لوحة للفنان سليمان منصور)

يلتحم الأدب الأردني بشكل مباشر مع الأدب الفلسطيني، ويحمل كلاهما الهم المشترك للقضية الفلسطينية، ولكن في السنوات الأخيرة تغير تناول هذا الأدب للقضايا السياسية وبات أكثر جرأة في تناول المسكوت عنه وفتح آفاق أخرى للتفكير والمساءلة كما نجد في رواية “المهطوان” للأديب الأردني رمضان الرواشدة.

عمان- نظم مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي في الزرقاء مساء الثلاثاء حفل توقيع رواية المهطوان للكاتب الروائي رمضان الرواشدة بحضور جمع من الكتاب والنقاد والمهتمين.

وتضاف هذه الرواية إلى روايات الرواشدة السابقة في رصده لعلاقته مع المكان الأردني وقراءته لمختلف المراحل الزمنية، عبر لوحات موشاة بأشعار يغلب عليها الجانب الرومانسي ومسحات صوفية جعلت من الجامعة والقرية والمدينة والحياة الحزبية والتفكير السياسي مسرحا للسرد والرسائل الذاتية والإنسانية.

سيرة روائية

◙ الرواية اتسمت بسهولة السرد وجمالية الانتقال والابتداء

اعتمدت الرواية، الصادرة حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، في صفحات منها على مرويات قرية راكين في الكرك، فيما ظل «عودة» بطل الرواية مشحونا بروح الكاتب وإحساسه عبر رحلة البحث عن حبه المسيحي الفلسطيني الأول سلمى وابنه نضال الذي كان ثمرة قبلة رومانسية في مرحلة الجامعة.

جعل الكاتب من نداءاته متكئا لكل اللوحات اللاحقة، بأحداث ذات مسميات ووقائع حقيقية، لكن بإضافات رومانسية في استعادة واعتذارات بين يدي الغائب، تدخل فيها السؤال النقدي حول الماضي والحاضر وحضرت فيها ثقافة الرواشدة الحاصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية والذي عمل في الإعلام والثقافة، واحتفى قبل مدة بروايته السابقة «الجنوبي» التي يتقاطع كثير من أحداثها مع رواية «المهطوان» التي صنفت على أنها «نوفوتيلا» حملت رؤيته وعلاقاته ومعايشته لأحداث داخل الوطن وفي فلسطين والمحيط العربي، مازجا السياسي بالإنساني، وقارئا فترة ما قبل مرحلة 89 وما بعدها في الأردن، وأحلام الناس والنخب وسيرورة المثقفين والمجتمعات.

وبيّن الكاتب الرواشدة، خلال الأمسية التي أدارها الأكاديمي محمد العزة، أن الرواية تنتمي إلى ما يعرف بالسيرة الروائية التي تركز على حياة شخصية أردنية جنوبية واحدة وعدد من الشخصيات التي تصادفها خلال مسيرتها وتحركها في المكان والزمان، حيث يتابع مسيرة بطل الرواية “عودة” الجنوبي الذي يمتاز بجسمه الطويل والعريض الذي يطلق عليه أهل حيفا لقب “المهطوان”.

وأشار إلى أن أحداث الرواية الزمنية تدور ما بين عام 1989 وحتى عام 2003، وما تخلل هذه الفترة الزمنية من أحداث سياسية وتحولات اجتماعية كبيرة، إذ حاول من خلالها بلورة الوعي السياسي للشاب القروي الجنوبي عودة ورصد ما اكتنف هذه المرحلة التاريخية من تحولات اجتماعية وسياسية هامة.

ونوه الرواشدة بأن هناك فرقا بين ما يسمى بالسيرة الذاتية والسيرة الروائية، حيث أن السيرة الذاتية تكتبها الشخصيات الأدبية أو السياسية أو الفكرية وغيرها، بينما السيرة الروائية، وإن كانت تتكئ على أحداث واقعية، إلا أنها تعيد إنتاج الواقع بلغة أدبية وروائية تتماهى مع الخيال ورؤية الكاتب للواقع وإعادة إنتاجه بشكل روائي جاذب ومشوق ومخلص للفن الروائي ببنيته المتماسكة وسرديته الأدبية.

جاء عنوان الرواية «المهطوان» لينسخ اسما كان متداولا في مدينة حيفا هو «مطوان»، نقله الجنود الأردنيون الذين خدموا في فلسطين، وأضافوا إليه الهاء، كنوع من الشراكة، وهو بالمعنى المجرد اسم للرجل الفارع الطويل، فيما هو اسم لبطل سري وحركي سياسي لبطل الرواية الذي جعله الرواشدة مغناطيسا لتوزيع اللوحات بتقنية صوت القرين، ومفكرة البطل التي باتت عبر عدد من الصفحات محطة يستريح عندها القراء وتختزل هموم وتجليات الكاتب في أشعاره وبحثه وأسئلته ومحاكماته وتجلياته وحواراته.

في الرواية انطلق الرواشدة من «حي الكركية» في صويلح ليتنافذ على أحياء وجامعة وحراك طلابي وحب طبيعي وأحلام مؤجلة، وحضور العلاقات الوطيدة بين أبناء القرى والمحافظات، ورصد المطاردات السياسية، دون أن يرهق نفسه بتقصي التفاصيل؛ إذ كان يكتفي بالإشارة إلى الجذور والإرهاصات والواقع، والأطياف السكانية لأجداد بطلة الرواية بين الشوبك ورام الله، ونار الحب التي أتت على «الكركي»، بلغة تجاوزت المحددات الجغرافية أو العائلية.

الأدب السياسي

حول قدرته على تذويب القضايا القومية بشكل يخلصها من الشعارات، أشار الرواشدة إلى أن الأدب الأردني كان قومي النشأة، ثم مر بمراحل متعددة من خلال الابتعاد عن المكان الأردني والكتابة عن مدن عربية حاضرة في الوجدان الأردني، لافتا إلى أن الأدب الأردني يتماهى بشكل كبير مع الأدب الفلسطيني بفعل التلاحم ما بين التاريخ والذاكرة والظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي ألقت بظلالها على الأدب الفلسطيني والأردني.

وكان الكاتب محمود أبوجابر قدم قراءة انطباعية في الرواية، حيث قال إن الرواية تعتبر من الأدب السياسي الرديف لما يسمى بأدب المقاومة، فبطل الرواية عودة، وهو ابن الجنوب الأردني يتجول في شوارع حيفا الفلسطينية، ويطلق عليه الفسطينيون في حيفا لقب “المهطوان” بسبب طوله الفارع وأكتافه العريضة، وهذا الاسم يتحول في ما بعد إلى اسم حركي لانتمائه الحزبي والسياسي.

وأشار أبوجابر إلى أن الشخصيات الموجودة في الرواية لها أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية، إذ أن الكاتب الرواشدة يسرد في روايته أحداثا تتعلق ببطل الرواية، من خلال حوارات عميقة وبانتقال سلس بين الزمان والمكان، بأسلوب ذكي وجاذب وبسيط، إضافة إلى توظيف الكاتب للموروث الشعبي لخدمة نتاجه الروائي.

ولفت إلى أن الرواية تصور، عودة أو المهطوان، بأنه رجل ذو مبادئ ومفكر، وذلك لأنه يطرح العديد من الأسئلة التي تشير إلى مدى شغفه بالمعرفة والاطلاع وتحليل الواقع الذي يعيشه وما يدور حوله من تحولات سياسية واجتماعية وفكرية، حيث يرتبط عودة بقصة حب مع سلمى المسيحية الفلسطينية في حيفا، وتنتهي بالزواج.

وأردف أن البطل عودة يحطم العديد من “التابوهات” أو الأفكار المتحجرة والتقليدية، وذلك من خلال ارتباطه بفتاة مسيحية وفلسطيينة، وخروجه من الحزب الذي انتسب إليه، لأنه يرى أن الحزب لا يلقي اهتماما للفكر والثقافة والارتقاء بالوعي الإنساني، بالقدر الذي يهتم الحزب فيه بالأنشطة السياسية.

واتسمت رواية «المهطوان» بسهولة السرد وجمالية الانتقال والابتداء، وتمرير المعلومة السياسية والاجتماعية والنضالية والعاطفية، بأسلوب يميل كثيرا إلى السخرية من التناقضات والتغير الواضح في القناعات.

وفي ختام الأمسية، جرى حوار ونقاش تركز على فن الكتابة الروائية والأدبية بشكل عام من قصة وشعر وخاطرة، فيما وقع الكاتب الرواشدة روايته للحضور.

13