المنافسة تُعيد الاهتمام بتترات رمضان وتجذب مطربين غائبين

تقديم أغان ذات قيمة عالية عملية تخضع لقواعد إنتاج الأعمال الدرامية.
الاثنين 2022/04/04
محمد محي أبرز العائدين لأداء أغاني المسلسلات

تشهد الدراما المصرية المشاركة في موسم رمضان الجاري عودة قوية إلى الاهتمام بأغاني شارتي البداية والنهاية؛ حيث يعود الكثير من نجوم الغناء العربي إلى أداء تترات المسلسلات، واضعين بصمتهم على جزء مهم من شأنه الإسهام في نجاح المسلسل والترويج له وضمان استمراريته في ذاكرة المشاهدين.

القاهرة – انعكست قوة المنافسة الدرامية في موسم رمضان هذا العام على الاهتمام بـ”تترات” (شارات) المسلسلات التي شهدت خلال الأعوام الماضية تراجعًا ملحوظاً على مستوى الأداء وقوة المطربين المشاركين فيها وتأثرت باستحواذ الإعلانات التلفزيونية على المساحة المخصصة لمقدمة العمل الدرامي ونهايته،
وعزوف جمهور المنصات الرقمية عن الاهتمام بها تماشيًا مع طبيعة جمهورها الذي يحاول جاهداً اختصار وقت المشاهدة.

وتطفو على السطح جملة من المعطيات التي تجعل هناك ضرورة للبحث عن أدوات تسويقية فاعلة يمكن أن تشكل عوامل جذب للمسلسلات، إذ يشهد الموسم الحالي منافسة قوية في مصر مع دخول شركات إنتاج خاصة تقدم نصف المسلسلات المقدمة تقريبًا، بجانب صحوة الدراما الخليجية كمنافس لنظيرتها المصرية، إضافة إلى التعاون المتصاعد بين الدراما السورية واللبنانية، والذي من المتوقع أن تكون نتائجه ظاهرة على صعيد جودة الأعمال المقدمة.

ويعود هذا العام عدد من المطربين إلى غناء التترات بعد غياب دام سنوات طويلة، على رأسهم علي الحجار الذي يُغني مقدمة مسلسل “جزيرة غمام” بطولة طارق لطفي، والمطرب محمد محي الذي يغني تتر مسلسل “انحراف” بطولة روجينا، وتقوم المطربة أنغام بغناء تتر مسلسل “فاتن أمل حربي” بطولة نيللي كريم، كما تعود الفنانة اللبنانية إليسا إلى غناء تتر مسلسل “الظل” السوري بطولة جمال سليمان.

وهناك حضور قوى للعديد من المغنين، بينهم أحمد سعد الذي يُغني تتر مسلسل “توبة” بطولة شقيقه عمرو سعد، فيما تغني اللبنانية نانسي عجرم تتر مسلسل “يو تيرن” بطولة ريهام حجاج، وتُغني هايدي موسى تتر مسلسل “وجوه” بطولة حنان مطاوع، وتقدم ريهام عبدالحكيم تتر مسلسل “عالم تاني” بطولة رانيا يوسف.

ويغني مطرب الراب مسلم تتر مسلسل “بيت الشدة” بطولة وفاء عامر، فيما يتولى الفنان اللبناني آدم غناء تتر مسلسل “المشوار” بطولة محمد رمضان، ويغني المطرب إبراهيم الحكمي تتر مسلسل “بابلو” بطولة حسن الرداد.

وتمثل تترات المسلسلات دوما أحد العوامل الرئيسية في نجاح العديد من الأعمال التي ترتبط في أذهان الجمهور بأغاني المقدمات والنهايات، وكانت ذروة قوتها في المسلسلات المصرية الناجحة منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حتى بداية العقد الأخير، وشهدت تعاونًا مشتركاً بين الموسيقار عمار الشريعي والشاعر سيد حجاب. واستحوذ علي الحجار على النصيب الأكبر من الأغاني في ذلك الوقت، إلى جانب محمد الحلو وأنغام وهشام عباس وحنان ماضي.

وتأثرت أغاني المسلسلات سلبًا بجملة من العوامل خلال السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات التي طرأت على المستوى الإنتاجي وأسهمت في وجود أعمال يجري تجهيزها للعرض دون استكمال كتابتها وتصويرها.

وفي تلك الحالة فإن الشعراء والملحنين ليست لديهم دراية كاملة بقصة العمل وتطورات أحداثه كي تتماشى الأغنية مع العمل الدرامي، كما أن منتجي تلك الأعمال يفتقرون إلى الاهتمام بتقديم مقدمة ونهاية غنائية قوية في ظل الرغبة الشديدة في الانتهاء من الحلقات قبل إذاعتها.

علي الحجار استحوذ على النصيب الأكبر من أغاني المسلسلات منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حتى بداية العقد الأخير

وسيطرت الموسيقى التصويرية على تترات المسلسلات بدلاً من الأغاني، وعكس حضورها على نحو كبير تجاهل بعض القائمين على إنتاج المسلسلات وضع الأغنية في معادلة نجاح الأعمال المقدمة.

وغابت المنافسة وهيمن احتكار شركة واحدة على إنتاج المسلسلات المصرية، وهو ما لم يستدع حرصا على التجويد في مستوى الأغاني التي تراجعت لمبررات متباينة، أبرزها توفير نفقات إنتاج الأعمال.

وأوضح الناقد الموسيقي شوكت المصري أن تنوع المطربين وتقديم أغان ذات قيمة عالية أمر يخضع لقواعد إنتاج الأعمال الدرامية، في حين أن جودة تقديم الأعمال طغت على المؤثرات الأخرى، وكان هناك
اهتمام فاعل من جانب القائمين على إنتاج الدراما بتوفير كافة العوامل التي تسهم في الارتقاء بالدراما، وتراجع الاهتمام وأضحت العملية تجارية بحتة بما أثر على مسألة التترات والاعتناء بها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأغاني المقدمة في تترات الثمانينات والتسعينات تعد الأبرز في تاريخ الدراما المصرية، وكان منتجو الأعمال يدركون قيمة الأغنية وأن الميزانية المخصصة للتترات تضاعف القيمة التي يخصصها القائمون على إنتاج الأعمال الحالية.

وكان الاعتماد على الأشعار والألحان والأصوات القوية، وتجلت نتيجته في ارتباط الكثير من المسلسلات بأغاني مطربيها مثل “ليالي الحلمية” و”ذئاب الجبل” و”الضوء الشارد” و”المال والبنون”.

وأشار شوكت إلى أن التراجع خلال السنوات الماضية لا ينفصل عن الأزمات التي شهدتها الأغنية المصرية التي هي بحاجة إلى اكتشاف شعراء عامية جدد لديهم القدرة على تقديم أغان تتماشى مع الأعمال الدرامية الشعبية والاجتماعية المقدمة.

ويرتبط الأمر كذلك بعدم الخروج من الألوان الغنائية المقدمة في المسلسلات، وكما سيطر الشاعر الراحل سيد حجاب على أغاني التسعينات هيمن الشاعر أيمن بهجت قمر على أغاني الدراما في العقد الأخير.

 كل عنصر في العمل الدرامي جزء مهم في زيادة جودته، وإذا كان التتر ضعيفًا فالاحتمال الأكبر أن يكون العمل كذلك

ويمكن القول إن الاستثناء الوحيد الذي حقق نتائج إيجابية واستطاع أن يخرج عن المألوف في الدراما المصرية جاء في مسلسل “بـ100 وش” الذي كان تتره أغنية “مليونير” من غناء ما يسمى “المدفعجية” بمشاركة نيللي كريم بطلة العمل.

وبدت تلك الخطوة نقلة كبيرة في عالم التترات الدرامية، من حيث إدخال لون غنائي مختلف أخذ يشهد انتشاراً بين الشباب بينما يلقى صدّاً وممانعة من الأجيال الأكبر، وحققت أغنية تتر هذا العمل رواجاً كبيراً، ما أسهم في زيادة انتشار المسلسل وإحكام حبكته ونجاحه بين المشاهدين.

ويعتبر كل عنصر في العمل الدرامي جزءا مهما في زيادة جودته، وإذا كان التتر ضعيفًا فالاحتمال الأكبر أن يكون العمل كذلك وأن المخرج لم تكن لديه الجوانب الإبداعية ويفتقر إلى الرؤية السليمة ولن يكون قادراً على تقديم عمل متكامل، والعكس صحيح، لأن غالبية التترات الناجحة ارتبطت بأعمال درامية ناجحة.

ويتفق العديد من النقاد على أن اتجاه المنتجين إلى الاعتماد على الأغنية وجودتها لتقديم التترات يجعل هناك منافسة من نوع آخر على مستوى المطربين الذين يسعون لخوض غمار المنافسة وتوظيف موسم رمضان لتحقيق مكاسب فنية بالنسبة إليهم، كما يمثل فرصة مواتية يمكن أن تسهم في إحداث طفرة طال انتظارها على مستوى الأغنية الطربية التقليدية التي تراجعت على نحو كبير لصالح مطربي المهرجانات.

وأكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن موسم رمضان الجديد يشهد تطوراً على مستوى الأعمال الدرامية المقدمة، ومن ثم صار هناك تنوع على مستوى التترات أيضًا. ويبرهن البحث عن أصوات مختلفة عن تلك التي قدمت غالبية أغاني المسلسلات خلال السنوات الأخيرة على أن المنتجين يبعثون مؤشرات على أن الجودة الفنية تضاهي قيمة الأعمال الفنية المقدمة من قبل، وهي بمثابة عوامل جذب مهمة لقطاعات واسعة من الجمهور.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عودة كبار المطربين لغناء تترات المسلسلات تؤشر على أن هناك جودة إنتاجية بخلاف حالة الاحتكار التي هيمنت على سوق الدراما المصرية في السنوات الماضية، ومن المهم أن تكون عودتهم قوية وتتماشى مع قيمتهم وتاريخهم الفني.

14