المنازل الجديدة في غزة تنتظر توزيعها بحسب الولاءات السياسية

صراع البحث عن الشرعية بين السلطة الفلسطينية وحماس عقبة رئيسية أمام إصلاح غزة.
الاثنين 2023/09/11
الولاء قبل العطاء

يعقّد صراع السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة إعادة الإعمار في القطاع المنكوب. ورغم أن نقص التمويل يعد أحد الأسباب الهامة لبطء عملية الإعمار، إلا أن ما شيّد على الأرض يخضع لمقياس الولاءات السياسية.

غزة - قصفت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية منزل عائلة زعرب المكون من طابقين في قطاع غزة سنة 2019، وخلّفت بذلك كومة من الحطام واليأس. وبعد مرور أربع سنوات، تعيش الأسرة المكونة من 10 أفراد في كوخ مساحته 20 مترا مربعا محاط بالنايلون بينما تنتظر الانتقال إلى منزلها الدائم.

وأثار مشروع الإسكان، المندرج ضمن جهود التجديد التي تمولها مصر في غزة بقيمة 500 مليون دولار، آمال المئات من الأسر المحتاجة مثل عائلة زعرب التي خسرت منزلها بسبب الصراع مع إسرائيل. وتفصل أسابيع عن الانتهاء من المباني الجديدة، لكن لا توجد معلومات حول هوية المؤهلين للحصول على 1400 شقة أو كيفية التقدم بطلب للحصول على واحدة منها، بينما يتواصل التنافس بين حماس التي تحكم غزة والسلطة الفلسطينية المنافسة المعترف بها دوليا.

وقال محمد زعرب البالغ من العمر 31 عاما "لا أحد يهتم"، متّهما الطرفين بالتسبب في التأخير. وأضاف "هم يجلسون تحت المكيفات مع أطفالهم ولا يهتمون بنا". وكانت عائلة زعرب من بين حوالي ألفي عائلة (12 ألف شخص) دُمّرت منازلها خلال القتال مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وفقا لوزارة الإسكان في غزة التي أضافت أن 90 ألف شخص آخرين يعيشون في منازل متضررة لم يتم إصلاحها.

وتتعرقل جهود إعادة الإعمار بسبب عوامل مجتمعة تكمن في الاقتصاد المتعثر الذي أضعفه الحصار الإسرائيلي، والعزلة الدولية لحماس، ونقص التمويل من المجتمع الدولي المنهك. ولكن التنافس المستمر بين حماس والسلطة الفلسطينية هو ما سبب كل هذه المشاكل.

إبراهيم أبراش: من هو الطرف الشرعي لإدارة الأموال؟ هذا هو السؤال
إبراهيم أبراش: من هو الطرف الشرعي لإدارة الأموال؟ هذا هو السؤال

وسيطرت حركة حماس الإسلامية المسلحة المعارضة لوجود إسرائيل على غزة في 2007، وافتكّتها من السلطة الفلسطينية بعد عام من فوزها في الانتخابات البرلمانية. ولم يترك هذا التحرك العنيف للسلطة الفلسطينية سوى المناطق التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، حتى مع ادعائها بأنها الممثل الدولي الشرعي لكلتا المنطقتين. وتعتبر إسرائيل حماس جماعة إرهابية، وفرضت عليها حصارا على الفور، معتبرة الإجراء حيويا لمنعها من التسلح. وسبّب هذا الحصار تدمير اقتصاد غزة وساهم في تأجيج أربع حروب والعديد من جولات العنف الصغيرة. وفشلت محاولات المصالحة المتكررة بين حماس والسلطة الفلسطينية.

ويمثل مشروع المنازل المذكور الأول للبنية التحتية بتمويل مصري في القطاع بعد سلسلة من التطورات الممولة من الدول العربية التي تهدف إلى تخفيف أزمة الإسكان في غزة. وأعلنت مصر، التي تتوسط في كثير من الأحيان بين إسرائيل وحماس وكذلك بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، عن المساعدة بعد حرب استمرت ثمانية أيام في 2021. وأكد مسؤولان مصريان كبيران أن حكومة بلادهما تعمل مع الفصائل الفلسطينية المتنافسة في المشروع. وقالا إن مصر دعت الجانبين إلى تشكيل لجنة مشتركة للإشراف على توزيع المنازل، دون إحراز تقدم كبير.

وصرّح أحد المسؤولين "يريد كل جانب السيطرة على العملية للأسف"، مشيرا إلى أن الموضوع أثير في المناقشات التي تخللت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة إلى مصر. وتابع "ليس هذا المشروع لحماس أو لفتح. إنه للشعب الفلسطيني".  وتحدث المسؤولان المصريان شريطة عدم الكشف عن هويتيهما نظرا إلى أنهما غير مخولين بالتحدث إلى وسائل الإعلام. وقال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان المُكلف في الحكومة التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة جواد الآغا إن مكتبه قدم مقترحا لمصر حول كيفية تخصيص المنازل. لكنه لم يذكر التفاصيل، وأكد عدم اتخاذ أي قرارات في انتظار اجتماع بين الجانبين.

وترك الجمود الآلاف من الأسر عالقة في وضعها الحالي، حيث تنتظر منذ ما يقرب من عقد، بعد أن فقدت منازلها خلال الحرب التي استمرت 50 يوما بين إسرائيل وحماس في 2014. وتعرض منزل عائلة زعرب للقصف خلال معركة 2019 بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي. وقبل لحظات من الغارة الجوية، اتصلت السلطات الإسرائيلية بالعائلة وأمرتها بالإخلاء، فلم يصب أحد بأذى، لكن المنزل دُمّر.

وقالت الأسرة إن لا علاقة تجمعها بأي جماعة مسلحة ولا تعرف سبب استهداف منزلها. وقال محمد زعرب، وهو والد طفل عمره شهران، إنه أمضى خمس سنوات في بناء شقة في الطابق الثاني من المبنى. وأضاف "تخيل أنك تقضي خمس سنوات من حياتك في بناء منزلك، وتستهدف إسرائيل المبنى في لمح البصر". وقال والده منير إن الظروف في منزلهم المتداعي لا تطاق. وأكد "نعاني من الحرارة والرطوبة. ونعاني في الشتاء من تسرب المياه إلى المنزل”. ويشمل المنزل المكون من غرفة واحدة في الفناء الأمامي للعائلة، والمبنيّ من الخرسانة والنايلون، مطبخا ضيقا ومرحاضا صغيرا.

◙ جهود إعادة الإعمار تتعرقل بسبب عوامل تكمن في الاقتصاد المتعثر الذي أضعفه الحصار الإسرائيلي والعزلة الدولية لحماس ونقص التمويل من المجتمع الدولي المنهك

وقالت مها زوجة منير إن رعاية ابنتها المصابة بالسرطان زادت من الصعوبات. وتعاني ابنتها من ضعف الجهاز المناعي ويجب إبعادها عن أقاربها حتى لو كانوا مصابين بنزلة برد. وتساءلت "أين يمكنني أن أعزلها بينما نتشارك غرفة واحدة؟". وقال الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم أبراش وهو زير سابق للثقافة في السلطة الوطنية الفلسطينية، إن الدول المانحة أصبحت محبطة بسبب دورات العنف المتكررة ومشتتة بسبب أزمات أخرى، من أبرزها الحرب في أوكرانيا.

ويعتبر أن الصراع بين السلطة الفلسطينية وحماس يبقى العقبة الرئيسية أمام إعمار غزة. وتابع "عندما تقدّم مصر أو غيرها من المانحين أموالا، يصبح السؤال هو: من هو الطرف الفلسطيني الشرعي الذي يمكن الوثوق به للإشراف عليها؟". وعبّر حازم إسلام وهو أب لسبعة أطفال يبلغ من العمر 42 عاما، عن شعوره بخيبة الأمل التي تنتشر بين الكثيرين. وقد مر بتجربة مروعة أثناء عمله عنصر أمن في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، عندما شاهد عائلته تهرع عبر بوابات المستشفى.

وخسرت ابنته فرح البالغة من العمر 11 عاما ساقها في صراع 2021 الذي دمر منزله أيضا. وتعيش الأسرة الآن في شقة مستأجرة يستطيع بالكاد تحمل تكاليفها. وقال “تشبثت بالأمل بمجرد انتشار الأخبار عن هذه الوحدات السكنية الجديدة،. لكنه يتحول إلى يأس". وكثيرا ما توجّه إلى وزارة الإسكان، لكنه يعود في كل مرة محمّلا بأسئلة أكثر من الإجابات. وأضاف "نحن نعيش في غموض دائم".

6