الممثلون والانتخابات: نجومية التمثيل لا تكفي لتحقيق الإنجازات

نجاح الممثل الكوميدي، فلاديمير زيلينسكي في الفوز بمنصب الرئاسة في أوكرانيا، لا يعد سابقة أو خروجا عن المألوف لتكريس معادلة لم تتحقق من قبل، فقد سبقه نجوم آخرون لعبوا أدوارا تاريخية في تشكيل موازين القوى التي تحكم العالم اليوم ويبقى أهمهم الرئيس الأميركي السابق، رونالد ريغن الذي تزعّم الولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين 1981 و1989، محققا شعبية كبرى خاصة أن في عهده تم كسر صراع القطبين التقليديين الشرقي والغربي وإنهاء الحرب الباردة وما تلاها من سقوط جدار برلين ونهاية أسطورة الاتحاد السوفييتي الذي لا يهزم.
مقياس نجاح سياسي من عدمه يكون بالنتائج المحققة على الأرض، والنتائج أرقام وحسابات ومنجزات، ولذلك فإن الدوافع التي جعلت بعض الممثلين ينجحون في الصعود إلى سدة الحكم، تكاد تكون هي نفسها التي تتسبب في فشلهم. مواطن اليوم ليس في حاجة إلى سياسي مدجج بالأيديولوجيا والشعارات بل هو في حاجة إلى من يتقن التسيير، ولذلك نشهد مرحلة يصعد فيها التكنوقراط من قبيل خبراء الاقتصاد والتصرف، مقابل تراجع السياسيين بالمفهوم القديم للكلمة. نشهد تراجع الأيديولوجيا وأفول الأسماء السياسية والزعامات، فالزمن زمن برامج ناجعة ولا نتصور أن ممثلا كوميديا سيكون قادرا على مراوغة كل هذه الأزمات التي تحيط بأوكرانيا كما غيرها، لأنه صعد للرئاسة بتضافر عاملين؛ الأول شهرته والثاني عمق الأزمة الذي جعل الناس يعاقبون الطبقة السياسية برمتها.
المعضلة الكامنة في دخول الممثلين لحلبات السياسة، لا تتعلق فحسب بالتساؤل عن قدرتهم على النجاح في أداء مهامهم على أكمل وجه، فالسياسة في أصلها لم تخرج في تطبيقها عن اقتباس أدوار التمثيل للإقناع أو للإمتاع رغبة في شد جمهور الناخبين، إذن إن مهمة الممثل في معارك السياسة، بالتأكيد ستكون ناجحة لأنه الأقدر من بين الجميع على ارتداء عباءة الشخصية التي يريد وفي أي وقت يريد.
مقياس نجاح سياسي يكون بالنتائج، ولذلك فإن الدوافع التي جعلت بعض الممثلين ينجحون في الصعود للحكم، تكاد تكون هي نفسها التي تتسبب في فشلهم
بمجرّد الحديث عن زيلينسكي أو غيره من الممثلين السياسيين، يطرح عليك سؤالا أوليا، كيف يمكن للناس الثقة في من خدعهم ولو مرة واحدة؟ فأهم الصفات التي تميز الممثل أنه يشد جمهور المسرح أو السينما بلعبه أكثر من دور واقتباسه أكثر من مهمة ووظيفة، فهو قادر على تقمص دور السارق والقاضي والحاكم والمجرم والإرهابي… إلخ. وكل هذه الصفات الأخيرة التي تدرّب عليها الممثل تجعله حتما قادرا على المراوغة بل وعلى السفسطة التي ستكون أحد أسلحته التي يتوسّلها لإخماد الحرائق وتجاوز المطبات التي قد تعترضه وقتما يشاء.
إن أول الدروس التي يتم تلقينها لطلبة التمثيل، تقوم على شعار دائم وهو أن “الخيال هو الواقعي على خشبات المسارح”، لكن هل بإمكان الممثل مهما عظُمت شعبيته أن يحل الملفات السياسية والاقتصادية المتراكمة بأفكار خيالية؟ أم وجب عليه أن يدرب خياله على احترام الواقع لإدارة شؤون الناس وقضاء حوائجهم؟
ثم لماذا علينا أن نصور الممثل على أنه فاضل أو أنه ملاك طاهر لا يكذب وأنه سيكون منقذا للبشرية لأنه لا يقدر على صناعة الشر، نعم إن الممثل عادة ما يكون حساسا ومفكرا ومطالعا جيدا للكتب وقارئا بعمق لصفحات التاريخ، لكن بالتوازي مع ذلك هذا لا يمنع من الاعتراف بأنه ربما يكون مسيّرا، فمثل المسرح أو السينما تقريبا، إن الممثل ومهما كانت جرأته أو تمرّده يكون محتكما في النهاية لما يطلبه المخرج وليس بالضرورة لما يطلبه الجمهور، فعندما يكون سياسيا هل سينفذ ما يريد جمهوره أم سيكتفي بتنفيذ توصيات المخرج (جهات نافذة تملي عليه كل شيء، خارجية أو داخلية).
كما أن بعض التجارب السابقة، تجعلك أكثر إيمانا بذلك المثل القائل “أن يتم خداعك لا يعني بالضرورة أنك تمتلك عقلا غبيا، فربما كنت في حضرة فنان بارع في التمثيل”، فحتى ريغن نفسه الذي يعد أحد المراجع السياسية في العالم، توسّل في بعض المحطات خبرته وحنكته الهوليودية لخداع المواطن الأميركي والمجتمع الدولي، كل ذلك أكده على سبيل المثال تفجير الفضيحة المعروفة باسم (إيران غيت) عام 1986، التي باعت عبرها الإدارة الأميركية سراً أسلحة لإيران، رغم الحظر المعلن على بيع الأسلحة إليها، لتستخدم أرباح تلك الصفقة في مساعدة ثوار نيكاراغوا، إذن إن مثل هذه الأحداث قد تؤكّد حقيقة مجانبة للمتوقع وهي أن الممثل لن يكون منقذا بل سيكمل ما أنجزه الساسة الممثلون.