الملك عبدالله محاصر بين حجري الرحى

الضغوط السياسية والتحديات الأمنية الداخلية تتربص باستقرار المملكة الهاشمية وتضع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أمام إدارة توازن هش. وبحكم موقعها الجغرافي وجدت المملكة نفسها في صميم حرب غزة بين إسرائيل وحماس.
عمّان - تضغط حماس ومؤيدوها الإقليميون من جهة والسياسيون الإسرائيليون وأنصارهم من جهة أخرى على العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني سياسيا، فيما يسعى مسلحون سوريون وعراقيون مدعومون من إيران إلى جر المملكة الأردنية إلى حرب غزة، ما يضع العاهل الأردني بين حجري رحى.
ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي أن حماس والإخوان المسلمين وإيران يريدون تحويل الأردن إلى نقطة اشتعال إقليمية ومحطة في طريق الأسلحة المتجهة للمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وقال العميد المتقاعد من المخابرات الأردنية سعود الشرافات إن الإيرانيين يتّبعون تعليمات بتجنيد الأردنيين واختراق الساحة الأردنية من خلال عملاء. وأكد أن جهود التجنيد التي يبذلونها تمتد على كامل شرائح المجتمع.
وهاجمت الجماعات العراقية المدعومة من إيران في يناير قاعدة عسكرية أميركية نصرة لحماس. وأدى هذا إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة ما لا يقل عن 34 آخرين.
ثم سارعت إيران إلى كبح جماح الميليشيات التي تدعمها إثر رد الولايات المتحدة بسلسلة من الغارات الجوية.
ومن طرف الطيف السياسي الآخر، هاجم المستوطنون الإسرائيليون قوافل شاحنات المساعدات الإنسانية الأردنية أثناء عبورها الضفة الغربية في طريقها إلى غزة.
ويعقّد السياسيون الإسرائيليون، بقيادة وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، حياة الملك عبدالله بزياراتهم الاستفزازية إلى الحرم الشريف (جبل الهيكل)، الذي يعدّ ثالث أقدس موقع في الإسلام، والذي يخضع للوصاية الهاشمية الأردنية تحت بند الوضع القائم المتفق علية دوليا.
ووضع الملك عبدالله نفسه في موقع حساس باعتراضه الطائرات الإيرانية المسيرة حين عبرت مجال بلاده الجوي متجهة نحو إسرائيل في التاسع عشر من أبريل، وبقمعه المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في شهري مارس وأبريل.
ودافع الملك عبدالله عن إسقاط الطائرات الإيرانية المسيرة التي تنتهك المجال الجوي الأردني باعتباره دفاعا عن النفس، وأكد أن الأردن لن يكون “ساحة معركة لأي جهة”.
لكن ربما لم يكن أمام الملك المعتمد على الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي أي خيار بخلاف إسقاط هذه الطائرات.
ونشر منتقدوه على وسائل التواصل الاجتماعي صورا مركبة ظهر فيها ملفوفا بالعلم الإسرائيلي أو يرتدي زيا عسكريا إسرائيليا. وكتبوا تعليقات تكررت فيها مصطلحات “خائن” و”دمية الغرب”.
وقال المهندس حميد جهانيان إن الملك عبدالله “لم يفشل فقط في دعم إخوانه العرب الفلسطينيين، بل بذل جهدا إضافيا لدعم قاتلهم الذي ارتكب الإبادة الجماعية”.
وأخفت حملة القمع والمساعدة في الدفاع عن إسرائيل حقيقة كون الأردن البلد العربي الوحيد الذي سحب سفيره لدى إسرائيل والذي يرسل باستمرار مساعدات إلى غزة. ويعدّ الأردن إحدى خمس دول عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
لا دليل على وجود قوة قتالية إسلامية في الأردن تخضع لسيطرة مشددة رغم الغضب الشعبي المتزايد من حرب غزة
وتؤكد مصادر أردنية في نفس الوقت أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي نظمت الاحتجاجات.
ويخشى المسؤولون في الأردن أن تتحول المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى احتجاجات اجتماعية واقتصادية في ظل معدل البطالة الذي يبلغ حوالي 22 في المئة ما يبقي نصف الشباب عاجزين عن العثور على وظيفة.
ويسلط المأزق الذي يواجهه الملك عبدالله، حليف الولايات المتحدة الوثيق منذ فترة طويلة، الضوء على قدرة حرب غزة على زيادة زعزعة استقرار الشرق الأوسط.
ولا تساعده (الملك عبدالله) جغرافية الأردن، مع وجود الضفة الغربية على حدوده الغربية، وسوريا على حدوده الشمالية، والعراق على حدوده الشرقية، ما يسلّط الضغط على الملك في وقت يمكن أن تخلق فيه السياسة تحولات نموذجية في العديد من دول الشرق الأوسط الرئيسية، بما في ذلك إسرائيل والعراق.
وفي الأثناء، ساهمت حملة القمع التي شنها الملك الأردني على الاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للفلسطينيين في الحد من الضغوط الداخلية، حتى مع استمرار الغضب واسع النطاق ظاهريا. لكن مصادر أردنية أكدت خلال الشهر الحالي أن الأجهزة الأمنية أحبطت مؤامرة لتهريب الأسلحة إلى معارضي الملك بهدف تنفيذ أعمال تخريبية في عملية يعتقد أنها كانت بقيادة إيرانية.
السياسيون الإسرائيليون، بقيادة إيتمار بن غفير، يعقّدون حياة الملك عبدالله بزياراتهم الاستفزازية إلى الحرم الشريف
وقالت المصادر إن ميليشيا سورية مدعومة من إيران أرسلت الأسلحة إلى أعضاء أردنيين فلسطينيين في جماعة الإخوان المسلمين الذين يرتبطون بحماس.
وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) في مارس إنه أحبط محاولات إيرانية لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة إلى الضفة الغربية.
وأكد الشاباك تورط الوحدة 4000 الاستخباراتية التابعة لقسم العمليات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني، ووحدة العمليات الخاصة 18840 التابعة لفيلق القدس.
وقال جهاز الأمن إن القيادي في حركة فتح المقيم في لبنان اللواء منير المقدح، كان متورطا في عملية التهريب.
وذكر أن مخزن الأسلحة شمل قنابل فراغية وألغاما أرضية مضادة للدبابات مزودة بصمامات وقاذفات قنابل يدوية وصواريخ كتف مضادة للدبابات وقاذفات صاروخية الدفع وصواريخ ومتفجرات من طراز سي 4 وسيمتكس.
وأكدت حماس من جهتها أن لا علاقة لها بأي أعمال تستهدف الأردن وهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول. وقال مسؤول أردني في جماعة الإخوان المسلمين إن ما فعله الأعضاء المعتقلون لم يكن بموافقة الجماعة. لكن قادة حماس وجهوا نداءات متكررة للأردنيين منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر ودعوهم إلى التحرك.
حملة القمع والمساعدة في الدفاع عن إسرائيل أخفت حقيقة كون الأردن البلد العربي الوحيد الذي سحب سفيره لدى إسرائيل والذي يرسل باستمرار مساعدات إلى غزة
وسبق أن قال الناطق باسم كتائب القسام أبوعبيدة “ندعو إخواننا في الأردن خاصة إلى تصعيد كل أشكال العمل الشعبي والمقاوم فأنتم يا أهلنا في الأردن كابوس الاحتلال الذي يخشى تحركه ويتمنى ويعمل لتحييده وعزله عن قضيته”.
وقال خالد مشعل، القيادي البارز في حركة حماس المقيم في الدوحة، أمام تجمع نسائي في الأردن في خطاب مصوّر إن “الأردن بلد عزيز وهو الأقرب إلى فلسطين وهو الذي يرتجى منه أكثر من غيره في أدوار رجاله ونسائه نحو أرض الحشد والرباط”.
وأكد مسلحون عراقيون مدعومون من إيران في أبريل أنهم مستعدون لتسليح 12 ألف مقاتل من المقاومة الإسلامية في الأردن وهذا من شأنه أن يفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل.
وأشار مسؤول المكتب الأمني في كتائب حزب الله العراقي أبوعلي العسكري إلى أن تقييم حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني بأن كل ما يحتاجه المتشددون الأردنيون هو الحصول على الأسلحة شكّل مصدر إلهام للعرض.
ولا دليل على وجود قوة قتالية إسلامية في الأردن تخضع لسيطرة مشددة رغم الغضب الشعبي المتزايد من حرب غزة، وعدد محدود من الحوادث الحدودية، ومؤشرات على محاولات فرع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وحماس وإيران لاستغلال الغضب، وحتى تهريب الأسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية في بعض الحالات.
وقد تكون مخاطر تجدد اشتعال الثورات والتشدد في الوقت الحالي، مجرّد مخاوف وهمية ولا تشكل تهديدا حقيقيا.
وذكر الباحث والصحافي رامي خوري أن الأردن يدير توازنا دقيقا. وأكد أن هذا الحال ليس جديدا، وأن الأردنيين فهموا أن الوضع لن يهدد استقرار البلاد طالما لا يزال الدعم العسكري الأميركي واسع النطاق قائما في المملكة.