الملايين يدخنون فهل من إستراتيجيات تساعد على الإقلاع عنه

نسبة المدخنين البالغين ارتفعت إلى 30 في المئة خلال جائحة كورونا، ما يجعل الإقلاع عن التدخين من أوكد الأولويات.
الأربعاء 2023/10/25
محاولة الإقلاع عن التدخين لا تنجح دائما

فرانكفورت (ألمانيا) - يرغب الكثيرون في الإقلاع عن التدخين، وذلك بمضغ علكة النيكوتين أو اللجوء إلى الوخز بالإبر أو مجموعات الدردشة أو العلاج السلوكي أو استشارة الطبيب أو استعمال بخاخات الفم…، ومع ذلك لا ينجح الإقلاع إلا بعد عدة طرق مجربة ومحاولات مؤلمة في الكثير من الأحيان، أو يفشل تماما. وينظر الخبراء بقلق إلى ارتفاع أعداد المدخنين. وفي مؤتمر متخصص عُقد مؤخرا في مدينة فرانكفورت الألمانية ناقش الخبراء أيضا إستراتيجيات واعدة يمكن أن تساعد الأشخاص على الإقلاع، وتنصح بما يجب أن يتغير في نظام الرعاية الصحية.

الحقيقة هي أن التدخين يمكن أن يسبب السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي. ووفقا لمركز أبحاث السرطان الألماني يموت حوالي 127 ألف شخص في ألمانيا سنويا من عواقب التدخين. وبحسب البيانات يكلف التدخين المجتمع 97 مليار يورو. وارتفعت نسبة المدخنين البالغين إلى حوالي 30 في المئة خلال جائحة كورونا، ما يجعل موضوع الإقلاع عن التدخين من أوكد الأولويات، حسب ما جاء في مؤتمر معهد أبحاث الإدمان بجامعة فرانكفورت للعلوم التطبيقية (يو آي آس).

يقول الباحث الاجتماعي في مجال المخدرات بيرند فيرزه "لا توجد طريقة واحدة مناسبة للجميع أو سليمة لمعظم الناس". ويقدم تحليله عن الإقلاع عن التدخين "روس" -الذي يتضمن بيانات حوالي 6200 مشارك فوق 14 عاما من المدخنين والأشخاص الذين أقلعوا عن التدخين- معلومات حول أساليب ووسائل تمت تجربتها. ومن النتائج الرئيسية لدراسته أن “معظم المدخنين لا يستخدمون وسائل مساعدة أو عروضا يمكن اعتبارها تدابير قائمة على أدلة".

◙ الخبراء ينظرون بقلق إلى ارتفاع أعداد المدخنين
◙ الخبراء ينظرون بقلق إلى ارتفاع أعداد المدخنين

وتشمل التدابير والعلاجات "المبنية على الأدلة" -والتي تم تصنيفها على أنها واعدة في أغلب الاختبارات السريرية- بدائل النيكوتين مثل البخاخات واللاصقات والعلكة وأدوية مخصصة للإقلاع عن التدخين والمشورة الطبية والعلاج السلوكي. يقول عالم الاجتماع في جامعة فرانكفورت فيرزه “المشكلة الكبيرة هي أن هذه الطرق بالتحديد نادرا ما تُستخدم في الممارسة العملية ولا تحظى بشعبية كبيرة”، عازيا ذلك جزئيا إلى أن بعضها "ينطوي على تحديات"، أي معقد التطبيق، حيث يتطلب وصفة طبية أو زيارة الطبيب.

في المقابل كثيرا ما يلجأ المدخنون إلى السجائر الإلكترونية. ولا تزال مسألة ما إذا كانت هذه الطريقة تساعد الناس على الإقلاع عن التدخين أو الامتناع عنه لفترة طويلة مثار جدل. وقالت متحدثة باسم المركز الاتحادي الألماني للتثقيف الصحي “هناك أدلة على أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين يمكن أن تساعد بعض المدخنين في الإقلاع عن التبغ. ومع ذلك، فإن البيانات المتاحة ليست كافية للتوصية بالسجائر الإلكترونية كوسيلة تساعد على الإقلاع عن التدخين…، وعلى عكس بدائل النيكوتين لم تتم الموافقة على السجائر الإلكترونية أو اختبارها كمنتج طبي".

ويوضح فيرزه أن السجائر الإلكترونية وسخانات التبغ تمثل “بديلا لتقليل الضرر” بالنسبة إلى بعض المدخنين، وقال “هذه الأشكال ضارة أيضا، ولكنها على الأقل أقل ضررا من أي شيء يتم استنشاقه عن طريق منتجات الاحتراق”. ويُقصد بمنتجات الاحتراق السجائر والسيجار والسجائر الملفوفة يدويا والغليون والنرجيلة، أما السجائر الإلكترونية فهي أجهزة عديمة الدخان تتبخر فيها سوائل تحتوي أو لا تحتوي على النيكوتين ويتم استنشاق هذا البخار.

ويشير الباحث في مجال الإدمان دانيل كوتس من جامعة دوسلدورف الألمانية إلى أن السجائر الإلكترونية يمكن أن تكون عاملا مساعدا للمدخنين “الذين لا تعد الطرق الأخرى للإقلاع عن التدخين خيارا متاحا لهم”. لكن “من المهم التحول بشكل كامل من التبغ إلى السجائر الإلكترونية”، أي عدم استخدام السجائر الإلكترونية وتدخين السجائر العادية معا، وبعد ذلك يُجرى الإقلاع عن السجائر الإلكترونية. ويرى كوتس أن من الوسائل الأكثر فاعلية المزج بين الدعم النفسي والعلاج الدوائي، مثل أجهزة الاستنشاق أو أقراص الاستحلاب والمواد الدوائية الفعالة، مثل البوبروبيون والفارينيكلين، وهي مواد تمت الموافقة عليها أيضا كبدائل للنيكوتين. وفسر كوتس لجوء أقلية فقط إلى بدائل النيكوتين بحقيقة أن شركات التأمين الصحي لا تغطيها.

◙ كثيرا ما يلجأ المدخنون إلى السجائر الإلكترونية، ولا تزال مسألة ما إذا كانت هذه الطريقة تساعد الناس على الإقلاع عن التدخين أو الامتناع عنه مثار جدل

ووفقا لاستطلاع أُجري بتكليف من مؤسسة “ديبرا” للأبحاث الطبية، فإن 30 في المئة من السكان الذين تبلغ أعمارهم 14 عاما فأكثر في ألمانيا يدخنون حاليا، لكن نسبة منخفضة فقط -بلغت أقل من 10 في المئة في صيف 2023- قامت بمحاولة جادة للإقلاع خلال الأشهر الـ12 الماضية، حسب ما ذكره مدير الدراسة كوتس، موضحا أن هذا ليس كافيا، وهو في نهاية المطاف نتيجة لضعف سياسة مكافحة التبغ في ألمانيا. وأشار إلى أن النيكوتين من مواد الإدمان السريعة، خاصة بين الشباب عندما يجربون التدخين.

ويوضح بيرند فيرزه أن بعض المدخنين يعانون من أعراض انسحاب الإدمان مثل التوتر واضطرابات النوم، إلا أن دراسته أظهرت أن إدمان النيكوتين بالنسبة إلى العديد من الأشخاص لا يلعب سوى دور ثانوي، مبيّنا أن المشكلة تكمن في العادات المكتسبة، وقال “يلعب هنا الطقس التقليدي لتدخين السجائر وبعض المواقف المحفزة مثل الانتظار في محطة الحافلات أو أخذ قسط من الراحة في العمل دورا رئيسيا".

ويعتقد الخبراء في مركز أبحاث السرطان الألماني أن العديد من المدخنين يمكنهم الإقلاع عن التدخين إذا أتيحت لهم إمكانية الوصول بسهولة إلى طرق الدعم، مشيرين إلى ضرورة أن يتولى التأمين الصحي تغطية تكاليف علاج إدمان التدخين، وزيادة الضرائب على منتجات التبغ، وحظر جميع الإعلانات المروجة له، وإقامة حملات منتظمة تحفز المدخنين على الإقلاع. كما دعا عالم الاجتماع فيرزه إلى عدم الرفض التام لأي وسيلة للإقلاع، موضحا أن الحلول الفردية مهمة، وأن المهم بصورة أساسية هو توفر قوة الإرادة.

◙ حلول مبتورة
◙ حلول مبتورة 

16