الملاجئ تستبعدهم والحكومة لا تساعدهم

تتفاقم معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان في زمن الحرب بسبب نقص الدعم والرعاية من الحكومة، فهم يواجهون مع عائلاتهم التهميش الاجتماعي والتحرش وقلة الفرص التعليمية والمهنية، إضافة إلى صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية والتأهيلية، وغالبا ما يتأخرون أثناء عمليات النزوح.
بيروت – تعرض علي الحسيني إلى تحد مؤلم مع سقوط القنابل على الضاحية الجنوبية لبيروت، ولم يعرف كيف يشرح ما يحدث لابنتيه اللتين تعانيان من مشاكل في السمع.
وقال “كانتا تسألاني عن سبب ما يحدث ولماذا نركض بعيدا. كنت أحاول حمايتهما من الخطر كلما سقطت القنابل، لكن عندما رأت ابنتاي إخوتهما الذين يسمعون يركضون نحونا، أصابتهما الحيرة.”
لم تتمكن الفتاتان من سماع انفجارات القنابل، ولم تدركا حجم الحرب إلا عندما شاهدتا المباني المدمرة في حي المريجة بالضاحية الجنوبية لبيروت، حيث تقيم الأسرة.
تدهورت قدرة ابنتي حسيني على السمع بعد إصابتهما بالتهاب السحايا عند الولادة، مما جعلهما تعتمدان على المعينات السمعية. لكن الوضع تغير قبل عامين عندما اكتشف الحسيني أنه لم يعد قادرا على تحمل تكاليفها، رغم عمله في وظيفتين، كونه سائق سيارة أجرة وعاملا يدويا.
فرّت العائلة المكونة من سبعة أفراد من منزلها بسبب تكثيف إسرائيل حملة القصف منذ أواخر سبتمبر. نزحت إلى الشارع ثم تمكنت من العثور على مكان في ملجأ، لكن بعض الأخبار السارة برزت وسط الدمار.
عرض أحد الأشخاص المسؤولين عن إدارة الملجأ مساعدة الفتاتين بتوفير الأجهزة التي تحتاجانها، مما سيوفر احتياجاتهما لمدة عام كامل. ولا يعرف الحسيني ما سيحدث بعد ذلك، حيث يشير إلى أنه لم يتلق أي دعم من الحكومة.
يصنف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكثر من 900 ألف شخص في لبنان على أنهم يعانون من إعاقة. وأشار البرنامج إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون من “نقص مستمر في الحقوق والموارد والخدمات، ويتعرضون للتهميش والإقصاء والعنف بشكل واسع داخل البلاد وخارجها.”
وتفاقمت الأوضاع أكثر خلال الصراع الأخير الذي اندلع بسبب حرب غزة العام الماضي، قبل أن تخف حدته مع التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة حزب الله الأسبوع الماضي.
ذكرت منظمة الإغاثة الفرنسية المستقلة “هانديكاب إنترناشيونال” في تقرير صدر في أكتوبر أن “الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون بشكل كبير نتيجة لهذه التطورات، حيث يعيشون في ظروف سكن غير ملائمة، ويعانون من نقص في الخدمات الأساسية وفرص الحصول على سبل العيش، وغالبا ما يتأخرون أثناء عمليات النزوح.”
البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة تم استبعادهم من الملاجئ لأنهم لم يكونوا برفقة ولي أمر قادر على تحمل مسؤوليتهم
أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية في نوفمبر أنها ستخصص جزءا من الموازنة لتقديم تحويل نقدي لمرة واحدة بقيمة 100 دولار للأشخاص ذوي الإعاقة.
وأفاد الخبراء بأن استجابة الحكومة للطوارئ لم تشمل الأشخاص ذوي الإعاقة. في أكتوبر، شكّل المهنيون في المجال الإنساني ومدافعو حقوق الإنسان الذين يعملون مع ذوي الاحتياجات الخاصة فريق عمل للطوارئ.
وأفادت شيريل معوض، أخصائية الإنصاف والشمول في مؤسسة أفسي الإيطالية التي تركز على دعم المجتمعات الضعيفة، في بيان مكتوب، بأن “في فوضى حالات الطوارئ، من المحزن أن نرى تجاهل احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة في الكثير من الأحيان، خاصة عندما يكونون في أشد حالات ضعفهم. ومع ذلك، فإن المبادرات المجتمعية القوية ترتفع من وسط الحزن لتواجه التحديات، وتتعاون مع المنظمات غير الحكومية والوزارات لإنشاء شبكات دعم.”
وأوضحت هيا الراوي، العضو في فريق العمل، أن بعض الأشخاص فقدوا مقدمي الرعاية الذين إما قتلوا أو نزحوا. وأشارت إلى أن آخرين لم يتمكنوا من التواصل بعد أن فقدوا الوصول إلى الإنترنت، مضيفة “كل ذلك يعود إلى مسألة الوصول، ولا أتحدث هنا فقط عن الوصول المادي، بل أيضا عن الوصول المعلوماتي الذي يسهم في تمكين التواصل.”
وأكدت الراوي أن النزاع أبرز أيضا التقاطع بين النوع الاجتماعي والإعاقة، حيث وردت تقارير عن تعرض النساء ذوات الإعاقة للتحرش الجنسي في الملاجئ.
وأفاد إبراهيم عبدالله، خبير الإعاقة البصرية وعضو فريق العمل، بأنه تم استبعاد بعض الأشخاص من الملاجئ لأنهم لم يكونوا برفقة ولي أمر قادر على تحمل المسؤولية عنهم. وأضاف “يعاني البعض من إعاقة جسدية، لكنهم مستقلون ويعيشون بعيدا عن والديهم. ومع ذلك، تم استبعادهم من الملاجئ التي أخبرتهم أنه لا يمكنهم القدوم بمفردهم.”
اضطرت شروق شماس، التي تعاني ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات وابنها البالغ من العمر أربع سنوات من الشلل الدماغي، إلى مغادرة منزلها في ضاحية الأوزاعي في بيروت. يذكر أن طفليها مصابان بالشلل، فيما ابنها أخرس أيضا. ومع ذلك، تعتبر شروق نفسها محظوظة لأن المنظمين في المجتمع الذي لجأت إليه رحبوا بابنيها، كما تلقت دعما من عائلتها الممتدة.
أقام تسعة من أفراد الأسرة في غرفة واحدة داخل مدرسة تم تحويلها إلى ملجأ في منطقة هامانا الجبلية. وأوضحت شروق أنهم تمكنوا من النجاة بفضل دعم عائلتها، بما في ذلك إخوتها ووالدتها. تملك شماس بطاقة إعاقة شخصية تؤهلها للحصول على إعانات للأطفال من الحكومة ومنظمات الإغاثة. لكنها أكدت أنها لم تتلق أي دعم من الدولة.
وأصدرت الحكومة تحويلات لمرة واحدة بقيمة 100 دولار، لكن أطفالها فقدوا الفرصة للحصول عليها لأن بطاقاتهم لم تكن مجددة. قامت شماس الآن بتجديد البطاقة وتأمل في الحصول على الدعم، لكن الأمور لم تتحسن بعد عودتها إلى منزلها.
لا تستطيع إرسال طفليها إلى مدارس خاصة تلبي احتياجاتهما. وأوضحت أن المنح الدراسية والأماكن المجانية في المدارس الحكومية تُتاح للأشخاص الذين يدفعون الرشاوى أو لديهم علاقات شخصية.
أشار الخبير إبراهيم عبدالله إلى أن معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة خلال الحرب تعكس الإهمال الذي كانوا يعانون منه حتى قبل سقوط القنابل. وأضاف “يجب أن نضع خططا مستدامة تدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة، حيث إن دمجهم أقل تكلفة بكثير من وضع برامج متخصصة لهم.”
ترى الراوي أن عملية إعادة الإعمار بعد الحرب فرصة لاستغلالها في تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء لبنان. وقالت “نحن بحاجة إلى الأساسيات على الأقل… الحد الأدنى مثل المنحدرات والأرصفة الواسعة مع الحواجز. هذه فرصة كبيرة لتوفير إمكانية الوصول خلال عملية إعادة الإعمار.”