المفاوضون يختتمون أطول قمة مناخ ببيان محبط

يبدو أن مصالح الدول الكبيرة التي لديها أكبر نسب من انبعاثات الغازات الدفيئة مصرة على عدم الالتزام بالقرارات التي تساهم في التوازن المناخي التي جاءت في اتفاق باريس، والدليل أن قمة مدريد التي كانت أطول محادثات في تاريخ المناخ لم تفض إلى النتائج المرجوة وخيبت آمال الأمم المتحدة وناشطي البيئة الذين واصلوا احتجاجاتهم طوال أيام القمة.
مدريد – تأسّف الأمين العام للأمم المتحدة، الأحد، لكون المجتمع الدولي الملتئم في إطار قمة مدريد “فوت فرصة مهمة” لمواجهة “أزمة المناخ”، وذلك بعيد اختتام المؤتمر.
وقال أنطونيو غوتيريش في بيان له، “لقد خاب أملي من مؤتمر كوب 25″، مضيفا أن “المجتمع الدولي خسر فرصة مهمة لإثبات طموح أكبر على صعيد تخفيف انبعاثات غازات الدفيئة، والتكيف وتمويل الأزمة المناخية”.
وتابع “علينا ألا نستسلم ولن أستسلم، أنا مصمم أكثر من أي وقت مضى للعمل على أن يكون العام 2020 هو العام الذي تلتزم فيه جميع الدول لفعل ما يقول العلماء لنا بأنه ضروري للوصول إلى حيادية انبعاثات الكربون في 2050 بحيث لا ترتفع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية”.
وبعد عام طبعته كوارث مناخية ودعوات الملايين من الشبان الذين نزلوا إلى الشارع تأييدا للناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ والتقارير العلمية المحذرة، تعرض موقعو اتفاق باريس للمناخ لضغوط غير مسبوقة خلال مؤتمر الأطراف الذي ترأسته تشيلي لكنه نقل إلى مدريد بسبب الأزمة التي يشهدها البلد الأميركي الجنوبي.
ولكن في ختام المؤتمر الذي لم يختتم في موعده المقرر أصلا واستمرت مناقشاته أربعين ساعة إضافية، لم تأت النصوص التي تم تبنيها، الأحد، منسجمة مع المطالبة بتحرك سريع.
ودعا البيان الختامي إلى “خطوات عاجلة” لتقليص الهوة بين الالتزامات والأهداف التي نص عليها اتفاق باريس لجهة الحدّ من ارتفاع حرارة الأرض، غير أن كاثرين أبرو من منظمة “كلايمت أكشن نتوورك” اعتبرت أن النتيجة “دون التوقعات”.
وخلال المؤتمر الذي استمرّ نحو أسبوعين، لم تعلن الدول الكبيرة التي لديها أكبر نسب من انبعاثات الغازات الدفيئة (الولايات المتحدة والصين والهند واليابان) عن أي نية للقيام بمزيد من الخطوات وبشكل سريع للحدّ من ارتفاع حرارة الأرض الذي يفاقم في جميع أنحاء العالم العواصف والفيضانات وموجات الحرّ.
واتُهمت الولايات المتحدة، التي ستنسحب من اتفاق باريس العام المقبل، بأنها تفسد عددا من القضايا الحيوية بالنسبة للدول المعرضة للكوارث المناخية، بما في ذلك ما يسمى تمويل “الخسارة والضرر”.
المجتمع الدولي خسر فرصة مهمة لإثبات طموح أكبر على صعيد تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة، والتكيف وتمويل معالجة الأزمة المناخية
وقال هارجيت سينغ، الناشط المعني بالمناخ في مؤسسة “أكشن إيد” الخيرية إنّ “الولايات المتحدة لم تحضر إلى هنا بحسن نية”.
وتابع، “إنهم يواصلون عرقلة جهود العالم لمساعدة الأشخاص الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب تغير المناخ”.
وقال مهندس اتفاق باريس لورانس توبيانا أن “الأفرقاء الرئيسيين الذين كنا نأمل منهم تقدما لم يلبوا الطموحات”، مع ملاحظته أن تحالف الدول الأوروبية والأفريقية والأميركية الجنوبية أتاح “انتزاع نتيجة هي الأقل سوءا في وجه إرادة كبار الملوثين”.
وقال موفد غرينادا سايمن ستيل،”أردنا الإبقاء على البنود الواردة في اتفاق باريس وما نراه في كل مؤتمر للأطراف أنه يبدو فرصة أخرى لتقليصها”.
وأضاف، “هناك طرف أو طرفان عازمان على ما يبدو على التأكد من صد أي دعوة إلى الطموح والتحرك والسلامة البيئية”.
وكانت الرئاسة التشيلية طرحت، السبت، مشروع نص تسبب بمواجهة جديدة ودفع إلى إجراء جولة جديدة من المشاورات.
ورغم تحقيق تقدم متواضع، أعربت بعض الدول المتأثرة أكثر من سواها بالأزمة المناخية عن غضبها، وقالت ممثلة جزر مارشال تينا ستيغي إن النتيجة “ليست قريبة مما كنا نريده. إنه الحدّ الأدنى فقط”.
وعلقت هيلين ماونتفورد من معهد الموارد العالمية أن “هذه المناقشات تعكس الهوة بين القادة من جهة والطابع الملح الذي ركز عليه العلم ومطالبات المواطنين في الشوارع من جهة أخرى”، معتبرة أن روح اتفاق باريس باتت “ذكرى بعيدة”.
وفي حال استمرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على وتيرتها الراهنة، فإن الزئبق قد يبلغ أربع درجات أو خمسا بحلول نهاية القرن. وحتى لو أوفى موقعو اتفاق باريس بالتزاماتهم، فإن الاحتباس الحراري قد يتجاوز ثلاث درجات.
وفي محاولة لتقليص هذه الهوة، على كل الدول أن تقدم صيغة جديدة لخططها لتقليص الانبعاثات في انتظار انعقاد مؤتمر “كوب 26” في غلاسكو العام المقبل. لكن المباحثات التي استمرت أسبوعين أظهرت في شكل واضح انقساما كبيرا داخل المجتمع الدولي.
والواقع أن أيا من كبرى الدول الملوثة لم يعلن أمرا ملموسا في اتجاه زيادة طموحاته، ولم تصدر منه أي إشارة إلى ذلك للعام 2020. فالولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس في نوفمبر المقبل، ولا بوادر إيجابية من الصين أو الهند.
ويشدد هذان البلدان على مسؤولية الدول المتطورة أن تبذل جهدا أكبر وأن تفي بوعودها بتقديم مساعدات إلى الدول النامية، وذلك قبل أن يتحدثا عن مراجعة التزاماتهما.
وفي السياق نفسه، تتهم السعودية والبرازيل وأستراليا بالسعي إلى إدراج أسواق الكربون في المفاوضات.
وحده الاتحاد الأوروبي “أقر” هدف الحياد المناخي في التكتل بحلول 2050. لكن القرار لا يشمل بولندا التي تعتمد إلى حدّ كبير على الفحم.
وعلى الاتحاد أن يسعى اليوم إلى زيادة التزاماته للعام 2030، ما قد يدفع شركاءه الدوليين إلى الاحتذاء به.
ووعد البريطانيون الذين سينظمون مؤتمر “كوب 26” بأن يبذلوا ما في وسعهم لإنجاح قمة غلاسكو. وسبق أن نبهت غريتا ثونبرغ إلى أن هذا العام من التحضيرات ستواكبه ضغوط الشارع.
وكتبت على تويتر “العلم واضح، لكن العلم يتم تجاهله. مهما حصل لن نستسلم. ما زلنا في البداية”.
وأكدت الفتاة السويدية التي دفعت الملايين من الشباب للنزول إلى الشوارع منذ عام للمطالبة بإجراءات جذرية وفورية للحدّ من ارتفاع حرارة الأرض وكانت نجمة المؤتمر “مهما حدث لن نتراجع ولازلنا في البداية”.وأعربت الناشطة من أجل المناخ ألكسندريا فيلاسونير البالغة 14 عاما عن “إحباطها” بسبب غياب الفعل في مؤتمر مدريد.
وقالت، “الفرق بين الشباب في الشوارع والمفاوضات هو أن الشباب متمسكون بموقفهم”، وتابعت “كوب 25 خذلنا وهو عام جديد من الفشل”.