المغرب يعزز دفاعاته المالية في وجه التقلبات

ساهمت ثقة وكالات التصنيف الائتماني في تعزيز الخطط الإصلاحية للمغرب الذي لم ينتظر كثيرا للحصول على قرض من صندق النقد الدولي، حتى يساعده في تنفيذ خطط درء مخلفات الحرب في شرق أوروبا والتحوط من الأزمات التي كبلت الاقتصاد.
واشنطن - وافق صندوق النقد الدولي على اتفاق مع المغرب لمدة عامين للحصول على خط ائتمان مرن بقيمة خمسة مليارات دولار كانت قد طلبته الحكومة الشهر الماضي بغية مواجهة التحديات المالية التي تعترضها وفي مقدمتها التضخم.
وتأتي الخطوة بعد أيام من إبقاء ستاندرد آند بورز على التصنيف الائتماني السيادي للبلد دون تغيير عند بي.بي+/بي مع نظرة مستقبلية مستقرة، إذ أكدت الوكالة في مذكرة الجمعة الماضي أن الإصلاحات الهيكلية تمهد الطريق تدريجيا نحو اقتصاد أكثر شمولا.
وقال صندوق النقد في بيان في وقت مبكر الثلاثاء إن “هذا الخط مُصمّم لأغراض منع وقوع الأزمات، ومن شأنه تعزيز الاحتياطيات الوقائية الخارجية للبلاد ويقدم ضمانات ضد أيّ مخاطر متطرفة محتملة على أساس مؤقت”.
وتعتزم السلطات المغربية، وفق ما كشفته مؤسسة الإقراض الدولية، معاملة الاتفاق في ظل خط الائتمان المرن كأداة وقائية تحوطية، والخروج منه متى انقضت فترة الأربعة والعشرين شهرا، وذلك رهناً بتطور المخاطر.
وكانت الرباط قد حصلت على خط “وقاية وسيولة” من الصندوق في 2012 بقيمة ثلاثة مليارات دولار، استخدمته الحكومة في عام 2020 لمواجهة تداعيات الجائحة. وفي بداية مارس الماضي، جمعت الدولة 2.5 مليار دولار من سندات دولية.
وتقدمت الحكومة بطلب الحصول على الخط الائتماني الجديد إلى الصندوق في السادس من مارس الماضي عقب خروجه من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف) بعد التزامه بمعايير مكافحة غسيل الأموال.
وقال الصندوق إن “الأساسيات الاقتصادية وأطر السياسات المؤسسية القوية في المغرب، ومحافظته على سجل أداء سياسات قوية للغاية، واستمرار التزامه بالحفاظ عليها، عوامل تبرر التحول إلى الاتفاق بعد استفادته سابقا من خط الوقاية والسيولة”.
وتسمح ميزانية الحكومة لهذا العام باللجوء إلى الاقتراض الخارجي بحوالي 5.7 مليار دولار، أي ضعف مستوى العام الماضي، أما بالنسبة للاقتراض من السوق المحلية فسيكون بواقع 6.7 مليار دولار بزيادة تقدر بنحو 5.6 في المئة عن 2022.
وبحسب التقرير فقد تخطى الدين الخارجي للمغرب نحو 65.41 مليار دولار بنهاية 2021، في حين كانت قيمة الدين الخارجي تناهز 65.71 مليار دولار في 2020، كما جاءت في حدود 54.4 مليار دولار في العام الذي سبق تفشي الوباء.
وصنف البنك الدولي في تقرير “ديون الدول”، الذي أصدره في ديسمبر الماضي، المغرب ضمن البلدان العشر الأوائل المثقلة بالديون في قارة أفريقيا.
ميزانية الحكومة لهذا العام تسمح باللجوء إلى الاقتراض الخارجي بحوالي 5.7 مليار دولار
ولدى صندوق النقد قناعة بأن الاتفاق يُساعد المغرب على “مواجهة التحديات في إعادة بناء حيز الحركة من خلال السياسات، مع التعجيل بتنفيذ جدول أعماله بشأن الإصلاحات الهيكلية في بيئة تتسم بتزايد المخاطر الخارجية”.
وقالت أنطوانيت ساييه نائب المدير العام ورئيسة المجلس التنفيذي للصندوق بالنيابة إن “السياسات الاقتصادية الكلية والأطر المؤسسية القوية للغاية في المغرب سمحت لاقتصاده بالحفاظ على صلابته”.
وأضافت “الاقتصاد المغربي تمكّن من مواجهة الصدمات السلبية المتعددة التي وقعت على مدار السنوات الثلاث الماضية، ومنها الجائحة، وموجتا جفاف، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا”.
وتفيد المعطيات الرسمية لوزارة الاقتصاد والمالية أن عجز الميزانية السابقة تراجع ليبلغ 5.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 5.5 في المئة على أساس سنوي، إذ بلغ 6.8 مليار دولار، بانخفاض 1.1 في المئة عن المحقق في العام 2021.
وأشار الصندوق إلى أن “السلطات المغربية ستظل ملتزمة بإعادة بناء هوامش السياسات والتحرك بصورة شاملة لمواجهة أيّ صدمات جديدة، ومواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الشاملة اللازمة لجعل النمو الاقتصادي أقوى وأشد صلابة وأكثر احتواء”.
ومع ذلك أكد خبراء الصندوق أن “اقتصاد المغرب لا يزال معرضاً لمخاطر تدهور البيئة الاقتصادية والمالية العالمية، وزيادة تقلب أسعار السلع الأولية، وتكرار موجات الجفاف”.
ويواجه المغرب تحديا كبيرا يتمثل في ارتفاع التضخم الذي سجل العام الماضي 6.6 في المئة، فيما قفز في يناير الماضي إلى 8.9 في المئة على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ عام 1991 مدفوعا بزيادة كبيرة في أسعار المواد الغذائية.
كما يعاني البلد من تفاقم في عجز الميزان التجاري الذي اتسع في فبراير الماضي بنحو 17.8 في المئة وسط ارتفاع لأسعار المواد الغذائية والوقود بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وبطء نشاط سلاسل الإمدادات الغذائية.
وبالتزامن مع الدعم السريع الذي قدمه صندوق النقد أعلن البنك الدولي موافقته على منح قرض للمغرب بقيمة 450 مليون دولار، بهدف استفادة الأفراد والمؤسسات من الخدمات المالية والرقمية.
وذكر البنك في بيان أن “مجلس المدراء التنفيذيين للبنك الدولي أجاز تمويلا ثالثا لأغراض سياسات التنمية في المغرب، إضافة إلى التمويلين السابقين”.
وكان التمويل الأول للمغرب خلال يونيو 2020 بقيمة 48 مليون دولار، والثاني خلال يونيو 2021 بقيمة 450 مليون دولار.
المغرب يواجه تحديا كبيرا يتمثل في ارتفاع التضخم الذي سجل العام الماضي 6.6 في المئة، فيما قفز في يناير الماضي إلى 8.9 في المئة على أساس سنوي
وأوضح البنك أن “سلسلة تمويل المشروعات الحكومة المغربية، ساندت في تنفيذ إصلاحات للارتقاء بمستوى الشمول المالي، وريادة الأعمال الرقمية، وإتاحة البنية التحتية والخدمات الرقمية للأفراد والمؤسسات”.
ويساعد الشمول المالي في الحصول على مجموعة متنوعة من الخدمات المالية مثل التحويلات المالية وعمليات الادخار والتأمين والائتمان للفئات السكانية الأكثر احتياجاً.
وقال جيسكو هنتشل المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك “يتسق التمويل مع التوصيات الواردة بالنموذج التنموي الجديد (برنامج حكومي للتنمية)، الذي يشدد على ضرورة إحداث نقلة نوعية لتشجيع النمو الشامل للجميع بقيادة القطاع الخاص”.
ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 3.5 في المئة هذا العام، وبنسبة 3.4 في المئة سنويا في الفترة بين عامي 2024 و2026.
وسيكون النمو هذا العام مدعوما من خلال انتعاش الإنتاج والأداء القوي للقطاعات الرئيسية الموجهة للتصدير في البلاد، بما في ذلك السياحة والفوسفات وصناعة السيارات والطيران.
وتبدو أيضا تقييمات تراجع التضخم متفائلة، والذي من المتوقع أن يتباطأ هذا العام إلى 4.5 في المئة قبل أن يصل إلى 2 في المئة العام المقبل.