المغرب يدخل 2024 بآمال تحسن المؤشرات رغم الجفاف

التعويل على الصادرات والاستثمارات وتحويلات المغتربين لجعل نمو الاقتصاد أكثر استقرارا.
الخميس 2024/01/04
لا غذاء بلا ماء، أليس كذلك؟

ودّع المغاربة عام 2023 المثقل بتداعيات اقتصادية واجتماعية، لكنهم يُمنون النفس بأن يكون العام الجديد أخف ضررا ومناسبا لجني ثمار عدد من المبادرات التي أطلقتها الحكومة لتخفيف الأزمات التي شهدتها البلاد، ما يعطي الاقتصاد جرعة تحفيز أكبر.

الرباط- يقبل المغرب على عام 2024 بتحديات مستمرة، على رأسها استمرار الجفاف وتباطؤ الاقتصاد العالمي، لكن الخبر الجيد هو توقع تراجع التضخم إلى المستويات العادية بما يسمح بتخفيف السياسة النقدية لتحقيق هدف الحكومة بنمو قدره 3.7 في المئة.

واتسم العام الماضي بالتضخم المرتفع والجفاف المتوالي والتشديد النقدي والنمو المتواضع وكارثة الزلزال، كما أنه عام لصادرات قياسية لصناعة السيارات وتوافد سُياح كثر وتحويلات سخية للمغتربين بما عزز الرصيد من العملة الصعبة.

وأصبحت نُدرة الأمطار وما تسببه من إجهاد مائي واقعاً في البلاد، فمواسم الجفاف متواصلة منذ 2019، وهذا يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي الذي يُتوقع أن يتحسن هذا العام ليبلغ 3.2 في المئة من 2.7 في المئة في 2023 وفق البنك المركزي.

رشيد أوراز: استمرار الجفاف يمثل تحديا كبيرا لأن الزراعة نشاط مهم
رشيد أوراز: استمرار الجفاف يمثل تحديا كبيرا لأن الزراعة نشاط مهم

ويعتقد رشيد أوراز الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات أن استمرار الجفاف يمثل تحديا كبيرا في 2024، لأن اقتصاد البلاد ما يزال يعتمد على النشاط الزراعي خاصة سوق العمل وتزويد السوق بمنتجات غذائية بأسعار مقبولة.

ويسهم قطاع الزراعة بنسبة 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويعمل به أكثر من 40 في المئة من السكان.

وفي ضوء ذلك يعتبر أداؤه حاسماً في النمو حيث يتأثر الإنتاج المحلي بموسم الأمطار الضعيفة وغير المنتظمة، مما جعل صادرات الزراعة والصناعة الغذائية مستقرة دون نمو، في حدود 75.9 مليار درهم (7.5 مليار دولار) بنهاية نوفمبر الماضي.

وكان وزير التجهيز والماء نزار بركة قد وصف للصحافيين مؤخرا المرحلة التي تمر بها البلاد بسبب الجفاف بـ”الدقيقة والحرجة”.

وقال إن “الأشهر الأولى من الموسم الفلاحي الجديد (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر) سجلت سقوط أمطار بمعدل 21 ملمترا فقط، بانخفاض 67 في المئة مقارنة بالمعدلات الطبيعية في السنوات السابقة”.

ويؤثر استمرار الجفاف على الزراعة وعلى وتيرة تزويد المواطنين بماء الشرب، وهو ما اعتبره أيضا أحمد أزيرار، رئيس الجمعية المغربية لاقتصاديي المقاولة، التحدي الرئيسي للاقتصاد في العام الجديد، بما يستدعي تنويع مصادر المياه الصالحة للشرب.

ويشكل تباطؤ النمو العالمي تحديا آخر للمغرب، فالطلب الخارجي مؤشرٌ رئيسي على أداء الصادرات، وخاصة باتجاه سوق الاتحاد الأوروبي التي توجه إليه أكثر من 60 في المئة من المنتجات والخدمات، وهذا يعني نسبةً كبيرةً من الشركات ومستوى استثمارها.

ورأى أوراز في مقابلة مع بلومبرغ الشرق أن بطء نمو الاقتصاد العالمي سيؤثر على وتيرة نمو الاقتصاد المغربي عبر أبعاد كثيرة منها تضرر القدرة الشرائية للناس بسبب تراجع الدخل والإنتاجية وانخفاض أداء الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وتوقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي من 3 في المئة عام 2023 ثم إلى 2.9 في المئة في 2024، وفي منطقة اليورو لن يتجاوز النمو 1.2 في المئة بارتفاع طفيف عن توقع 0.7 في المئة للعام الماضي.

وتوقع أزيرار استمرار التوترات الجيوسياسية على الصعيد الدولي خلال العام الجاري، مما سينتج عنه استمرار الضغط على الاقتصاد المغربي من خلال انخفاض الطلب الخارجي وارتفاع أسعار الاقتراض الخارجي مع تذبذب في تحويلات المغتربين.

وتعوّل الحكومة على تحويلات المغتربين، حيث تشكل داعما رئيسيا لرصيد البلاد من العملة الصعبة، حيث ناهزت في نوفمبر الماضي 10.6 مليار دولار بارتفاع 4.4 في المئة على أساس سنوي وهو مستوى قياسي جدا.

أحمد أزيرار: هذا الظرف يستدعي تنويع مصادر المياه الصالحة للشرب
أحمد أزيرار: هذا الظرف يستدعي تنويع مصادر المياه الصالحة للشرب

ومن المرجح أن يستمر الارتفاع خلال العام 2024 ليصل 11.3 مليار دولار، و11.85 مليار دولار عام 2025، بحسب توقعات البنك المركزي المغربي.

وأمام تعدد التحديات، يبرز توقع تراجع أسعار الاستهلاك كواحد من الأخبار الجيدة للمغاربة، فخلال العام 2022 شهدت البلاد موجةً تضخميةً كانت الأقوى منذ تسعينات القرن الماضي بمعدل سنوي 6.6 في المئة مقابل 1.5 في المئة كمتوسط في العقدين الماضيين.

ولم يتم نشر أرقام التضخم لكامل 2023 لكن من المتوقع أن يبلغ 6.1 في المئة، على أن ينخفض إلى 2.4 في المئة للعامين المقبلين، قريبا من المستهدف وهو 2 في المئة.

وعلى غرار نظرائه عبر العالم، قاد المركزي المغربي حملة تشديد نقدية منذ سبتمبر 2022 حتى مارس 2023 برفع الفائدة ثلاث مرات بإجمالي 150 نقطة أساس إلى 3 في المئة حالياً، وهو الأعلى منذ 2014، ليُسهم بذلك في كبح جماح التضخم.

وإلى جانب السياسة النقدية، زادت الحكومة ميزانية دعم المواد الاستهلاكية وأقرت دعما ماليا مباشرا لقطاع نقل المسافرين.

وفي الأسبوع الماضي، شرعت السلطات في صرف مساعدات شهرية للمرة الأولى، تستهدف نحو مليون أسرة معوزة، بموجب برنامج للدعم الاجتماعي، بالموازاة مع خُطة لرفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية.

وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال اجتماع لمجلس الحكومة الأسبوع الماضي إن “الأسر المستفيدة ستحصل على ما لا يقل عن 500 درهم (نحو 50 دولارا) شهريا مهما كانت تركيبتها”، وهي مساعدات ينتظر أن ترتفع إلى نحو 90 دولار بحلول 2026.

ويشمل دعم المواد الاستهلاكية فقط السكر والدقيق وغاز الطهي في المنازل عبر صندوق المقاصة الذي يكلف في المتوسط حوالي 2.96 مليار دولار سنويا.

لكن الحكومة تعتزم رفع هذا الدعم تدريجيا خلال السنوات الثلاث المقبلة لتوفير هوامش مالية لفائدة برنامج الدعم المالي المباشر.

وقال محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري ردّا على سؤال بلومبرغ الشرق الأسبوع الماضي إن “تطور مستوى التضخم في الربع الأول من العام الجديد سيحسم قرار الفائدة في مارس القادم”.

عبداللطيف الجواهري: تطور مستوى التضخم سيحسم قرار الفائدة في مارس القادم
عبداللطيف الجواهري: تطور مستوى التضخم سيحسم قرار الفائدة في مارس القادم

وفي هذا الاتجاه توقع مُحللو مركز الأبحاث، التابع للتجاري وفا بنك، أكبر مجموعة بنكية في البلاد، بدء سياسة التيسير النقدي العام المقبل بخفض الفائدة لدعم الاستثمار والنمو.

ووسط الأزمات المتتالية، صمدت صادرات السيارات خلال العامين الماضيين بشكل لافت، كما يتوقع أن تبلغ مستويات قياسية في السنوات المقبلة بعدما تجاوزت مبيعات الفوسفات ومشتقاته التي كانت أكبر منتج تصدره البلاد.

ويطمح المغرب إلى مضاعفة قدرته الإنتاجية السنوية إلى مليوني سيارة بحلول عام 2030، من 700 ألف حاليا، بفضل مصنعي ستيلاتنيس ورينو حيث يتم إنتاج سيارات حرارية وكهربائية يُصدّر أغلبها نحو السوق الأوروبية.

وأضيف إليهما في العام الماضي إطلاق أول علامة محلية الصنع باسم نيو، مما يزيد من زخم نشاط القطاع.

ويستبعد أزيرار تأثير التطورات الاقتصادية على المستوى الدولي على تدفقات الاستثمارات خاصة في القطاعات الرائدة مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر.

بيد أنه شدد على ضرورة تقوية الاستثمار المحلي من خلال ميثاق الاستثمار الجديد الذي يقدم تحفيزات لرفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث حاليا إلى الثلثين بحلول عام 2035.

وتمثل السياحة قطاعا آخر يساهم في صمود الاقتصاد المغربي، فقد استقبلت البلاد 13.2 مليون سائح في 11 شهرا بشكل فاق عام ما قبل كورونا، وهو ما حقق إيرادات 9.6 مليار دولار، بارتفاع 15.8 في المئة على أساس سنوي.

والهدف المقبل الذي وضعته الحكومة هو استقبال حوالي 17.5 مليون سائح عام 2026، ونحو 26 مليونا بنهاية العقد الحالي.

ومع فوز البلاد باستضافة كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وتنظيم كأس أفريقيا للأمم عام 2025 يتوقع أن يدعم الحدثان انتعاش قطاعات كثيرة على رأسها العقارات والسياحة والبنوك والنقل، إضافة إلى البنية التحتية من طرق وملاعب وفنادق.

11