المعلم الأكبر مثل الأخ الأكبر: تطبيقات تراقب كل حركات الطلاب وسكناتهم

أصبحت مراقبة الطلاب عبر الإنترنت في الولايات المتحدة مجرد جزء من البيئة المدرسية، فحتى مع تجاوز المدارس للوباء، لن تعود المنظومة التعليمية إلى الوراء مرة أخرى، وفق أساتذة الدراسات الاجتماعية، وهو ما أدى إلى ظهور العديد من تطبيقات المراقبة التي تتمثل إحدى أولوياتها في الحفاظ على مشاركة الطلاب في عملهم المدرسي، وتوجيههم واكتشاف مشاكل الصحة العقلية لديهم ومراقبة تزايد العنف المدرسي.
واشنطن - كان الوباء بالنسبة للمدرس النيويوركي مايكل فلاناغان دورة مكثفة في التكنولوجيا الجديدة، حيث أعطى دفعا لاستخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة لضمان بقاء الطلاب في المنزل وتحويل الحياة المدرسية إلى الإنترنت.
ثم عاد الطلاب إلى المدرسة منذ فترة طويلة، لكن التكنولوجيا استمرت. وقد ظهر معها جيل جديد من التطبيقات التي تراقب التلاميذ عبر الإنترنت، وأحيانا على مدار الساعة وحتى في أيام العطل التي يقضونها مع العائلة والأصدقاء في المنزل، حيث تفحص البرامج نشاط الطلاب عبر الإنترنت ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمزيد بهدف الحفاظ على تركيزهم، واكتشاف مشاكل الصحة العقلية والكشف عن أي احتمال للعنف.
وقال فلاناغان، وهو أستاذ في الدراسات الاجتماعية والاقتصاد “لا يمكنك العودة إلى الوراء. لقد أصبح لكل شخص جهاز”.
"غو غارديان" مخصص للمعلمين فقط ليروا ما يظهر على شاشة الطالب لمراقبته والحد من وصوله إلى المحتوى غير المناسب
وأثار اتجاه التتبع الجديد مخاوف من أن بعض التطبيقات قد تستهدف التلاميذ من الأقليات، وكشفت بعض التطبيقات عن المنتمين منهم إلى مجتمع الميم دون رضاهم. وهي اليوم تُعتمد لغرس الانضباط أكثر من تقديم الرعاية. لذلك، فقد اختار فلاناغان أن يكون مختلفا عن العديد من زملائه وألا يستخدم مثل هذه التطبيقات لمراقبة طلابه عبر الإنترنت.
وتذكر أنه شاهد عرضا توضيحيالأحد هذه البرامج، غو غارديان، حيث أظهر المدرّس ما كان يفعله أحد الطلاب على جهاز الكمبيوتر الخاص به في الوقت الفعلي. وكان الطفل حينها في المنزل، في يوم عطلة. وأثار هذا شكوك فلاناغان في التكنولوجيا.
وقال إن لديه جهاز صادر عن المدرسة، وإنه يعلم “أنه لا يوجد توقع للخصوصية. لكنني رجل بالغ وواع، بينما لا يعرف هؤلاء الأطفال ما يجري”.
وقال متحدث باسم إدارة التعليم في مدينة نيويورك إن استخدام غو غارديان “مخصص للمعلمين فقط ليروا ما يظهر على شاشة الطالب في الوقت الفعلي لتوجيهه والحد من وصوله إلى المحتوى غير المناسب”.
وتبلغ قيمة غو غارديان أكثر من مليار دولار، وهو من عدد قليل من التطبيقات رفيعة المستوى في السوق. ويراقب الآن أكثر من 22 مليون طالب، بما في ذلك في مدينة نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلس. ومن المتوقع أن ينمو قطاع تكنولوجيا التعليم على الصعيد العالمي بمقدار 133 مليار دولار من 2021 إلى 2026، حسبما قال باحث السوق تكنافيو العام الماضي.
وقالت إدارة غو غارديان في بيان إن الآباء يتوقعون أن تحافظ المدارس على سلامة الأطفال في الفصول الدراسية أو في الرحلات الميدانية، كما أن المدارس “تتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامة الطلاب في الفضاءات الرقمية وعلى الأجهزة التي تصدرها المدرسة”. وحددت الشركة أنها “توفر للمعلمين القدرة على حماية الطلاب من المحتوى الضار”.
وتعد المراقبة عبر الإنترنت في الوقت الحاضر “مجرد جزء من البيئة المدرسية”، كما قالت جايمي غوروش، وهي مستشارة السياسة في مجموعة مراقبة تدعى “منتدى مستقبل الخصوصية”. وقالت إنه حتى مع تجاوز المدارس للوباء “لا يبدو أننا نعود إلى الوراء مرة أخرى”.
وتتمثل إحدى أولويات المراقبة الرئيسية في الحفاظ على مشاركة الطلاب في عملهم المدرسي، ولكنها تستغل أيضا المخاوف المتزايدة من العنف المدرسي وصحة الأطفال العقلية التي وصفتها المجموعات الطبية في 2021 بأنها حالة طوارئ وطنية.
ووفقا للبيانات الفيدرالية الصادرة هذا الشهر، تعمل 82 في المئة من المدارس الآن على تدريب الموظفين على كيفية اكتشاف مشاكل الصحة العقلية، وهذا ما يشكل ارتفاعا من 60 في المئة في 2018. ولدى 65 في المئة أنظمة سرية للإبلاغ عن التهديدات، أي بزيادة قدرها 15 في المئة عن نفس الفترة.
وفي استطلاع أجراه مركز الديمقراطية والتكنولوجيا غير الربحي العام الماضي، أفاد 89 في المئة من المدرّسين أن مدارسهم كانت تراقب نشاط الطلاب عبر الإنترنت. لكن ليس من الواضح ما إذا كان البرنامج ينشئ مدارس أكثر أمانا. واستشهدت غوروش بإطلاق النار الجماعي في أوفالدي بولاية تكساس خلال شهر ماي، بما خلّف 21 قتيلا في مدرسة استثمرت بكثافة في تكنولوجيا المراقبة.
ويشعر البعض بالقلق من أن تطبيقات التتبع قد تسبب ضررا فعليا.فعلى سبيل المثال، وجد تقرير مركز الديمقراطية والتكنولوجيا أنه بينما يقول المسؤولون بأغلبية ساحقة إن الغرض من مراقبة البرامج هو سلامة الطلاب، قالت مديرة برنامج الإنصاف في التكنولوجيا المدنية بالمركز إليزابيث ليرد إن “استخدامه سيكون بشكل أكثر شيوعا لأغراض تأديبية. كما أننا نشهد تمييزا على أسس عرقية”.
كما أضافت أن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي للبحث عن الكلمات الرئيسية قد كشف عددا من الطلاب المنتمين إلى مجتمع الميم دون موافقتهم، مشيرة إلى أن 29 في المئة من الطلاب الذين يعرفون أنهم من المجتمع قالوا إن ذلك حدث لهم هم أو لشخص يعرفونه.
وقال أكثر من ثلث المعلمين إن مدارسهم ترسل تنبيهات تلقائيا إلى سلطات إنفاذ القانون خارج ساعات الدوام المدرسي. وذكرت إليزابيث أن “الغرض المعلن هو الحفاظ على سلامة الطلاب، وقد أعددنا هنا نظاما لتنظيم وصول سلطات تطبيق القانون إلى هذه المعلومات بشكل روتيني”.
ووجد تقرير صادر عن المشرعين الفيدراليين العام الماضي في أربع شركات تصنع برمجيات مراقبة الطلاب أنها لم تبذل جهودا لمعرفة ما إذا كانت البرامج تستهدف الطلاب المنتمين إلى الأقليات بشكل غير متناسب.
وقال السناتور إد ماركي من ماساتشوستس، وهو أحد المشاركين في إعداد التقرير، لمؤسسة تومسون رويترز في بيان إنه “لا ينبغي مراقبة الطلاب على نفس المنصات التي يستخدمونها في تعليمهم.
ونظرا لأن المدارس تعمل على دمج التكنولوجيا في الفصول الدراسية، يجب أن نضمن عدم تعرض الأطفال والمراهقين للهجوم من خلال شبكة من الإعلانات المستهدفة أو المراقبة المتطفلة من أي نوع”.
والتزمت وزارة التعليم بإصدار إرشادات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر من هذا العام. وقال متحدث باسم الوكالة إنها “ملتزمة بحماية الحقوق المدنية لجميع الطلاب”. وبعيدا عن الأسئلة الأخلاقية حول التجسس على الأطفال، يشعر العديد من الآباء بالإحباط بسبب الافتقار إلى الشفافية.
82
في المئة من المدارس الآن على تدريب الموظفين على كيفية اكتشاف مشاكل الصحة العقلية
وقالت كاسي كريسويل رئيسة مجموعة إلينوي فاميليز للمدارس العامة، وهي مجموعة مناصرة “نحتاج إلى المزيد من الوضوح بشأن ما إذا كانت تُجمع البيانات، وخاصة منها الحساسة. يجب أن نحصل على إشعار على الأقل، وربما فرصة لنوافق”.
وتابعت كريسويل، ولها ابنة في مدرسة عامة في شيكاغو، أن العديد من الآباء تلقوا تنبيهات بشأن عمليات البحث التي قام بها أطفالهم عبر الإنترنت، على الرغم من عدم سؤالهم أو إخبارهم عن المراقبة في المقام الأول. وقالت إن طفلة أخرى تلقت تحذيرات متكررة بعدم لعب لعبة معينة على الرغم من أنها كانت تلعبها في المنزل على كمبيوتر العائلة.
وتعترف كريسويل وآخرون بأن المراقبة تهدف إلى معالجة “التنمر والاكتئاب والعنف”، لكنهم يتساءلون عما إذا كانت التكنولوجيا هي الحل. وقالت غوروش “إذا كنا نتحدث عن مراقبة إيذاء النفس، فهل هذه هي أفضل طريقة للتعامل مع المشكلة؟”.
وفي إشارة إلى الأدلة التي توضح أن الذكاء الاصطناعي غير كامل في تحديد علامات التحذير، قالت إن زيادة التمويل لمستشاري المدارس يمكن أن تكون أكثر فعالية لمواجهة هذه المشكلة. وأكّدت أن “هناك مخاوف كبيرة، لكن ربما لم تكن التكنولوجيا هي الخطوة الأولى لمواجهة بعض هذه القضايا”.