المصوغات والمنسوجات الدمشقية التراثية مهددة بالاندثار

دمشق - قبل الحرب كانت صناعة الحرف اليدوية مزدهرة في دمشق. فالأثاث المصنع يدويا والمرصع بالصدف ومنتجات الزجاج المصنوع يدويا منتشرة انتشارا واسعا وكذلك المنسوجات السورية مثل الديباج الدمشقي أو ما يعرف الآن باسم البروكار الدمشقي، غير أن الكثير من الحرف اليدوية أصبحت حاليا على شفا الاندثار نتيجة انقطاع الحرفيين عن ممارسة نشاطهم بسبب الصراع الذي أدى إلى إغلاق ورشهم أو تدميرها وإلى هجرة عدد هام منهم.
ويقول فادي فرح رئيس مجلس إدارة الشركة السورية للحرف التي تسعى إلى الحفاظ على صناعة الحرف اليدوية في دمشق، إنها توفر أماكن عمل آمنة للنساء النازحات وتساعد الحرفيين المحليين في بيع إنتاجهم. وأضاف “إننا ندرك بشكل واضح الصعوبات الكثيرة التي تواجهنا وأهمها توفير المواد الأولية وصعوبة النقل والتنقل وغيرها من الصعوبات المفروضة علينا مثل الحظر على مستوى التداول. وهو ما يؤكد أن هناك محاولات للمس بتراثنا وتاريخنا وهويّتنا السورية التي أصبحت مهددة بسبب مثل هذه الإجراءات والنزاعات المسلحة”.
وتوظف الشركة نساء نازحات يصنعن منتجات يدوية ومن بينهن مها الزنون التي تعمل في الصوف اليدوي والتي تقول “نحن هجرنا من بيوتنا وأرضنا وابتعدنا عن أهلنا وجيراننا وهو ما جعلني أشعر بالفراغ ولأنني مولعة بالأشغال اليدوية قررت أن أملأ هذا الفراغ بالعمل في الحرف لأنها تعوضني عما افتقدته من طمأنينة وأجواء عائلية”.
وتوظف الشركة نحو 700 شخص بين عمال ومتدربين وبائعين وتساعد الحرفيين على التدرب على مهارات أخرى إضافة إلى بيع وتصدير منتجاتهم. ومن بين الحرفيين المشاركين في المشروع الخياط على النول منير المسدي الذي قال “لولا مساعدة الشركة لبقيت شبه عاطل عن العمل لأنني كنت أنتج قطعا حرفية تقليدية لكنني أجد صعوبة في ترويجها وتسويقها رغم ما تتوفر عليه من ميزات من حيث الجودة وطول فترة الصلاحية”.
وعموما تعاني الحرف التقليدية السورية العديد من المخاطر والمصاعب التي تهدد استمرارها وتوريث تقنياتها وفنون صنعتها للأجيال الصاعدة من الشباب والصغار بسبب الأزمة السورية التي لم تترك أي شكل من أشكال الحياة للثقافة والفن والتراث وهو ما أدى إلى صعوبة صنع وترويج المنتوج الحرفي التقليدي وهو ما يجعلها مورد رزق لا يستقطب الشباب لأنه مهدد وغير آمن حتى بالنسبة لمن يريدون أن يختصوا فيه.
الأزمة السورية لم تترك أي شكل من أشكال الحياة للثقافة والتراث ما فاقم من الصعوبات التي تواجهها الحرف القديمة
لأجل ذلك فإن الشركة السورية للحرف التي تعمل على صون التراث السوري المتمثل بالحرف اليدوية من الاندثار ليست سوى خطوة في طريق طويل للحفاظ على العمل الحرفي التقليدي من خلال وضعه في إطار مؤسساتي يضمن الاستمرارية والتطور المستدام للحرف التي كانت منتجاتها على مدى عقود مروجة للثقافة والفن والهويّة السورية في الدول المجاورة وفي جميع أرجاء العالم.
ورغم الجهود التي تبذلها هذه الشركة من خلال دعم وتوثيق وإحياء المهن والمنتجات التراثية السورية وتطويرها لتقديمها بأسلوب عصري، إلا أن عملها ليس كافيا لإنقاذ هذه الحرف المتوارثة عبر الأجيال والتي تمثل بأشكالها ورسومها وطرق تصنيعها وموادها الطابع الفني السوري بكل تفاصيله وفي أرقى درجات الاعتناء والإتقان التي يحرص عليها الحرفيون الذين يدركون قيمتها الفنية والثقافية ودورها في ترسيخ الهويّة السورية.
إن التراث السوري الذي بات مستهدفا مثل جميع مكونات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في سوريا، يتعرض اليوم لمحاولات لمحوه من الذاكرة الجماعية ومن الحياة اليومية للسوريين في إطار السعي لطمس معالم هويّتهم وتاريخهم وحضارتهم التي مثلت ركيزة من ركائز الثقافة العربية الإسلامية يجب أن يصان من قبل المواطن السوري أولا ويظل متواجدا في جميع البيوت السورية رغم التطور التقني الذي يشهده العالم اليوم. كما يجب أن يحرص الحرفيون والحرفيات وهواة هذه الأشغال التقليدية على تعليم الجيل الصاعد فنون وصناعة هذه الحرف وأن يغرس فيهم التعلق بها حتى لا تندثر من حياتهم.
ويعد التوثيق بكل أشكاله وحفظ هذه الحرف اليدوية سواء في ورش صناعتها أو المنازل أو في المحلات الخاصة بها في الأسواق التراثية أو في المتاحف من أهم وسائل تمريرها من جيل لآخر مثلما تمرر كل جزئيات الهويّة والحضارة السورية.