المصطافون على الشواطئ البريطانية ينعمون بالسباحة وسط القاذورات

كميات مياه الصرف الصحي المنتجة في بريطانيا تزايدت خلال الفترة بين 2016 إلى 2021 بمقدار ثلاثين مرة، لتصل إلى مليارات من الليترات.
الخميس 2022/09/15
سباحة في مياه الصرف الصحي

لندن - مع قرب انتهاء موسم العطلات الصيفية في بريطانيا، لا يسع كثيرا من المصطافين إلا أن يشعروا بأنهم أمضوا عطلاتهم وسط بحر من القاذورات بالمعنى الحرفي للكلمة.

وقالت سيان يانج وهي واحدة من السكان المحليين بمنتجع ليتلهامبتون الساحلي المطل على القنال الإنجليزي بجنوب شرقي إنجلترا لصحيفة “إينيوز” اليومية الإخبارية، إنها بينما كانت تسبح في البحر مع ابنتها، رأت قطعا من الفضلات البشرية تطفو مارة بجوارهما.

وشهد كثير من محبي السباحة في الجزر البريطانية تجارب مماثلة خلال فصل الصيف الحالي، وتم إغلاق العديد من الشواطئ الممتدة بين مقاطعتي كورنوال وإسكس على الساحل الجنوبي لإنجلترا وعلى طول القنال الإنجليزي، بسبب التلوث الناتج عن عدم معالجة مياه الصرف الصحي، التي تتدفق إلى داخل البحر في عديد من الأماكن، وأيضا إلى البحيرات والأنهار، كما تأثرت بالتلوث المنتجعات الشاطئية المطلة على بحر الشمال والبحر الأيرلندي.

ومن هنا فقد أطلق البعض على بريطانيا تندّرا لقب “رجل أوروبا القذر”، اقتباسا من لقب “رجل أوروبا المريض”، الذي كان يطلق على الدولة العثمانية التي تراجعت قوتها.

البعض يطلق على بريطانيا لقب "رجل أوروبا القذر"، اقتباسا من لقب "رجل أوروبا المريض" الذي كان يطلق على تركيا

وتزايدت خلال الفترة بين 2016 إلى 2021، كميات مياه الصرف الصحي المنتجة في بريطانيا بمقدار ثلاثين مرة، لتصل إلى مليارات من الليترات، وفقا لبيانات وكالة البيئة، وبعد الخروج من الاتحاد الأوروبي يبدو أن بريطانيا على أهبة أن تصبح “رجل أوروبا القذر” مرة أخرى، وهي سمعة كانت مرتبطة بها قبل أن تنضم إلى التكتل الأوروبي.

وحقيقة إن السبب في دخول كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي في بحار وبحيرات وأنهار بريطانيا يرجع إلى نظام الصرف البريطاني، حيث يتم دفع مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة داخل نفس الأنابيب، وأثناء هطول الأمطار الغزيرة، أحيانا تكون قدرة الأنابيب على الاستيعاب غير كافية، خاصة عندما لا تستطيع التربة التي جفت بسبب موجة الحر الأخيرة أن تمتص المياه المتدفقة بالسرعة الكافية.

وهذا يؤدي إلى فيضان مياه الصرف الصحي في محطات المعالجة، ويؤدي بالتالي إلى إغراق المياه والشوارع بالمياه الملوثة، ولتجنب حدوث ذلك قد يتم صرف المياه الزائدة من آن لآخر مباشرة إلى البحار والأنهار، حيث اختارت هذا الأسلوب العديد من محطات معالجة مياه الصرف الصحي.

غير أن ثمة مشكلة تتمثل في أن العديد من الأنظمة التي يفترض أنها تراقب تصريف مياه الصرف الصحي معطلة حاليا أو أنها ليست مجهزة جيدا، وتم العام الماضي تصريف نحو ربع كمية مياه الصرف الصحي بدون مراقبة، وفقا لتحليل أجراه الحزب الديمقراطي الحر المعارض. وقال تيم فارون المتحدث باسم شؤون البيئة بالحزب بغضب، إن الوضع يمثل “فضيحة وطنية، وهذه الشخصيات الجديدة بالحكومة أصبحت كريهة الرائحة بسبب تسترها على هذه الفضيحة”.

وكانت النتيجة ظهور مخاطر صحية، مع إصابة الحكومة بالشلل وعدم قدرتها على الحل.

العديد من الشواطئ الممتدة بين مقاطعتي كورنوال وإسكس على الساحل الجنوبي لإنجلترا وعلى طول القنال الإنجليزي أغلقت بسبب التلوث الناتج عن عدم معالجة مياه الصرف الصحي

وهذه العاصفة من القاذورات التي هبت على سواحل بريطانيا يمكن أيضا أن تكون لها تداعيات صحية، لدرجة أن الحكومة حذرت من أن السباحة في المياه المفتوحة يمكن أن “تزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي، أو الاضطرابات المعوية التي يمكن أن تسبب الإسهال والقيء، إلى جانب إصابة الجهاز التنفسي والجلد والعينين بالعدوى والالتهابات”.

ويشير تقرير نشرته صحيفة “ديلي ميل” إلى أنه يجري أيضا تصريف مياه الصرف الصحي في مناطق يسكنها المحار، ويقول إنه تم إيقاف صيد المحار في بلدة هويستابل الكائنة في جنوب شرقي إنجلترا بسبب التلوث، وذلك “وسط تقارير تفيد بظهور أعراض الإصابة بنوروفايروس الذي يسبب الاضطرابات المعوية، لدى الذين تناولوا المحار”.

وبالنسبة إلى أولئك الذين يتجهون بأنظارهم إلى مقر الحكومة البريطانية طلبا للحل سيصيبهم الإحباط، حيث بدت الحكومة بزعامة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون عازفة عن اتخاذ قرارات جوهرية، قبيل رحيله في السادس من سبتمبر الجاري.

ولكن يرى كثير من المواطنين أنه يجب إلقاء اللوم على كاهل حزب المحافظين، لتسببه في المشكلة حيث أن المجموعة البرلمانية للحزب، رفضت تعديل قانون البيئة للبلاد عام 2021، وهو التعديل الذي كان من شأنه أن يلزم بشكل قانوني شركات المياه بوقف ضخ مياه الصرف الصحي في الأنهار.

أما رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس فنجد أنها لا تتمتع بأفضل سمعة في ما يتعلق بمكافحة مشكلة مياه الصرف الصحي بالبلاد، حيث سبق لها أن استقطعت الملايين من الجنيهات من الاعتمادات المالية التي كانت مخصصة لتحسين إدارة المياه، وذلك عندما كانت تشغل منصب وزيرة البيئة، وفقا لما ذكرته صحيفة الغارديان.

العديد من الأنظمة التي يفترض أنها تراقب تصريف مياه الصرف الصحي معطلة حاليا أو أنها ليست مجهزة جيدا

بينما تقول الحكومة وشركات الصرف الصحي، إنه تم ضمان وجود إجراءات كافية للسلامة، ويشير تقرير لوكالة البيئة وهيئة تنظيم خدمات المياه البريطانية (أوفوات) إلى أن عملية فصل أنابيب مياه الصرف الصحي عن أنابيب تصريف مياه الأمطار ستكلف ما بين 350 مليار جنيه إسترليني (414 مليار دولار) إلى 600 مليار، كما أنه من شأن هذه العملية أن تزيد فواتير استخدام هذه المرافق، بما يصل إلى 1000 جنيه إسترليني سنويا لكل أسرة.

غير أن المنتقدين يقولون إن هناك سببا آخر لتلوث الشواطئ البريطانية وهو بريكسيت.

ويوضحون أنه قبيل الاستفتاء الذي تم تنظيمه عام 2016 بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حذرت المنظمات المدافعة عن سلامة البيئة من أن الحكومة قد تستخدم بريكسيت كوسيلة لتخفيف اللوائح المنظمة لحماية البيئة.

18