المصريون يحتاجون إلى حوار وطني في الرياضة قبل السياسة

نجاح المنظومة الرياضية يحوي نجاحا لمجالات أخرى.
الأحد 2022/06/12
الخسارة أمام إثيوبيا تحيي الدعوات لحوار حول المنظومة الرياضية

مثلت هزيمة منتخب مصر أمام إثيوبيا بمثابة الصدمة للمصريين الذين باتوا جميعا مهتمين بإجراء حوار يخرج الكرة المصرية من أزمتها. وتجد السلطة في هذه الدعوة فرصة لإدخال الرياضة سياق الحوار الوطني الذي اقترحته في المجال السياسي ليكون حوارا أشمل. لكن هل سيقود هذا التضمين إلى حل حقيقي لأزمة الرياضة المصرية؟

شُغلت شريحة كبيرة من المصريين بهزيمة منتخبهم لكرة القدم على يد المنتخب الإثيوبي بهدفين مقابل لا شيء الخميس الماضي، وطالبوا بإعادة النظر في المنظومة الرياضية “الفاشلة” التي أدت إلى هزيمة قاسية من خصم أقل خبرة في اللعبة، وزاد البعض بتوسيع نطاق المحاسبة لتشمل إقالة وزير الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم والمدير الفني للفراعنة، وضرورة إجراء حوار وطني حول الطريقة المثلى لإصلاح الخلل في الرياضة وكرة القدم بشكل خاص.

ما لفت الانتباه في هذا الخضم هو حماس المصريين العاطفي للحوار الوطني الشامل الذي ينطلق أوائل يوليو المقبل وضم مجال الرياضة إليه، والذي بات يشغلهم أكثر من هموم السياسة والاقتصاد وغيرهما، فلم يبد قطاع كبير منهم الاهتمام بعملية الحوار الشامل من قبل، واختزلوه الآن في الرياضة المتداخلة مع السياسة.

جاء رد الفعل العنيف حيال الهزيمة الكروية لأنها حدثت بأقدام لاعبي إثيوبيا التي تعيش مصر معها أزمة محتدمة، بسبب قيامها بتشييد مشروع سد النهضة المائي بلا توافق، بما يحمل تهديدا كبيرا لمياه النيل وحصة المصريين التاريخية.

ربما لو جاءت الهزيمة بأقدام لاعبي دولة أخرى لكانت أخف وطأة وما تنامى الضجر من المنظومة الرياضية التي تعاني من مشاكل منذ فترة طويلة، جعلتها تفقد فرصتها في الحصول على كأس الأمم الأفريقية بعد وصولها إلى المباراة النهائية وفقدان فرصة الوصول إلى نهائيات كأس العالم في قطر، أمام السنغال في المرتين مؤخرا.

أشاع الضيق من الهزيمة ارتياحا لدى الحكومة المصرية، فقد أصبحت كرة القدم مصدرا للتوظيف في حالتي الفوز أو الهزيمة، لأنها تقود إلى توجيه اهتمام فئة عريضة من المواطنين بعيدا عن السياسة والاقتصاد وما يسببانه من إزعاج يزداد وقت الأزمات، فالأوضاع السياسية بحاجة إلى إصلاحات كبيرة لا تميل الدولة إلى الدخول فيها، وتتطلب الحالة الاقتصادية حلولا عاجلة تفتقر لها في الوقت الراهن.

◙ رد فعل عنيف حيال الهزيمة الكروية لأنها حدثت بأقدام لاعبي إثيوبيا التي تعيش مصر معها أزمة، بسبب تشييدها سد النهضة بلا توافق
رد فعل عنيف حيال الهزيمة الكروية لأنها حدثت بأقدام لاعبي إثيوبيا التي تعيش مصر معها أزمة، بسبب تشييدها سد النهضة بلا توافق

ما تدركه الحكومة أن الانغماس في الرياضة لا يقتصر على المعنيين بها مباشرة، فهو انعكاس لافتقاد الناس مرونة المشاركة في مجالات حيوية أخرى، فالفضاء العام ضاق بشكل لا يسمح للمصريين بتفريغ شحنات الغضب في أي مجال سوى الرياضة وشجونها وانفعالاتها.

وتحظى الرياضة باهتمام كبير من قبل الحكومة، تجسدت معالمه في كثرة وسائل الإعلام التي تناقش قضايا كرة القدم، وتوفير درجة عالية من الدعم لها كنوع من التعويض عن غياب مناقشة قضايا سياسية واقتصادية بصورة أكثر حرية.

تعرف الحكومة والمصريون قواعد اللعبة العامة جيدا، وكل طرف يحاول التعامل معها بطريقته، ويقوم بما يريد من إسقاطات متنوعة، ويعمل على الاستفادة مما يجري بصورة تتناسب مع قناعاته التي لا تخلو من أغراض سياسية لدى كل طرف.

يريد الغاضبون من هزيمة منتخب الفراعنة من إثيوبيا إجراء حوار وطني رياضي لمحاسبة المنظومة الرياضية، التي يرون أن أحد أسباب انهيارها تصاعد تدخلات الأجهزة غير الرياضية فيها، ما أفضى إلى إدارتها بشكل تغلب عليه المجاملات وهدر الكفاءات والحسابات الضيقة، وهو أمر بعيد عن الاحتراف، حتى أصبحت الهزيمة في كرة القدم من إثيوبيا تحمل معاني سياسية للدولة، التي تخوض معركة وعرة ومتعددة الأوجه مع حكومة أديس أبابا لم تستطع الفوز فيها مرة واحدة.

ارتاحت الحكومة لصب الغضب على الرياضة وطربت ليشمل الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي جميع المجالات كي لا ينصب الحديث على المطالبة بإصلاحات سياسية ومناقشة آليات التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ما يتسق مع التصريحات التي صدرت من جهات حكومية أو أحزاب وشخصيات قريبة منها.

تتصور الحكومة أن مشاكل مصر عميقة وممتدة وتحتاج إلى حوار وطني شامل، وتعتقد قوى في المعارضة أن تعديل البعد السياسي كفيل بإصلاح الأبعاد الأخرى، والمطالبة بإدراج الرياضة من جانب جمهور كبير في الحوار الوطني تعتقد الحكومة أنها تحقق هدفها في عدم حصره في ملفي السياسة والاقتصاد.

تتغافل الحكومة عن مسؤوليتها في إدارة الرياضة بكل ما تنطوي عليه من مكاسب وخسائر، ولا يجب أن تنسب لنفسها الفوز وتتنصل من الهزيمة، وأن عملية إصلاح الهياكل الرياضية تبدأ من ملعبها وعليها أن تمنح فروعها المختلفة حرية الفرز، وفي مقدمتها كرة القدم، لتقدم من نفسها النخب المسؤولة عن إدارتها والمدربين الذين يملكون مفاتيح اللعبة، بصرف النظر عن مواقفهم السياسية ومدى التحكم في توجهاتهم الرياضية.

تؤكد إشارة البعض من الجمهور إلى أهمية التغيير في الرياضة وإدخاله سياق الحوار الوطني، أن هناك وعيا لدى فئة كبيرة بعدم الثقة في الطريقة التي تدار بها حاليا، والتي يعرف غالبية المصريين أنها ليست بعيدة عن سيطرة الحكومة على تفاصيلها والتدخل في كل كبيرة وصغيرة فيها.

يحمل إدخال الرياضة في الحوار الوطني مضمونا سياسيا، على العكس مما تصوره الحكومة أنه يساعدها على توسيع هامش المناقشة وتفريق دم الحوار بين مجالات مختلفة، وتثبيت رؤيتها حول أهمية التطرق إلى كافة المجالات الحيوية في الدولة، لإجراء حوار بناء يرضي جميع الأطراف.

الرياضة تحظى باهتمام كبير من قبل الحكومة، تجسدت معالمه في كثرة وسائل الإعلام التي تناقش قضايا كرة القدم

يعد الصواب والخطأ في الرؤى الدائرة بشأن الحوار عملية نسبية، لأن كل جهة تجتهد بما تراه يمثل ضرورة قصوى لها، والمشكلة تكمن في المرامي الخفية، فعندما يطالب مصريون بحوار وطني رياضي فهم يريدون معالجة الأزمة من جذورها وإيجاد حل خلّاق حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى.

وعندما تراهن الحكومة على توسيع الحوار تسعى للبحث عن رؤية توافقية في كل المجالات، لكن هذه الطريقة لا تضمن التوصل إلى حلول منتجة، ويمكن أن تدخل المناقشات حلقات مفرغة لا تخرج منها بالأهداف المرجوة، فلا يوجد حوار وطني يتناول كل القضايا المركزية والفرعية، وإذا وجد يحتاج إلى وقت طويل، وهو ما جعل الشكوك تتزايد في نوايا الحكومة وتبدو كأنها تريد حوارا ممتدا.

تشير الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل وترحيب الحكومة به في الشق الرياضي وارتفاع أصوات أعضاء في البرلمان من القريبين منها لمحاسبة المسؤولين، إلى اعتراف ضمني بالخطأ وأن المرحلة الماضية التي خلت من الحوارات تقريبا لم تكن فيها الحكومة على صواب تماما، وتحاول الآن العمل على التصحيح.

يخشى البعض من المتابعين أن يتحول الحوار في أي من القضايا المطروحة إلى “مكلمة”، بمعنى منتدى للكلام من دون اهتمام بما يمكن الحصول عليه من نتائج تضبط الخلل، الذي أدى إلى الدعوة إليه والشروع في مشاركة قوى من تيارات متباينة.

في هذه الحالة لن ينصلح حال المجال الرياضي وكرة القدم تحديدا، ويمكن أن يتلقى منتخب الفراعنة على ملعبه هزيمة ثانية من إثيوبيا في المواجهة الثانية المقبلة في تصفيات كأس أمم أفريقيا، ويومها ستعاد النغمة نفسها الخاصة بالحاجة إلى حوار حول المنظومة الرياضية، وعلى الحكومة أن تعي أن الإصلاح لا يتقدم في مجال على آخر، وهو كل لا يتجزأ، ومسؤوليته تقع على عاتقها في الرياضة أو غيرها.

الانغماس في الرياضة لا يقتصر على المعنيين بها مباشرة، فهو انعكاس لافتقاد الناس مرونة المشاركة في مجالات حيوية أخرى

 

4