المصريون القدامى برعوا في صنع المرايا

المصريون استخدموا في صناعة المرايا سبائك ثلاثية تمتاز بخصائص فيزيائية مثالية هي النحاس الزرنيخي مع القصدير.
الخميس 2024/09/19
تقنية معقدة

لندن - كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة “العلوم الأثرية: تقارير” عن تفاصيل مثيرة حول التقنيات المعدنية التي استخدمها الحرفيون المصريون القدماء في صناعة المرايا.

وأجرت إليزابيث توماس من جامعة ليفربول تحليلًا معدنيًا لتسع عشرة مرآة مصرية من مجموعات متاحف مختلفة في المملكة المتحدة، تغطي فترة زمنية واسعة من الدولة القديمة إلى العصر المتأخر.

وأظهرت النتائج أن المصريين القدماء استخدموا ثلاثة أنواع رئيسية من السبائك في صناعة المرايا: النحاس الزرنيخي، سبائك النحاس والقصدير، وسبائك ثلاثية من النحاس الزرنيخي مع القصدير.

وكان هناك اتساق ملحوظ في تكوين هذه السبائك، حيث تم تحليل حوالي 5 في المئة من الزرنيخ أو القصدير في معظم المرايا، مما يشير إلى درجة عالية من التحكم والتوحيد في عملية التصنيع. فهذا الاتساق في التركيب لا يوضح فقط المهارة الفنية لعلماء المعادن المصريين القدماء، بل يثير أيضًا تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الاختيار المحدد للسبائك.

اتساق عملية التصنيع هذه عبر فترات تاريخية ومواقع جغرافية مختلفة داخل مصر يشير إلى تقليد حرفي راسخ ومنتشر على نطاق واسع

ويُعتقد أن هذه التركيبة الخاصة قد اختيرت لخصائصها الفيزيائية المثالية، مثل الصلابة والمرونة، بالإضافة إلى اللون الناتج للمعدن، والذي كان ينتج لونًا ذهبيًا أو فضيا في المرآة النهائية.

إحدى النتائج الأكثر إثارة للاهتمام هي الدليل على تقنية تُعرف باسم “التخصيب السطحي”، التي لوحظت في العديد من المرايا التي تم تحليلها. وتضمنت هذه التقنية إنشاء طبقة سطحية غنية بالزرنيخ، مما يعطي المرايا مظهرًا فضيًا، ومن المحتمل أن تكون قد استخدمت لتقليد مظهر المرايا الفضية الأكثر قيمة.

ويُشير الباحثون إلى أن هذا التخصيب السطحي ربما تم تحقيقه من خلال عملية تُعرف باسم “الفصل العكسي”، وهي تقنية معقدة تتطلب معرفة عميقة بالخصائص المعدنية لزرنيخ النحاس. وقد يكون اختيار السبائك التي تنتج انعكاسات ذهبية أو فضية مرتبطًا بالمعتقدات الدينية المصرية، وخاصة ارتباط المرايا بإله الشمس “رع”.

وكشف الفحص المجهري للمرايا أيضًا عن وجود عملية تصنيع موحدة للغاية تتضمن دورات متكررة من الطرق البارد والتليين. وكانت هذه التقنية تزيد من صلابة المعدن، مما يسمح بتلميع أفضل وبالتالي يكون هناك انعكاس أكثر وضوحا.

ويشير اتساق عملية التصنيع هذه عبر فترات تاريخية ومواقع جغرافية مختلفة داخل مصر إلى تقليد حرفي راسخ ومنتشر على نطاق واسع، كما سلط البحث الضوء على صناعة المرايا النموذجية، وهي نسخ مصغرة مخصصة لإيداعها في المقابر كبدائل سحرية للمرايا الحقيقية. والمثير للدهشة أن هذه النماذج تم تصنيعها باتباع نفس عملية تصنيع المرايا بالحجم الكامل، على الرغم من وجود بعض الاختلافات في التركيب التي قد تعكس وظيفتها الرمزية البحتة.

18