المصالح المتبادلة تعزز دعم بوتين لأردوغان في الانتخابات التركية

موسكو تراقب الجولة الثانية للاطمئنان على مصالحها.
الجمعة 2023/05/26
رئيسان تجمعهما مصالح وأهداف مشتركة

رغم الخلاف على الكثير من الملفات، إلا أن المصالح المشتركة التي تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان أكبر من كل ذلك، وهي التي دفعت موسكو إلى إعلانها دعم الرئيس التركي المنتهية ولايته في الانتخابات الرئاسية التي ستجري جولتها الثانية الأحد، حفاظا على مصالحها وخوفا من انقطاع التقارب بين البلدين في حال فاز مرشح المعارضة.

موسكو - سيكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية في تركيا تأثيرها على ملفات متشعبة تعني موسكو، من سوريا إلى أوكرانيا فحلف شمال الأطلسي والطاقة، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان ليقترع لصالح الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان في ما لو أتيح له الإدلاء بصوته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأحد.

على الرغم من التنافس بين إرث الإمبراطوريتين التاريخيتين على ضفتي البحر الأسود، نسج بوتين وأردوغان اللذان يمسك كل منهما بمقاليد الحكم منذ أعوام طويلة، علاقة شخصية وثيقة اكتسبت أهمية أكبر منذ وجدت موسكو نفسها تحت عزلة غربية متزايدة منذ بدء غزوها لأراضي جارتها الغربية أوكرانيا مطلع عام 2022.

ويقول الخبير في العلوم السياسية المقرّب من دوائر القرار في الكرملين فيودور لوكيانوف إن أردوغان بالنسبة إلى بوتين “حالة خاصة”، لأنه “يمكن الاتفاق معه على مواضيع عدة”.

ويضيف “العلاقة الشخصية القديمة بين الرئيسين تساهم (في ذلك) بشكل كبير. يفهمان بعضهما البعض بشكل جيد”.

في دورة الاقتراع الأولى التي انعقدت في الرابع عشر من مايو الجاري، خالف أردوغان استطلاعات الرأي بخروجه متقدّما على منافسه كمال قليجدار أوغلو. وفي الدورة الثانية في الثامن والعشرين منه، يبدو أردوغان أوفر حظا للبقاء خمس سنوات إضافية سيّدا للقصر الرئاسي في أنقرة.

تركيا تستفيد من العقوبات على موسكو لاستقطاب أموال الأثرياء الروس واستثماراتهم

ويقول دبلوماسي غربي عمل في موسكو والعاصمة التركية إن الروس “تنفّسوا الصعداء” بعد الدورة الأولى.

كيف يمكن لهم أن يفضّلوا رئيسا غير أردوغان، زعيم القوة العسكرية الثانية في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، والذي اختار الأسبوع الماضي أن يتحدث، وعبر شبكة “سي.أن.أن” الأميركية تحديدا، عن “العلاقة المميّزة” التي تربطه ببوتين؟

وقال أردوغان “نحن دولة قوية وتربطنا علاقة إيجابية بروسيا… روسيا وتركيا تحتاجان بعضهما البعض في كل مجال”.

وردا على سؤال بشأن أسباب التفاهم بين الرئيسين، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف هذا الأسبوع إن بوتين وأردوغان “رجلا دولة يحترم كل منهما كلمته”.

في المقابل، أثار مرشح المعارضة، ومنافس أردوغان الشرس في الانتخابات كمال قليجدار أوغلو حفيظة روسيا، بعدما اتهمها مطلع مايو الحالي بالتدخل في الحملة الانتخابية، وهو ما نفته موسكو بشدّة.

وفي الجولة الأولى التي أقيمت منتصف الشهر الحالي، منحت النتيجة النهائية للفرز 49.5 في المئة من الأصوات لأردوغان الموجود في السلطة منذ عشرين عاما، مقابل 45 في المئة لخصمه الاشتراكي الديمقراطي قليجدار أوغلو.

وفاء شخصي 

فوز قليجدار أوغلو سيمثّل "خطرا" على مستقبل العلاقات الروسية - التركية ويمكن أن يؤدي إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وبعض حلفائها في الناتو
فوز قليجدار أوغلو سيمثّل "خطرا" على مستقبل العلاقات الروسية - التركية ويمكن أن يؤدي إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وبعض حلفائها في الناتو

اعتبر لوكيانوف أن فوز قليجدار أوغلو في الانتخابات سيمثّل “خطرا” على مستقبل العلاقات الروسية – التركية.

ويتحدث المحلل على سبيل المثال عن إمكان أن يؤدي فوز كهذا إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وبعض حلفائها في الناتو، بعدما شابها توتر على خلفية قيام أردوغان بشراء أنظمة “أس – 400” للدفاع الجوي من روسيا، ما أثار انتقادات واسعة من حلفائه خصوصا الولايات المتحدة.

وفي حين يؤكد الكرملين أنه لا يقف في صفّ مرشح على حساب الآخر، إلا أن الإشارات على من يفضّله غير خافية.

ففي أواخر أبريل الماضي، وخلال مشاركته عبر تقنية الفيديو في تدشين محطة نووية في تركيا بنتها روسيا، أشاد بوتين بأردوغان في خضم حملته الانتخابية.

وقال إن المحطة “مثال مقنع على كل ما تفعله، السيد الرئيس أردوغان، لبلادك من أجل تطوير اقتصادها ولكل المواطنين الأتراك… أريد أن أقول ذلك بصراحة: أنت تعرف كيف تضع أهدافا طموحة وتسعى إلى تحقيقها بثقة”.

ويوضح لوكيانوف أن بوتين “معروف بوفائه الشخصي… حيال أولئك الذين يتصرّفون بالمثل حيال روسيا”.

لكن العلاقات بينهما لم تكن دائما في أفضل أحوالها، وشهدت توترا حادا في 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية عند حدودها مع سوريا، كانت تشارك في إطار عمليات بدأتها موسكو دعما لنظام الرئيس الروسي بشار الأسد الذي كانت أنقرة من أشد المعارضين له وتدعم المعارضة المسلّحة ضده.

واعتبر بوتين في حينه إسقاط الطائرة الروسية بمثابة “طعنة في الظهر”.

لكن بعد أقل من عام على الحادثة، كان بوتين أول رئيس أجنبي يتّصل بأردوغان لإبداء دعمه له بعيد فشل انقلاب ضده.

ومنذ ذلك الحين، وسّع الرئيسان من تعاونهما في ملفات عدة منها سوريا.

علاقة مصلحة

فيودور لوكيانوف: أردوغان يمثل حالة خاصة لبوتين ويسهل التفاهم بينهما
فيودور لوكيانوف: أردوغان يمثل حالة خاصة لبوتين ويسهل التفاهم بينهما

ما عزّز التقارب بين الزعيمين اللذين يميلان إلى نزعة تسلطية، هو التوتر المتزايد في علاقة كل منهما بالغرب.

ويقول المحلل الروسي المستقل أركادي دوبنوف إن الرئيسين “متشابهان بشكل لا يصدّق من حيث الذهنية السياسية والأسلوب وعلاقاتهما مع العالم”، مثل “ازدرائهما للقيم الليبرالية للغرب”.

واكتسبت العلاقة مع أردوغان أهمية متزايدة لبوتين في ظل العزلة التي يواجهها من دول الغرب منذ بدء غزو أوكرانيا أواخر فبراير 2022. 

وعرف أردوغان في بداية الحرب الأوكرانية كيف يوسع نفوذه ويعزز علاقاته مع الرئيس الروسي، ففي الوقت الذي أغلقت فيه كل القنوات الدبلوماسية تقريبا في وجه موسكو، قدمت أنقرة نفسها كوسيط بين موسكو وكييف، ولا تزال الطرف الثالث الذي يرغب الطرفان معا في الحديث معه. 

ويؤكد لوكيانوف حاجة موسكو إلى “علاقات يمكن التنبؤ بها” مع أنقرة.

وعلى الرغم من أن تركيا زوّدت أوكرانيا بطائرات مسيّرة لمواجهة الغزو، إلا أنها امتنعت عن الالتحاق بركب العقوبات الغربية ضد موسكو. وأتاح ذلك لأنقرة، معطوفا على العلاقة بين بوتين وأردوغان، أداء دور وساطة في ملفات مرتبطة بالنزاع، خصوصا اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.

وتستفيد تركيا من العقوبات على موسكو لاستقطاب أموال الأثرياء الروس واستثماراتهم، وأيضا الحصول على النفط بأسعار مخفّضة. من جهتها، تستفيد روسيا بالإبقاء على باب مفتوح يتاح لها من خلاله تمرير واردات باتت معقّدة بفعل العقوبات الغربية.

ويشدد الدبلوماسي الغربي على أن ما بين أردوغان وبوتين ليس عاطفة شخصية بقدر ما هو “علاقة مصلحة صافية”.

ويضيف “هما بارعان في الفصل: يضعان الخلافات جانبا ويعملان معا حيث تتقاطع مصالحهما”.

7