المصالحة الكردية تفتح آفاقا كبيرة أمام تركيا والمنطقة

التطورات الإيجابية المأمولة تتوقف بالطبع على الإرادة السياسية للحكومة التركية.
الجمعة 2025/03/14
من المبكر جدا الشعور بالارتياح

ديار بكر ( تركيا) - من المؤكد أن القنبلة التي فجرها عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي المصنف كمنظمة إرهابية بإعلانه حل الحزب ستكون لها تأثيرات كبيرة داخل تركيا وخارجها.

وفي بيان تاريخي أصدره الشهر الماضي من سجنه في تركيا دعا أوجلان الحزب بكافة تشكيلاته في الداخل والخارج إلى إلقاء السلاح، وهي الخطوة التي يمكن أن تنهي صراعا مسلحا بين الحكومة التركية والحزب استمر أكثر من 40 عاما.

وفي تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي قال الدبلوماسي التركي السابق والمحلل السياسي ألبير جوشكون، إنه لا يمكن المبالغة في أهمية هذا التحول المحتمل في تركيا الذي ستمتد آثاره إلى ما وراء حدودها.

ولن تستنزف تركيا مواردها في ملاحقة الحزب والتصدي للتحديات التي يمثلها. كما أن هذه الخطوة من شأنها إفساح المجال أمام أنقرة في سياساتها الخارجية والاقتصادية والأمنية للدخول في مشاركات دولية أكثر إبداعا وإيجابية، وتخفيف حدة النظرة الأمنية السائدة على الساحة المحلية، كما سوف تفتح الباب أمام عهد جديد من التطور الديمقراطي.

لكن جوشكون زميل برنامج أوروبا ومدير المشروع التركي والعالمي في مؤسسة كارنيغي يرى أن كل هذه التطورات الإيجابية المأمولة تتوقف بالطبع على الإرادة السياسية للحكومة التركية.

تركيا لن تستنزف مواردها في ملاحقة الأكراد ما يفسح المجال أمامها للدخول في شراكات إقليمية أكثر إيجابية

ولن يكون الوصول إلى هذه المرحلة سهلا، ومن المبكر جدا الشعور بالارتياح. فالتاريخ التركي الحديث حافل بالانتفاضات الكردية، وإن كان حزب العمال يمثل أحدث وأطول نسخة من هذا التحدي، لذلك سيتعين تجاوز العديد من العقبات قبل أن يذكر التاريخ الحزب كأول حركة كردية مسلحة ينتهي وجودها بأمر من زعيمها المؤسس لها.

ولا يزال الغموض يحيط بما دفع أوجلان لاتخاذ هذه الخطوة الحاسمة في هذه المرحلة، والسؤال الذي يتردد في أذهان الجميع هو: لماذا الآن؟

والحقيقة أن طموحات أوجلان تتغير بمرور الوقت. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انجذب إلى فكرة الحل الكونفيدرالي لمشكلة الأقليات الكردية المنتشرة في دول عديدة وخاصة في تركيا والعراق وسوريا وإيران. كما أن هذه المرة ليست الأولى التي يتحدث فيها عن إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه، على الرغم من فشل محاولاته السابقة، لسبب أو لآخر.

ولذلك هناك أسباب مشروعة للشك، بما في ذلك الشك في مدى الاستجابة لدعوته وتحقيقها نتائج فعلية.

ومع ذلك، تعد دعوة أوجلان جوهرية. فقد أكد بشكل قاطع أن الأسس الأيديولوجية التي بني عليها حزب العمال الكردستاني لم تعد قائمة، وأن الحزب قد عفا عليه الزمن. ولا سبيل لتفسير ذلك إلا بالقول إن الوقت قد حان لطي الصفحة.

وأشار أوجلان إلى الظروف المتغيرة – في تركيا والعالم أجمع – مقارنة بفترة تأسيس حزب العمال الكردستاني. ورسم مسارا جديدا للمضي قدما بإشارته إلى ضرورة وقوف الأتراك والأكراد صفا واحدا في وجه “القوى المهيمنة”.

التاريخ التركي الحديث حافل بالانتفاضات الكردية، وإن كان حزب العمال يمثل أحدث وأطول نسخة من هذا التحدي

وكما أشار بعض المحللين، فإن هذه الإشارة تتقارب مع الرواية الرسمية لأنقرة التي تعبّر عن رفضها لتدخل جهات خارجية في شؤون المنطقة.

ويرى جوشكون صاحب الخبرة الدبلوماسية الطويلة في العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف أن هذا التشابه بين حديث أوجلان وحديث المسؤولين الأتراك عن التصدي “للقوى المهيمنة” ليس مصادفة، وأنه لا بد أن يكون نتاج مفاوضات مكثفة مع المسؤولين الأتراك. فرسالة أوجلان مكتوبة بعناية لتعكس تفاهما مشتركا حول سبل المضي قدما مع أنقرة، بما في ذلك تفكيك حزب العمال الكردستاني، مع تمهيد الطريق للمصالحة مع أكراد تركيا من خلال إصلاحات ديمقراطية، وفي نهاية المطاف، إعادة صياغة دستور البلاد.

ومن المفترض أن أوجلان يأمل في قيادة الوصول إلى هذه النتيجة التاريخية للأكراد، وحتى يحدث هذا فقد يحصل على عفو عن تهمة الخيانة التي أدين بها عام 1999 ليقضي حكما بالسجن المؤبد أو على الأقل تحسين ظروف سجنه.

ومن ناحيتهم يصف المسؤولون الأتراك ما يحدث بأنه محاولة لتطهير تركيا من الإرهاب ، ولا شيء غير ذلك فاحتمالات وجود رد فعل عنيف من التيارات القومية التركية ضد أكبر عملية للانفتاح على الأكراد، إلا أن احتمالات فشل الجهود الحالية كليا يدفعهم إلى توخّي الحذر والتحرك بحرص.

ولا ينبغي لهذا الإطار الضيق التكتيكي الذي يتحدث فيه المسؤولون الأتراك أن يخدع أيّ شخص. فالخلفية التي اختارها أوجلان للتحدث مهمة في هذا الصدد. فقد استجاب زعيم حزب العمال الكردستاني بشكل أساسي لدعوة من زعيم حزب الحركة القومية اليميني التركي دولت بهجتلي في أكتوبر الماضي، حيث اقترح بهجتلي منح أوجلان إفراجا مشروطا بنزع سلاح حزب العمال وحله.

حل حزب العمال يمكن أن يؤدي إلى خلق بيئة يمكن أن تفضي إلى بعض الإصلاحات الديمقراطية التي تحتاجها تركيا بشدة

وحتى لو كانت دوافع أوجلان وبهجتلي مختلفة، فإنهما يتحركان نحو نفس الهدف. كما أن وجود حزب الحركة القومية في مسار التقارب، يعني تغييرا كبيرا في قواعد اللعبة لأنه ظل لسنوات يعرقل أيّ جهود للانفتاح على الأكراد.

وبحسب سيري سوريا أوندر عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية الموالي للأكراد والذي لعب في الماضي والحاضر دورا في هذه الجهود بما في ذلك العمل كرسول لأوجلان، فإن الفارق الأساسي في هذه المرة يكمن في الموقف البناء لحزب الحركة القومية وانخراط بهجتلي شخصيا في الاتصالات.

وفي الوقت نفسه فإن لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحليفه بهجتلي الكثير من الأسباب والدوافع وراء هذه الخطوة. فالدستور الحالي يمنع أردوغان من خوض الانتخابات الرئاسية في 2028 لولاية ثالثة. ولن يمكنه تجاوز هذا القيد إلا إذا دعا البرلمان لانتخابات رئاسية مبكرة قبل اكتمال ولايته الثانية، أو تعديل الدستور. وتحقيق مصالحة مع الأكراد يفتح الباب أمام أيّ من السيناريوهين.

ورغم ذلك فالرئيس ليس صاحب الكلمة الوحيدة في هذا الملف وإنما هناك اعتبارات أمنية عديدة، حيث مازالت المؤسسة الأمنية التركية تنظر إلى حزب العمال باعتباره تهديدا كبيرا، وهناك مخاوف من شبكة التجنيد والتمويل الدولية التابعة له إلى جانب ملاذاته الآمنة في إيران والعراق وسوريا.

كما أن هناك الكثير من الجماعات المسلحة التي انبثقت عن الحزب خلال السنوات الماضية مثل حزب الحياة الحرة لكردستان في إيران والاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب في سوريا.

ويمكن أن يؤدي حل حزب العمال أيضا إلى خلق بيئة يمكن أن تفضي إلى بعض الإصلاحات الديمقراطية التي تحتاجها تركيا بشدة.

وكما أشار صحافي تركي مخضرم فإنه يصعب تخيل الانعطاف المفاجئ للنظام التركي نحو عقلية أكثر ديمقراطية، لكن الاضطراب الإيجابي الناتج عن انتهاء وجود حزب العمال الكردستاني والوصول إلى شكل من أشكال المصالحة مع الأكراد قد يؤدي إلى زخم مفيد نحو انفتاح أكبر من شأنه أن يفيد المجتمع التركي، والمنطقة، والعالم.

7