المصالحة الفلسطينية أول ضحايا اغتيال هنية

السنوار يعمق القيود التي منعت حماس وفتح من إعادة توحيد صفوفهما.
الاثنين 2024/08/12
تحييد هنية نقطة تحول للساحة الفلسطينية

باغتيال إسماعيل هنية، بات الشق المتشدد في حماس وعلى رأسه يحيى السنوار يتولى مسؤولية إدارة العمليات السياسية إلى جانب العسكرية. وقد يؤدي هذا التغيير إلى تقويض جهود المصالحة التي انخرطت فيها حماس في وقت سابق.

غزة - يرى محللون أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يمكن أن يقوض المصالحة بين الحركة وفتح بتعميق الدوافع التي تجعل الوحدة بين المجموعتين صعبة، ما يترك الحركة السياسية الفلسطينية منقسمة بينما يغذي عدم الاستقرار في غزة والضفة الغربية.

ولم تتبن إسرائيل عملية اغتيل هنية في طهران يوم 31 يوليو الماضي. لكن غياب هذه الشخصية خلق فراغا مفاجئا في القيادة في المنظمة المسلحة التي تحكم قطاع غزة.

وجاء هذا بعد أسبوع من إعلان حماس ونظيرتها فتح في الضفة الغربية بدء عملية مصالحة وطنية تحدد الأهداف نحو تشكيل حكومة موحدة.

وكان هذا أول إعلان سياسي مهم نحو الوحدة تصدره القوتان السياسيتان الفلسطينيتان منذ 2017 على الأقل. وأعربت حماس عن اهتمامها بالمشاركة في الحكم في غزة بعد الحرب.

ويدفع حافز سياسي فتح، التي تحكم الضفة الغربية، للحفاظ على هيمنتها في نظام موحد ومنع التحديات السياسية. لكن مقتل هنية وتعيين يحيى السنوار، المسؤول المتشدد في حركة حماس، بديلا له خلقا حالة من الغموض في عملية المصالحة بتعميق القيود العديدة التي منعت المجموعتين من إعادة توحيد صفوفهما بعد انقسامهما الرسمي منذ ما يقرب من عقدين.

لا تزال حماس تسيطر على مناطق في غزة وتحافظ على قدراتها في مجال الحكم من خلال فرض ضوابط على أسعار السلع التجارية والرد على الغارات الجوية حتى مع تآكل قدرات الحركة العسكرية

ولم يقدم الاتفاق خارطة طريق نحو المصالحة. لكنه حدد أربعة أهداف وهي تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تمثل كل الأراضي الفلسطينية، وإقامة قيادة فلسطينية موحدة، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلس وطني فلسطيني جديد، واتخاذ موقف موحد ضد إسرائيل.

وفازت حماس في الانتخابات التشريعية التي نُظّمت سنة 2006. ولكن الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا هددت بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية لأنها تعتبر حماس منظمة إرهابية. ثم خاضت حماس وفتح حربا أهلية قصيرة في 2006 للسيطرة على غزة، وشهدت إقصاء فتح عن القطاع.

وبلغت الأزمة السياسية الناتجة عن هذا الوضع ذروتها في الانقسام الرسمي بين فتح وحماس، مع سيطرة فتح على السلطة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع.

وقُتل خليفة هنية المعين سابقا، صالح العاروري، في غارة جوية إسرائيلية في بيروت في يناير 2024.

وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن الفراغ المؤقت في قيادة حماس سيغذي القيود الموجودة مسبقا تجاه المصالحة، مثل التنافس على الهيمنة السياسية في الأراضي الفلسطينية، والاختلافات الأيديولوجية بين حماس وفتح، ومقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل القوية.

ومن غير المرجح أن تحرز حماس أو فتح تقدما كبيرا نحو المصالحة دون خطة ملموسة، مع غرق كلا المجموعتين في التحديات السياسية الداخلية.

ويصعب التنسيق الأمني بين فتح وإسرائيل، وعلى حماس تعميق علاقتها السياسية مع فتح، خاصة إثر اغتيال هنية. كما أن تنامي شعبية حماس المتزايدة بعد الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وخاصة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية، لا يُشجع فتح على تقديم تنازلات سياسية لها في السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية، خوفا من خسارة حادة لنفوذها على صعيد السياسة الفلسطينية الرسمية. كما تشمل الاختلافات السياسية والأيديولوجية الكبيرة بين حماس وفتح الاعتراف بدولة إسرائيل، والاستعداد والقدرة على التعاون معها ومع المجتمع الدولي الأوسع.

ولا تزال حماس تطمح إلى قيام دولة عربية إسلامية بديلا عن إسرائيل بينما تقبل فتح بحل الدولتين. لكن بعض فصائل حماس تتبنى موقفا أكثر براغماتية يعطي الأولوية لإقامة دولة فلسطينية داخل الأراضي القائمة.

ومن المرجح أن تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على فتح ضد المصالحة مع حماس، مما سيهدد بخسارة شريك تفاوضي فلسطيني موثوق به ويعرقل التطلعات الغربية لتولي السلطة الفلسطينية حكم غزة بعد الحرب. كما أن من شأن إشراك حماس في حكومة فلسطينية موحدة من خلال مصالحة رسمية أن ينفّر الشركاء الدوليين الذين يعتبرونها منظمة إرهابية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وإذا سمحت فتح لحماس بتولي دور رسمي أكبر في منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، فستخاطر بفرض عقوبات موسعة من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فهي تعتمد عليهم للحصول على عائدات الضرائب والأسلحة والتدريب.

ومن غير المرجح أن تُرفع مثل هذه العقوبات ما لم تقدم حماس تنازلات سياسية جادة، مثل قبول حق إسرائيل في الوجود ووقف التشدد ضدها. ولكن من غير المرجح أن توافق على أيّ من هذين الشرطين.

وإذا نالت حماس دورا رسميا في منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، فستعرض حملة الاغتيالات الإسرائيلية الحالية المنظمتين لعمليات سريّة إسرائيلية محتملة.

تغيير قيادة حماس قد يعزل الفصائل الأكثر براغماتية في الحركة التي تعدّ الأكثر استعدادا للتصالح مع فتح وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة
تغيير قيادة حماس قد يعزل الفصائل الأكثر براغماتية في الحركة التي تعدّ الأكثر استعدادا للتصالح مع فتح وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة

وأجرى المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استطلاعا للرأي لتقييم المشاعر الفلسطينية تجاه الأحزاب السياسية.

وصدرت النتائج في يونيو. وقال 40 في المئة من المستجوبين إنهم يفضلون حماس بينما أكد 20 في المئة فقط أنهم يفضلون فتح. لكن ثلث المستطلعين قالوا إنهم لا يؤيدون أيّ فصيل أو إنهم لا يتبنون أيّ رأي.

وكانت حركة فتح قبل الحرب مفضلة قليلا على حماس، حيث فضل 26 في المئة فتح مقابل 22 في المئة كانوا يميلون لحماس.

وتشمل الاختلافات الأيديولوجية الرئيسية بين فتح وحماس الاعتراف بإسرائيل. فبينما قالت حماس في السابق إنها يمكن أن تقبل تسوية الدولتين مع إسرائيل، لكنها لم تقل إنها ستعترف بإسرائيل أو توقف القتال المسلح ضدها حتى لو كان هذا مشروطا في حل الدولتين.

واعترفت فتح في المقابل، وبصفتها جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية، بدولة إسرائيل خلال اتفاقات أوسلو 1993 – 1995.

من المرجح أن تضغط إسرائيل والولايات المتحدة على فتح ضد المصالحة مع حماس، مما سيهدد بخسارة شريك تفاوضي فلسطيني موثوق به ويعرقل التطلعات الغربية لتولي السلطة الفلسطينية حكم غزة

وستزيد التغييرات على مستوى القيادة في حماس من تعقيد عملية المصالحة مع فتح، حيث يمكن أن تؤدي الانقسامات الداخلية بسبب موقف يحيى السنوار المتشدد إلى تمزيق الحركة، مما قد يخلق مصالحة جزئية من شأنها أن تستبعد المزيد من العناصر المسلحة في حماس.

وأعلنت حماس في 6 أغسطس أنها اختارت السنوار، زعيم حماس في قطاع غزة وأحد العقول المدبرة لهجوم 7 أكتوبر، خلفا لهنية.

ومن المرجح أن يكون نهجه أكثر تشددا بدرجة من غير المرجح أن تقبلها فتح، مما يقلل احتمال المصالحة مع حركته. كما قد يعزل تغيير قيادة حماس الفصائل الأكثر براغماتية في الحركة التي تعدّ الأكثر استعدادا للتصالح مع فتح وتشكيل حكومة فلسطينية موحدة.

وقد تتفكك حماس بهذا في عهد السنوار، وقد تدعم الفصائل الأكثر اعتدالا المصالحة الجزئية مع فتح. لكن من غير المرجح أن تدعم أجنحة حماس السياسية والعسكرية الرسمية هذه الخطوة.

ومن المرجح أن يتعمق عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية. ويضعف هذا احتمال إعادة الإعمار في غزة بينما يؤجج العنف في جميع أنحاء المنطقة.

وستبقى السياسة الفلسطينية غير مستقرة حتى لو سعت عناصر أكثر براغماتية في حماس إلى مصالحة جزئية مع فتح، خاصة مع رد فعل حماس والجمهور الفلسطيني على حملة الاغتيالات الإسرائيلية المستمرة.

ومن المرجح أن يزيد مقتل هنية تطرف الفلسطينيين، وشعبية جناح حماس العسكري، وخاصة في الضفة الغربية.

ويغذي هذا المزيد من عدم الاستقرار والتشدد، ويقلل من الحوافز التي كانت تدفع جناح حركة المقاومة الإسلامية العسكري للتصالح مع حركة فتح. كما من المرجح أن تحاول إسرائيل استهداف السنوار بسبب دوره في هجوم 7 أكتوبر، مما قد يجعلنا نشهد محاولة اغتيال أخرى.

وفي نفس الوقت، من المرجح أن يواجه أيّ تعاون بين فتح وحماس، حتى لو كان غير رسمي أو جزءا من مصالحة جزئية، رد فعل عنيف من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين رفضتا السماح بأيّ وجود حاكم لحماس في غزة. كما قد يكون التعاون بين فتح وعناصر من حماس سببا في تنفير بعض الدول العربية التي تعارض أيديولوجية الإسلام السياسي التي تتبناها حماس.

وهذا ما يمكن أن يثني بدوره هذه الدول العربية الثرية عن تقديم مساعدات إعادة الإعمار التي ستكون حاسمة في إعادة بناء غزة التي مزقتها الحرب خوفا من أن يساعد هذا الدعم حماس على إعادة تأسيس نفسها (حتى بقدرة محدودة) في القطاع.

ولا تزال حماس تسيطر على مناطق في غزة وتحافظ على قدراتها في مجال الحكم من خلال فرض ضوابط على أسعار السلع التجارية، والعمل على صيانة المرافق، والرد على الغارات الجوية حتى مع تآكل قدرات الحركة العسكرية في خضم الحرب المستمرة، ورغم تعطل توفير الخدمات الفعالة بسبب العمل العسكري الإسرائيلي في القطاع. لكن كبار مسؤولي فتح أشاروا إلى دور حماس الدائم وتأثيرها في السياسة الفلسطينية، حيث قال أحدهم إن “حماس تبقى جزءا من نسيجنا الوطني”.

وقد تكون فتح أكثر ميلا للضغط من أجل المصالحة إذا استمر نمو دعم حماس في الضفة الغربية واندلعت انتفاضة شبيهة بتلك التي شهدها القطاع.

وإذا انخفض دعم السلطة الفلسطينية وفتح بشكل كبير، فقد تتحالف الحركة بشكل أوثق مع بعض العناصر المسلحة في حماس وتدعم مثل هذه الانتفاضة في الضفة الغربية، في محاولة منها للحفاظ على أهميتها في السياسة الفلسطينية. لكن هذا قد يقطع التعاون مع إسرائيل ويقلل من الدعم الأميركي للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها لحكم قطاع غزة.

وإذا قرر المزيد من الفلسطينيين دعم حماس على حساب فتح، فقد تعتبر فتح المصالحة مع هذه الحركة مهمة لبقائها، حتى لو كان ذلك يعني تراجع الاعتراف الدولي.

6