المشاهد في مواجهة طوفان من العنف الممتع على الشاشات

لا تكاد تشاهد فيلما خاليا من العنف سواء اللفظي أو الجسدي، حتى صارت ظاهرة العنف شائعة وطبيعية، وتتدرج من العنف البسيط إلى الإفراط في العنف، إذ رصدت إحدى الدراسات الاستطلاعية الحديثة أن نسبة أفلام العنف تصل إلى حوالي 90 في المئة من الأفلام المعروضة على الشاشات.
لا شك أن السينمائيين من مخرجين وكتاب للسيناريو يجدون في ضرورات الصراع وتصعيد الأحداث ما يبرر ميلهم لاستخدام العنف، على أسس بديهية أن لا دراما بلا صراع، ولا يمكن تخيل فيلم درامي من دون توفر عنصر الصراع وما درجنا على تسميته بأنه الصراع بين الخير والشر، لكن ذلك ليس مبررا كافيا للتدرج بالعنف إلى مستويات شديدة الوطأة ومبالغ فيها مما صرنا نشاهده ومما يطفو على الشاشات بشكل غير مسبوق.
لكن في المقابل هنالك التفنن في ضخ الدراما العنفية ومشاهد العنف وهي مغلفة بغلاف نادر وفريد من التشويق بشكل يزيد من شغف الجمهور ويدفع بالمشاهدين إلى المتابعة والانجذاب الشديد، وصولا إلى التعاطف مع الشخصيات سواء أكانت هي التي تقود العنف أم هي من ضحاياه.
وعلى الرغم من عمليات التصنيف المعتمدة لدرجات العنف والسن المناسبة للمشاهدة إلا أن أفلام العنف تضاعفت عدة أضعاف بالمقارنة مع أفلام الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
◄ لا شك أن السينمائيين من مخرجين وكتاب للسيناريو يجدون في ضرورات الصراع وتصعيد الأحداث ما يبرر ميلهم لاستخدام العنف
تقول الممثلة ناتالي بورتمان مثلا في توصيفها لظاهرة العنف في الأفلام، “نحن نعيش في عالم عنيف، ولكن منذ نجاح أفلام مثل ‘بالب فيكشن‘، يبدو أنه صار أمرا طبيعيا ومعتادا أن كل فيلم يحتوي مشاهد فيها بعض العنف، لكن الملفت للنظر والأكثر غرابة هو أن يتم استخدام العنف الآن بمزجه بالكوميديا، إلى درجة تحويله إلى شكل من أشكال الكوميديا، فمثلا يتم الآن تشجيع الجمهور على الضحك عندما يلفظ أشخاص أنفاسهم أو تقطع رؤوسهم على الشاشة. أنا فقط أشعر بالصدمة لسماع الناس وهم يضحكون على مشاهد العنف”.
المؤرخون للإنتاج السينمائي يذهبون إلى البدايات المبكرة للعنف على الشاشات منذ عرض فيلم “سرقة القطار الكبرى” في العام 1903، وهو الذي يؤرخ لبدايات الفن السينمائي، كانت هنالك مطاردات ورمي بالرصاص واشتباكات بالأيدي وما إلى ذلك.
ما تلا ذلك هو حقبة ما عرف بشيفرة هايس، وهي حقبة أسست لنوع من الرقابة على العنف والجنس في السينما، واستمر الحال إلى الثلاثينات عندما زاد الضغط على قبول الأفلام التي تحتوي على مشاهد العنف وكان فيلم “سكارفيس” للمخرج هوارد هوكس هو الذي أطلق الشرارة للمضي في هذا المسار.
بالطبع سوف تحضر تجارب حديثة ومعاصرة لمخرجين متمرسين بأفلام العنف، ومنهم مثلا سام بيكنباه وبرايان دي بالما وتارنتينو وأوليفر ستون ولارس فون ترير ومايكل هانيكة وديفيد لينش وفرانسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وديفيد غرونينبيرغ وتوب هوبروستانلي كيوبريك وتيم بورتون وبيتر جاكسون وجيمس كاميرون وغيرهم.
هؤلاء المخرجون مثلوا في واقع الأمر مدارس وتجارب إخراجية رصينة ومؤسسة، ولكنهم وفي ذات الوقت قدموا نوعا من السينما العنيفة بشكل غير مسبوق، بل إنهم تمادوا في تجسيد الشخصيات العنيفة من الغانغستر والمافيات والقتلة والسفاحين، حتى اختطوا مسارا صار له من يقلده من السينمائيين الآخرين، إلى أن وصلنا إلى مرحلة تعدت عملية القتل بإطلاق الرصاص والطعن بالسكين إلى مراحل التمثيل وقطع الأطراف وما إلى ذلك من بشاعة متناهية وغير مسبوقة.
ترى عن أي جماليات سينمائية سوف نتحدث ونحن نشاهد كل هذا الزخم من سينما العنف التي طغت على الشاشات وصبغتها بصبغة حمراء وسوداء شديدة البشاعة.