المسيحيون في ليبيا يسرقون لحظات الفرح في قداس الجمعة

الطائفة المسيحية في طرابلس تتألف بشكل خاص من فلبينيين وهنود وباكستانيين يعملون في مجالات الصحة والبناء ومهاجرين أفارقة غير قانونيين.
الجمعة 2019/12/20
قداس أسبوعي ينسي الهم اليومي

وجدت المسيحية في ليبيا منذ قديم الزمان، لكن لا يوجد اليوم مسيحيون ليبيون، ومن يقومون بطقوس هذه الديانة السماوية هم من الأجانب من أفريقيا وآسيا وأوروبا استقروا في مناطق متفرقة من البلاد، بقي منهم القليل خاصة في العاصمة طرابلس بعد ثورة 2011 وانتشار الفوضى التي هددت وجودهم، القليلون الذين يصرون على البقاء في البلاد يقيمون قداسهم الجمعة بدل الأحد.

طرابلس - بلباسه الأبيض والأسود، يجول النيجيري جوناثان جوشوا داخل كنيسة في طرابلس حيث يساعد المؤمنين على أخذ مقاعدهم. ومع بدء القدّاس، ينسى هذا الرجل المسيحي المتدين أنّه يعيش في ليبيا الرازحة تحت وطأة الحرب وينسى التهديدات التي تتربص بالمسيحيين من قبل المتطرفين، خاصة وأنه لا توجد قوانين صريحة تجرم الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري.

وصل جوشوا (30 عاما) إلى هذه البلاد قبل أربعة أعوام، حاملا معه شهادة في الهندسة الميكانيكية. يعمل حاليا في سوق الجمعة حيث يسكن أيضا، وهو حي مكتظ في الضاحية الشرقية لطرابلس، غير بعيد عن المعارك الدائرة بين حكومة الوفاق الوطني والقوات الموالية للمشير خليفة حفتر.

يقول “أجد أنّ الحياة صعبة جدا هنا، ولكن في الكنيسة أنسى لعدة ساعات أنني في ليبيا”.

وعلى الرغم من أن المسيحية وصلت إلى ليبيا منذ ما قبل الميلاد، إلا أن المسيحيين لا يشكلون سوى 3 بالمئة أو أقل من سكان ليبيا البالغ عددهم ستة ملايين، وجميع المسيحيين من الأجانب الذين جاء قسم كبير منهم من مصر وآخرون قدموا من أفريقيا حين كانت ليبيا تمثل وجهة مثالية للهجرة قبل الثورة. ويعاني المسيحيون اليوم في ليبيا من تداعيات الفوضى التي انزلقت إليها البلاد وقلّ عددهم كثيرا، وقد ترك كل الغربيين البلاد بعد معارك صيف عام 2014، ولكن الأفارقة والآسيويين وبعض الجنسيات العربية فضلوا البقاء، إذ أن فرص العمل في ليبيا تبقى أفضل على الرغم من عدم الاستقرار الأمني.

تقول ليزا، ممرضة فلبينية تبلغ من العمر 51 عاما، “كنا أكثر من 100 ألف مسيحي قبل الثورة عام 2011، لكن لا يتجاوز عددنا اليوم آلافا قليلة، أقل من ألف منهم في طرابلس”.

وإلى كنيسة القديس فرنسيس، وهي واحدة من أقدم الكنائس الكاثوليكية في طرابلس وتقع في وسط المدينة القديمة، يتوجه المسيحيون، وكلهم من الأجانب، للمشاركة في القداس الذي يقام الجمعة بدل الأحد الذي يعد يوم عمل.

كنيسة القديس فرنسيس واحدة من أقدم الكنائس في طرابلس يقام القداس فيها يوم الجمعة بدل الأحد الذي يعد يوم عمل

بعض المسيحيين كما في سبها يقولون إن إقامة القداس الجمعة تجنبهم جلب انتباه المتطرفين، خاصة حتى أنهم لا يقرعون الأجراس عكس مراسم القداس في طرابلس.

وفي كل جمعة، تخرق الأصوات الآتية من الكنيسة الهدوء الذي يعمّ في المحيط الخارجي، إذ يكون الليبيون في بيوتهم في بداية عطلتهم الأسبوعية.

ويستقبل جوناثان جوشوا برفقة خمسة آخرين المؤمنين، ويساهم في توزيع المقاعد قبيل قدّاس يندرج في إطار الاحتفالات بعيد الميلاد.

وفي الأرجاء، تختلط اللغات المختلفة بالضحكات وببكاء الأطفال، بينما يسارع جوناثان إلى تهدئة ست فتيات يرتدين ثياب الملائكة ويلهين بالتسلل بين مقاعد الكنيسة.

ويسكن الطائفة المسيحية إحساس متزايد بانعدام الأمن بعد 2011 حتى اختار البعض منهم وخاصة القادمين من أفريقيا تغيير أسمائهم ليصبح اسم جوزيف، يوسف، ويتحول فيليب إلى محمد، أما النساء فمع تغيير أسمائهن يلبسن الحجاب لحماية أنفسهن من أي مكروه،  لكن في هذا الوقت من السنة المتميزة بمقدّمات عيد الميلاد، تتحوّل الكنيسة أكثر من أي وقت آخر إلى مكان للمواساة والأمل بالنسبة إلى مسيحيي طرابلس الذين لم ينسوا بعض الهجمات التي نفذها الدواعش ضدهم.

وتتألف الطائفة المسيحية في طرابلس، بشكل خاص، من فلبينيين وهنود وباكستانيين يعملون في مجالات الصحة والبناء، بالإضافة إلى مهاجرين أفارقة، يعيشون غالبا في أوضاع غير قانونية.

ويلفت الأسقف جورج بوغيجا (57 عاما) إلى أنّ “التردد إلى الكنيسة لا يزال عاديا، أقله حتى الآن”.

ويضيف “نواصل الاحتفالات كالمعتاد”، غير أنّه يشير في الوقت نفسه إلى “تراجع في أعداد المترددين على الكنيسة”.

ويعيد الأسقف بوغيجا هذا التراجع إلى عودة العديد من الآسيويين إلى بلدانهم بسبب التوتر القائم في طرابلس، وكذلك عودة “أفارقة كانوا يعيشون في أوضاع غير قانونية وغالبيتهم من النيجيريين” الذين هم الأكثر عددا في ليبيا.

صوت الأجراس يعلو على لعلعة الرصاص
صوت الأجراس يعلو على لعلعة الرصاص

ومن جانبها، تأسف أرليندا (62 عاما)، الممرضة في أحد مستشفيات طرابلس، لتناقص عدد مواطنيها مع تواصل المعارك.

وكانت هذه الشابة قد وصلت إلى ليبيا بعمر الـ25 عاما، حيث تزوجت بفلبيني وصارت أمّا لأربعة أطفال، تقول “إنّ حياتنا هنا، فأطفالي ولدوا في طرابلس”، مضيفة أنّ “الكنيسة مكان آمن، مكان للسلام وفرح التشارك، خاصة خلال هذه الفترة من العام التي نحتفل خلالها بولادة يسوع المسيح. إنّها أوقات روحانية مبهجة”.

ويذكر أن القوانين الليبية تمنع تناول الكحوليات أو الاحتفال العلني بعيد الميلاد أو رأس السنة الميلادية، وقد تكيف المسيحيون مع هذه القوانين التي يدعمها العرف الاجتماعي والتقاليد الصارمة في البلاد. وقدم بيرتو الإيطالي، وهو واحد من بين قلة من الأوروبيين الذين لا يزالون يعيشون في طرابلس، إلى الكنيسة الجمعة فقط “لإلقاء نظرة”.

ويؤكد الأستاذ الخمسيني الذي وصل إلى ليبيا قبل خمس سنوات لتعليم لغته كما يوجد آخرون يدرسون لغات أخرى كالإنكليزية “لم يعد ثمة شيء يزعجني في هذا البلد، اعتدت على الحياة هنا”.

ويضيف “إننا نعاني مما يعانيه الليبيون من انعدام الأمن وغلاء المعيشة، فما يؤثر عليهم يؤثر علينا أيضا، ونحن نصلي في كل قداس أن يستعيد هذا البلد الذي يحتضننا السلام المفقود منذ سنوات”.

وغير بعيد عنه، تتبادل أنجلينا (14 عاما) الحديث مع صديقتين، تقول “فقط حين أذهب إلى الكنيسة، أصادف غانيين آخرين من عمري”، ما يعني أن الجاليات الأفريقية ليست لها حماية في طرابلس في الوقت الراهن.

وتضيف “هنا، لا نملك حياة اجتماعية خارج المدرسة والبيت والكنيسة” لأسباب أمنية. وتتابع “لذلك، ولمرة واحدة أسبوعيا، أختار ثيابي بتأن ومزاج، إنني أحب الذهاب إلى الكنيسة، إذ تشعر فيها كما لو أنك في منزلك”.

 

20