المسلمون يدفعون فاتورة التطرف في جنوب تايلاند

قوانين مكافحة التمرد الخاصة في الجنوب تمنح الحكومة سلطات أكبر في ظل عدم وجود حماية كافية للبيانات وهو ما يقوض حقوق السكان.
السبت 2021/12/18
مراقبون في كل وقت

يالا (تايلاند)- تشهد مدن جنوب تايلاند تحركات مكثفة من السلطات منذ سنوات لجمع بيانات المسلمين سواء كان ذلك بطرق تقليدية أو باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتقول إن ذلك ساعدها على كشف المتمردين والتصدي لهم، في حين يتخوّف السكان المسلمون من أن تكون بياناتهم الخاصة ثمن فاتورة التطرف.

اعتاد المعلم واناواوي وايوه التحدث إلى والدته المسنة في منزله في جنوب تايلاند يوميا تقريبا بعد أن اشترى لها هاتفا محمولا، إلى أن انقطع الخط في أحد الأيام.

ويوضح الرجل في تقرير أعدته رينا شاندران لمؤسسة تومسن رويترز أن قطع مزود الشبكة الخدمة لأن واناواوي فشل في تقديم بياناته الحيوية لتسجيل بطاقة وحدة تعريف المشترك الخاصة به بما يتماشى مع أمر حكومي جديد، وهو أحدث إجراء للمراقبة الحكومية يستهدف المقاطعات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة في تايلاند.

◄ الحكومات، من كولومبيا إلى الصين، أطلقت تقنيات جديدة وتدابير مراقبة إضافية أثناء الوباء الذي تقول جماعات حقوق الإنسان إنه موجه ضد الأقليات

وقال الرجل، البالغ من العمر ثلاثين عاما، والذي يعيش في مدينة يالا، على بعد حوالي ألف كيلومتر جنوب بانكوك “قطعوا الخدمة وسط انتشار فايروس كورونا، عندما كنت قلقا للغاية بشأن والدتي. اضطررت إلى الاتصال بأختي للاطمئنان عليها. كانت البطاقات مسجلة بالفعل بهويتي الوطنية لماذا يحتاجون إلى إجراءات أخرى؟”.

وقُتل حوالي 7 آلاف شخص في السنوات الستة عشرة الماضية في تمرد انفصالي في مقاطعات يالا وباتاني وناراثيوات الحدودية. وقالت السلطات التايلاندية في 2019 إن سكان المقاطعات الثلاث وبعض مناطق سونغكلا اضطروا إلى إعادة تسجيل بطاقاتهم الخاصة بهم ببصمات أصابعهم وصورة وجوههم، وهو أمر غير مطلوب في أجزاء أخرى من الدولة ذات الأغلبية البوذية.

ودخل الأمر حيز التنفيذ العام الماضي في نفس الوقت الذي فُرض فيه الإغلاق لاحتواء الجائحة. وأرسل مقدمو خدمات الهاتف المحمول الثلاثة في البلاد رسائل نصية إلى المشتركين، ثم قطعوا الخدمات عن الآلاف الذين فشلوا في التسجيل بحلول الموعد النهائي. وقد طُبّق الأمر على جميع السكان، إلا أنه أثر على المسلمين بشكل غير متناسب.

وكان الكثير منهم من كبار السن أو يعيشون في القرى، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من السفر إلى المدن في الوقت المناسب لتسجيل بياناتهم، وفقا لجماعات حقوق الإنسان التي شككت في الحاجة إلى هذه الإجراءات في المقاطعات الجنوبية وحدها.

واختار آخرون رفض الأمر، خوفا من زيادة المراقبة الحكومية في المنطقة الجنوبية. وقالت أنشانا هيمينا مؤسسة مجموعة دواي جاي، وهي منظمة لحقوق الإنسان “تعتقد الحكومة أن الجميع هنا متورط في التمرد والأنشطة المناهضة للدولة، وتضع الأمن فوق خصوصيتنا وحقوقنا”.

وأضافت لمؤسسة تومسون رويترز “ليست لدينا أي فكرة عمّن يمكنه الوصول إلى بياناتنا أو كيفية استخدامها. إن التركيز على مستخدمي الهاتف المحمول فقط في أقصى الجنوب هو تمييز ويرقى إلى تصنيف عرقي للمسلمين”.

بدأت قوات الأمن في جمع عينات الحمض النووي للمسلمين الماليزيين منذ 2012 من أجل بنك بيانات سيساعد في تحقيقاتهم في هجمات المتمردين

وتقول السلطات التايلاندية إن الإجراءات ضرورية للمساعدة على منع العنف في المنطقة، وستساعد في القضاء على سرقة الهوية واستخدام الخطوط غير المسجلة في الهواتف المحمولة لتفجير عبوات ناسفة.

وقال روناسيل بوسارا، وهو قائد مركز عمليات الشرطة في المقاطعات الحدودية الجنوبية، إن “الحفاظ على السلامة العامة وحماية الحقوق المدنية مسألة توازن”. وأكّد أن الهجمات التي شنتها الهواتف المحمولة تراجعت منذ صدور الأمر، مضيفا أن تعقب المشتبه بهم أصبح “أكثر فعالية” بعد الأوامر الحديثة.

وفي جميع أنحاء العالم تُتّخذ مكافحة الإرهاب بشكل متزايد ذريعة لسنّ قوانين أمنيّة جديدة للمراقبة الحكومية بدءا من جمع البيانات الجماعية إلى الاستخدام المتزايد لأدوات الذكاء الاصطناعي إلى استهداف مجموعات معينة.

وفي الشهر الماضي حذرت شركة أبل ستة ناشطين وباحثين على الأقل ينتقدون الحكومة التايلاندية من أنها تعتقد أن أجهزة الآيفون الخاصة بهم قد استُهدفت من “مهاجمين ترعاهم الدولة”.

وفي المقاطعات الحدودية الجنوبية في تايلاند، بدأت قوات الأمن في جمع عينات الحمض النووي للمسلمين الماليزيين منذ 2012 من أجل بنك بيانات قال المسؤولون إنه سيساعد في تحقيقاتهم في هجمات المتمردين.

وقال بورنبن خونغكاتشونكيت مدير مؤسسة كروس كولتورال إن قوات الأمن كانت في السنوات الأخيرة تجمع عينات الحمض النووي عند نقاط التفتيش وأثناء مداهمات المنازل والمدارس، دون موافقة في كثير من الأحيان.

ووثقت المنظمة الحقوقية نحو 140 حالة قسرية من هذا النوع في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2019 وحدها. ونفت السلطات جمع العينات دون موافقة.

وكانت المقاطعات الحدودية الجنوبية أيضا أول من شهد تركيب أكثر من 8 آلاف كاميرا مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي متصلة بنظام مراقبة مركزي قالت السلطات إنه سيضمن سلامة السكان المحليين.

لكن هناك القليل من التفاصيل حول الجهة التي توفر التكنولوجيا، وكيف تُستخدم، أو أنواع الحماية التي يتمتع بها الناس، كما قال بورنبن.

تحركات مكثفة من السلطات منذ سنوات لجمع بيانات المسلمين

ويمنح قانون جرائم الكمبيوتر في تايلاند لعام 2016 وقانون الأمن السيبراني لعام 2019 سلطة للحكومة لإجراء المراقبة، والبحث عن البيانات والمعدات ومصادرتها في الحالات التي يُعتقد أنها تهدد الأمن القومي.

ويقول نشطاء حقوقيون إن قوانين مكافحة التمرد الخاصة في الجنوب تمنح الحكومة سلطات أكبر، مع عدم وجود حماية كافية للبيانات، مما يقوض حقوق السكان.

وقال بورنبن إن “استخدام تقنية التعرف على الوجه ينتهك خصوصية الناس وحريتهم… هناك الكثير من المراقبة التي يشعر الناس أنهم محتجزون فيها طوال الوقت. إنها مضايقات مستمرة”.

وقال متحدث باسم قيادة عمليات الأمن الداخلي، وهي وحدة تابعة للجيش التايلاندي، إن المراقبة الحيوية وتكنولوجيا التعرف على الوجه كانت جزءا أساسيا من “نظام المراقبة والتنبيه إلى المخاطر” لتحديد المتمردين الانفصاليين.

وأطلقت الحكومات، من كولومبيا إلى الصين، تقنيات جديدة وتدابير مراقبة إضافية أثناء الوباء الذي تقول جماعات حقوق الإنسان إنه موجه ضد الأقليات، وسيمتد إلى ما بعد الأزمة الصحية.

◄ حوالي 7 آلاف شخص قتلوا في السنوات الستة عشرة الماضية في تمرد انفصالي في مقاطعات يالا وباتاني وناراثيوات الحدودية

ويأتي تعليق خدمات الهاتف المحمول في جنوب تايلاند في أعقاب الانتهاكات المزعومة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك “القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري وتعذيب المتمردين المشتبه بهم”.

ونفت السلطات التايلاندية صحة هذه التقارير. ولم يُفصح عن أي بيانات رسمية حول عدد الهواتف المحمولة التي جرى تعليقها بعد دخول الأمر الجديد حيز التنفيذ، لكن بونبن قدر أن حوالي ثلث ما يقرب من مليون خطّ مسجل قد فُصل أو هو معرض لخطر الانقطاع.

ورفعت مؤسسة كروس كولتورال دعوى قضائية نيابة عن أحد المقيمين في باتاني ضد اللجنة الوطنية للإذاعة والاتصالات، وهي الوكالة الحكومية التي أصدرت الأمر لمقدمي خدمات الهاتف المحمول، لكن القضية بقيت معلقة.

وقال بورنبن إن “أولئك الذين قُطعت خطوطهم قُطعوا عن عائلاتهم، وتأثرت أعمالهم، ولا يمكن لأطفالهم الدراسة عن بُعد، ولم يتمكنوا من الوصول إلى معلومات مهمة حول كورونا مما جعل وضعهم أكثر هشاشة. وهذا انتهاك خطير لحقوق الإنسان”.

7