"المسلاّت" جزيئات صغيرة في جسم الإنسان اكتُشِفَت حديثا ودورها غير معروف

المسلاّت تستعمر الميكروبيومين البشري والكوكبي من دون أن يلاحظها أحد.
الاثنين 2025/04/28
خيوط صغيرة من الحمض النووي الريبوزي

باريس - تُشكل جزيئات صغيرة تشبه الفايروسات ولكنها أبسط بكثير، لها حضور بارز في جسم الإنسان وتُسمّى “المسلات”، أحد الاكتشافات الحديثة الكبيرة، لكنها لا تزال تثير أسئلة كثيرة، ولم تتوفر بشأنها إلى حد الآن معطيات مؤكدة.

وقال عالم الفايروسات في معهد علم الوراثة الجزيئي في مدينة مونبلييه الفرنسي كريم مجذوب لوكالة فرانس برس إن “دور هذه الجزيئات في صحتنا لم يُحدَد أو يتضح بعد.”

وهذه الجزيئات عبارة عن خيوط صغيرة من الحمض النووي الريبوزي منغلقة على نفسها ولم يكن معروفا حتى قبل أشهر أنها موجودة في جسم الإنسان

اكتشفها باحثون من جامعة ستانفورد الأميركية، من خلال تحليل معمق للحمض النووي الريبوزي الموجود في مئات العيّنات البشرية.

وأوضحت دراسة هؤلاء الباحثين التي نشرتها مجلة “سل” في نهاية 2024 أن “هذه المسلات استعمرت الميكروبيومين البشري والكوكبي من دون أن يلاحظها أحد قبل الآن.”

وقد أحدث هذا الاكتشاف ضجة واسعة بسبب الانتشار الواسع لهذه المسلات وطبيعتها التي ليس لها مثيل بالمقارنة مع الهياكل التي سبق أن رصدها علماء الفايروسات والأحياء الدقيقة.

وهذه المسلات التي سميت على هذا النحو نظرا إلى بنيتها الشبيهة بعنق النبتة، تذكّر ربما بالفايروسات المكوّنة عادة من تسلسل حمض نووي ريبوزي يمكن أن يتطفل على خلايا الإنسان ويجعلها تنتج نسخا جديدة منه.

وكما يمكن اعتبار الفايروسات هياكل بسيطة جدا مقارَنةً بالبكتيريا، تتسم المسلات بأنها أكثر بساطة حتى من الفايروسات، إذ أن تسلسل الحمض النووي الريبوزي الخاص بها أقصر، وعلى عكس معظم الفايروسات، تتجول بحرية من دون أن تكون محصورةً في كبسولة بروتينية.

وتُذكّر المسلاّت أيضا بجزيئات اكتُشفت منذ عقود لكنها غير معروفة إلى حد كبير لأن دراستها اقتصرت تقريبا على النباتات، هي الفيرويدات، وهي عبارة عن خيوط من الحمض النووي الريبي من دون غلاف.

"المسلاّت" تتسم بأنها أكثر بساطة حتى من الفايروسات، إذ أن تسلسل الحمض النووي الريبوزي الخاص بها أقصر

لكن المسلات تتميز عن الفيرويدات بأنها أكثر تعقيدًا بعض الشيء. فالفيرويدات لا تجيد استنساخ نفسها، في حين أن المسلات تبدو، مثل الفايروسات، قادرة على التحكم في إنتاج البروتينات.

وإلى حد الآن لم تتوافر معطيات خاصة بوظائف هذه المسلاّت، ويعد ذلك من الإشكاليات الكثيرة التي أثارها اكتشافها.

ورأى بعض الباحثين أن لها دورا، قد يكون إيجابيا أو سلبيا، في صحة الإنسان، وإلاّ لما بقيت بوفرة داخل جسمه. لكنّ الكثيرين يحاذرون الخروج باستنتاجات.

وقال مجذوب إن هناك “وجهة نظر مفادها أن الأشياء موجودة لأن لها غرضا في الكائن الحي، وهذه ليست بالضرورة الحال دائما.” ولاحظ أن “وجود المسلات يعود إلى أن التطور البشري مكّنها من البقاء.”

إلاّ أن الباحث شرح أن بعض الهياكل المماثلة أثبتت تأثيراتها، بدءا بموضوع دراسته، وهو فايروس التهاب الكبد الوبائي من النوع “د”، وهو في الواقع خيط دائري من الحمض النووي الريبي لا يمكنه العمل إلاّ بطريقة تابعة بالاشتراك مع فايروس التهاب الكبد الوبائي “ب” الأكثر تعقيداً.

وثمة سؤال كبير آخر تثيره المسلات: هل تعطينا أدلة حول حيثيات ظهور الحياة على كوكب الأرض؟

في رأي بعض الخبراء أن المسلات تنضم إلى الفيرويدات في إضفاء صدقية على فرضية “عالم الحمض النووي الريبوزي”، وهي فكرة مفادها أن أشكالاً بسيطة جدا من الحياة، قائمة على الحمض النووي الريبوزي، كانت موجودة قبل ظهور الحمض النووي.

ويشكل الحمض النووي المادة الوراثية للإنسان، ويُترجم إلى بروتينات بواسطة خلايا الإنسان من خلال المرور عبر الحمض النووي الريبوزي، الأقل استقرارا بكثير. أما “عالم الحمض النووي الريبوزي” فأكثر بساطة، لكنه يتكون أيضا من كائنات حية أقل تعقيدا إلى حد كبير من الحياة الحالية.

وأشار مجذوب إلى أن المسلات والفيرويدات قد تكون، وفقا لبعض العلماء، “بقايا ما يمكن تسميته حساء الحمض النووي الريبي الأصلي.”

لكنّ التمهّل مستحسن هنا أيضا، فوجود المسلات قد يدعم هذه المقولة، ولكن من الممكن أيضا أن إنتاجها يتم عشوائيا بواسطة الخلايا والبكتيريا، من دون أن تكون مصدرا من بقايا الماضي البعيد.

ويلتزم مكتشفوها التحفظ أصلا. وقال المعدّ الرئيسي للدراسة إيفان زيلوديوف لوكالة فرانس برس “في الوقت الراهن ليست لدينا الأدوات التي تسمح لنا بتقدير مدى ارتباط المسلات ببعضها البعض، وبالتالي يتعذر تحديد عمرها.” وأضاف “أفضّل الامتناع عن التكهن.”

16