المسكوت عنه في الصراع على الإسلام

التطرف والغلو والتشنج الفكري الذي تنطلق منه الجماعات الإسلامية المتطرفة، لا يمنع من الإشارة إلى أنها تنطلق من أرضية مشتركة مع جماعات إسلامية أخرى تصنف نفسها “معتدلة” أو “سلمية” و”سياسية”، وهذا الاشتراك يجعل الأخيرة، أي الجماعات الإسلامية المعتدلة أمام واجب ديني وسياسي يقوم على ضرورة انخراطها الفعلي في الحرب على التطرف المسوّغ دينيا.
الاثنين 2015/06/29
الجماعات مدعية الاعتدال مدعوة إلى تمييز نفسها بالتخلص من الفكرة الجهادية

ثمة تسرع وتبسيط في تنميط الجماعات الإسلامية، فثمة جماعات معتدلة ومتطرفة، متنوّرة وظلامية، دعوية وجهادية، سلمية وعنيفة، نقدية وسلفية، عقلانية أو صوفية أو نصية، أي أنها ليست من نسيج واحد، لا في خلفياتها ولا في مقاصدها، ولا في أساليب تعبيرها عن ذاتها.

بيد أن هذا التمييز، من الناحية الواقعية لا يشتغل تماما، والسبب أن الجماعات الإسلامية “المعتدلة والدعوية والمتنورة” لا تقوم بما عليها في ما يخص نقد ودحض وعزل الجماعات التكفيرية المتطرفة والعنيفة التي تضرّ بالمسلمين وتشوّه الإسلام، والتي تضر بهذه الجماعات ذاتها، أو بمعنى آخر فإن هذه الجماعات لا تقوم بتمييز ذاتها، على نحو صحيح وفعال، رغم أن الجماعات المتطرفة والظلامية والعنيفة تؤسس نفسها بالضد منها، بل إنها تكفّرها، وفي بعض المواضع لا تكتفي بذلك، إذ تتركز في محاربتها، وإمعان القتل فيها، على ما يحصل مثلا في سوريا أو العراق.

القصد أن ثمة مصلحة حقيقية للجماعات الإسلامية المعتدلة والمرنة والعقلانية، أو التي ترى نفسها كذلك، في الاشتغال على كشف المتطرفين والإرهابيين، لعزلهم، ونزع الشرعية عنهم، ولا سيما الشرعية الدينية، بدل الاكتفاء فقط بنقد هذا الموقف أو هذا التصرف أو ذاك لهذه الجماعات، بدعوى أنه تصرف أو موقف عرضي، أو مجرد انحراف يمكن تقويمه.

أي أن المعركة مع الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهابية والعدمية هي معركة الجماعات الإسلامية المعتدلة تحديدا، وليست، فقط، معركة التيارات اليسارية والعلمانية والقومية والليبرالية، وهي بهذا المعنى معركة لتصالح الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتنورة مع الواقع والعصر والعالم، من أجل كسب شرعيتها، والنأي بالدين عن الاستغلال والتلاعب والتوظيف.

ثمة مصلحة حقيقية للجماعات الإسلامية المعتدلة والمرنة والعقلانية، أو التي ترى نفسها كذلك، في الاشتغال على كشف المتطرفين والإرهابيين، لعزلهم، ونزع الشرعية عنهم

بهذا المعنى فإن الصراع ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتكفيرية، التي تتغطى بالإسلام، والتي تحاول احتكار تمثيل الإسلام والمسلمين، هو معركة على الإسلام، أيضا، معركة من أجل مصالحته مع الواقع والعصر والعالم، إذ لا يمكن للجماعات الإسلامية المعتدلة والمتنورة أن تخوض هذه المعركة مع “داعش” والقاعدة، وأي من أخواتها، في أي بلد، دون نزع شرعيتها وتقويض ادعاءات أو مرتكزات خطابها الإسلامي.

وبشكل أكثر تحديدا فإن الجماعات الإسلامية المعتدلة لا يمكن لها أن تقوم بهذه المعركة إلا بتمييز ذاتها، أيضا، بالتخلص من الفكرة الجهادية، باعتبارها كانت وليدة وقتها (لحظة التأسيس في بدايات الدعوة)، ولأن الصراعات اليوم هي على السلطة والموارد والمكانة، وليست على الأفكار أو الأديان، وباعتبار أن كل الصراعات الهوياتية، وضمنها الطائفية والقومية، هي صراعات على السلطة، ولو تغطت بادعاءات دينية أو طائفية أو قومية أو فكرية لتبرير ذاتها، وتجميل فظائعها.

أيضا، لا يمكن خوض هذه المعركة دون القطع مع فكرتي العنف والتكفير، لأن الأساس في الدين هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن “لا إكراه في الدين”، وفق النص القرآني.

فوق كل ذلك فهذا يتطلب كشف خواء فكرة “الحاكمية”، لأنها تنطوي على المخاتلة والمراوغة والتلاعب والتوظيف، كونها تسهّل على مجموعة من البشر استغلال الدين، وادعاء الحكم باسم الله، واعتبار ذاتها موكّلة منه، في حين أنها تحكم حسب أهوائها، ووفق حسابات المستبدين من حكام ومن معهم من فقهاء ومفتين.

أخيرا هذا يتطلب القطع مع فكرة الخلافة لأن هذه شكل نظام سياسي، وطريقة في الحكم، وهي ليست من الدين في شيء. ومعنى ذلك أن الصراع على الإسلام هو صراع على عقول المسلمين وقلوبهم، وعلى صورتهم في العالم.

السلام على أرواح ضحايا الإرهاب في الكويت وتونس والصومال وفرنسا واليمن والعراق، وفي عين العرب / كوباني والحسكة، وكل الأرض السورية، من ضحايا البراميل المتفجرة أو عمليات القتل الإجرامية، فالقتلة الأوباش لا دين لهم، الإرهاب دين الاستبداد والمستبدين، أنظمة ومجموعات وأفرادا.

13