المسكن في عمارة الأحساء التُراثية قصة تاريخ وهويّة

المتغيرات السياسية التي مرت بها الأحساء كان لها تأثيرها في تطور الأنماط والطرز المعمارية وحركة البناء.
الاثنين 2024/09/02
إرث ثقافي عظيم

يتصل التاريخ بتاريخ المجتمع وحياة الناس ومعتقداتهم وأعرافهم ومساكنهم، وهو ما تعكسه العمارة التراثية الأحسائية التي تتميز بإبداع، عززته مهارة البنائين الأحسائيين.

الأحساء (السعودية) - رحلة عمرها 35 عاما قضاها الكاتب والباحث السعودي، الدكتور سعيد عبدالله الوايل، مع العمارة التراثية بمنطقة الخليج والجزيرة العربية، يسافر من بلد إلى بلد، ومن مدينة إلى مدينة، باحثاً وموثقاً وحارساً لتراث غالٍ يستحق العناية والاهتمام.

وكانت أحدث إصدارات سعيد عبدالله الوايل في مجال العمارة وجمالياتها وتاريخها بالخليج والجزيرة العربية كتابه “المسكن في عمارة الأحساء التُراثية: تاريخ وهويّة”، والصادر عن دار دكة للنشر والتوزيع بالرياض.

وتُمثّل المباني التاريخية وعمارتها بمختلف أشكالها أحد أهم جوانب الحضارة عند مختلف الشعوب، وتكمن أهمية دراسة العمارة التاريخية في كونها من الأولويات التي تقوم عليها برامج الحفاظ العمراني، والتي تمهد لعمليات التوثيق والترميم والإدراج في منظومة الحياة العامة في العصر الحديث.

وتكتسب العمارة السكنية أهمية خاصة، فهي تعكس تفكير المجتمع وحاجاته عبر رحلة طويلة غنية بالتجارب والمتغيرات لمختلف العصور.

ppp

ولعل من أهم ما يُميز العمارة السكنية أنها تعكس هوية المجتمع الثقافية والتاريخية وتتواءم مع حاجاته الروحية والمادية، فالارتباط بين المسكن وأسلوب معيشة الأسرة والحياة الاجتماعية استوقف الكثير من المعماريين منهم المعماري حسن فتحي الذي يقول “كل شعب ممن أنتج معماراً، يطور أشكاله التي يفضلها، والتي تخص هذا الشعب مثلما تخصه لغته أو ملبسه، أو فنونه الشعبية. وأن لمظهر البناء تأثيرا عميقا في سكانه، وبالتالي يعبر عن شخصية الإنسان ومنزلته مع التفاصيل الأخرى لفرديته كما يتكيف حسب حاجاته الاقتصاديـة وبالتالي تتخذ المباني شكل المجتمع بما له من أبعاد كثيرة”.

وعلى اختلاف البيئات والأنماط المعمارية التي حفلت بها العمارة التاريخية في المملكة العربية السعودية، اتسمت العمارة التراثية الأحسائية بالكثير من جوانب التميز والإبداع، عززتها مهارة البنائين الأحسائيين وإبداعاتهم، وهو ما يعكس مرجعياتهم الثقافية، حيث أكدت الدراسات الآثارية والتاريخية أن البناء في معظم المدن أو القرى قام على أنقاض مبان أقدم منها وهو ما يوحي بانتقال أنماط قديمة سابقة وتواصلها، الأمر الذي يدلنا على أن طرز العمارة السكنية الأحسائية ضمن مساقها التاريخي نموذج سبق كل مناطق الخليج، وكان له تأثيره الواضح في المناطق المجاورة من خلال عدة عوامل أهمها انتقال البنائين الأحسائيين للعمل في مناطق الخليج.

وكان للمتغيرات السياسية التي مرت بها الأحساء تأثيرها في تطور الأنماط والطرز المعمارية وحركة البناء، وبخاصة عمارة المساكن، حيث مرت المنطقة بفترات تاريخية مستقرة أحياناً، ومضطربة أحياناً أخرى، وهو ما ألقى بظلاله على تطور حركة البناء والعمران.

وهكذا فقد حاول الدكتور سعيد عبدالله الوايل، في كتابه “المسكن في عمارة الأحساء التُراثية: تاريخ وهويّة”، إبراز كافة الجوانب التي تتعلق بالمسكن التراثي الأحسائي وأشكاله وأنماطه، والعوامل المؤثرة في مختلف مدن وقرى الأحساء، ورصد بعض المتغيرات الحاصلة.

وتأتي الدراسات التي احتوى عليها الكتاب، والتي توزّعت على فصوله الستة، لتسد الثغرة الناجمة عن قلة البحوث في هذا المجال، إذ أن العمارة السكنية التراثية الأحسائية -بحسب الكتاب- إرث ثقافي عظيم، أبدعه فكر وعقول والآباء والأجداد الذين عملوا على حفظ هذا الموروث الثقافي وتواصله عبر العصور، نجد أن من واجبنا نقله بكل أمانة إلى الأجيال القادمة.

op

وقد اعتمد الوايل، في جمع المعلومات التي تضمنتها فصول كتابه، على البحث الميداني المعتمد على الخبرة الميدانية التي اكتسبها في مجال توثيق المباني التراثية وعناصرها المختلفة، والزيارات الميدانية لكل مناطق الدراسة، وما قام به من تصوير وتوثيق ومقابلات وما حصل عليه من وثائق على مدار 35 سنة مضت.

والدكتور سعيد عبدالله الوايل، باحث سعودي في مجال الفنون المعمارية والزخرفية الإسلامية، وأنجز خلال العقود الأخيرة عدة مشاريع تختص بالتوثيق والحفاظ العمراني والتاريخي للمباني التاريخية في الأحساء والخليج العربي.

يُذكر أن منطقة الأحساء السعودية تمتد جذورها التاريخية إلى الآلاف من السنين، وتُعد من أقدم المستعمرات البشرية بالجزيرة العربية، حيث سكنها الإنسان قبل قرابة ثلاثة آلاف عام، فقد عُرفت منذ أمد بعيد بوفرة المياه بها وخصوبة أراضيها.

وتضم الأحساء بين جنباتها 40 موقعا أثرياً بينها تسعة مواقع نجحت السلطات السعودية في تسجيلها على لائحة التراث العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وتتميز المنطقة بعمارتها التراثية الفريدة التي جذبت أعين المستشرقين والباحثين وعُشاق العمارة التقليدية بالمملكة والمنطقة العربية والعالم.

18