المسكنات الأوروبية تفشل في التخفيف من القلق الإيراني

واشنطن - في الخامس من نوفمبر الجاري، من المقرر أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية ضد صادرات النفط الإيرانية، والتي تعد أهم مصدر للعملة الصعبة في البلاد. وعلى هذا الأساس يمكن أن يتم خفض إيرادات إيران إلى النصف أو حتى أسوأ من ذلك، وهي ضربة قوية لاقتصاد يعاني بالفعل من التضخم وارتفاع معدلات البطالة.
وتتضاعف تأثيرات هذه الضربة، بالنظر إلى الاحتقان المتواصل في البلاد منذ احتجاجات ديسمبر 2017، والتي تجاوز فيها المتظاهرون، وأغلبهم من الشباب، الخطوط الحمراء بشعارات تنادي بسقوط النظام وتنتقد سياسته الخارجية ودعمه للميليشيات في العراق وسوريا واليمن وغيرها على حساب تجويع شعبه.
وأعادت الولايات المتحدة فرض عدد من العقوبات على إيران بعد انسحاب واشنطن في مايو الماضي من الاتفاق النووي المبرم في 2015 الذي يهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني. وقال مسؤولون أميركيون إنهم يهدفون إلى وقف صادرات إيران النفطية بالكامل.
وارتفعت تكلفة المعيشة مما أدى إلى خروج مظاهرات متفرقة ضد الاستغلال والفساد ردد المحتجون خلالها شعارات مناهضة للحكومة. وسعى المسؤولون الإيرانيون إلى محاولة ضبط الوضع وتدارك أي فجوة يمكن أن تنتهي إلى انفجار مجتمعي، معتمدين في تسويق بعض المسكنات على الموقف الأوروبي من الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية.
وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني الشعب من أنه قد يواجه أوقاتا صعبة عندما يبدأ سريان عقوبات أميركية جديدة الأحد، لكنه قال إن الحكومة ستبذل ما في وسعها للتخفيف عنه. لكن، فشلت تصريحات الرئيس روحاني، وغيره من المسؤولين، في إخفاء حدة القلق التي تنتاب النظام الإيراني قبل الشعب من تداعيات العقوبات.
فالإيرانيون، من عامة الشعب، لم يجنوا ثمار الأموال التي تدفقت بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، نتيجة العقوبات التي رفعت، وبالنسبة لهم الأمر لا يختلف كثيرا، حيث الفقر منتشر ونسبة البطالة وصلت حد 60 بالمئة.
ويتوقع أن يزداد طابور العاطلين نتيجة الوضع الاقتصادي، وتذكر تقارير إيرانية أنه تم تسريح 5 آلاف عامل في النصف الأول من العام الحالي بسبب عدم استقرار قيمة العملة وعدم قدرة الشركات على شراء المواد الخام.
ويقول جون هانا، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه “من شبه المؤكد أن تزداد معدلات الاستياء الشعبي، الذي يظهر في الاحتجاجات الواسعة النطاق والإضرابات العمالية خلال عام 2018”. ونتيجة لذلك، يرجح هانا أن يتعرض النظام الديني لضغط اقتصادي وسياسي أكبر في الأشهر المقبلة أكثر من أي وقت منذ توليه السلطة بعد ثورة 1979.
وبينما تستعد إدارة ترامب لزيادة الضغط إلى أبعد من ذلك، فإن المسؤولين الأميركيين سيترقبون كيف ستستجيب إيران إلى هذه الضغوط، للتفكير في الخطوات التي يجب اتخاذها لردع أي تصعيد إيراني محتمل.
ويرى هانا أن التصعيد ليس بالأمر الحتمي. فمنذ إعلان الرئيس دونالد ترامب في الثامن من مايو الماضي أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي وستعيد فرض العقوبات، استغلت إيران المعارضة الأوروبية العميقة لسياسة ترامب في إيران، كأنها ضحية رئيس الولايات المتحدة الخارج عن القانون والذي انتهك بشكل صارخ ومن جانب واحد الالتزامات والمعايير الدولية.
لكن، يقول آريان طبطبائي، من مؤسسة البحث والتطوير الأميركية (راند)، وهي مؤسسة غير ربحية لتطوير السياسات العامة وتحسين عملية اتخاذ القرار، “رغم أن الأوروبيين يتوقون إلى تقويض العقوبات الأميركية على إيران للحفاظ على الاتفاق النووي، لا تزال قدرتهم محدودة على القيام بذلك على أرض الواقع”.
ويشير هانا إلى أنه من المهم ملاحظة أن الرد الإيراني الأولي على انسحاب ترامب كان مشروطا صراحة بقدرة الاتحاد الأوروبي على ضمان استمرار تدفق الفوائد الاقتصادية للاتفاقية، مع تشديد خاص على مبيعات النفط الإيرانية. ويستشهد هنا، بما صرح به المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، في أواخر مايو، بأن “البنوك الأوروبية يجب أن تحمي التجارة مع الجمهورية الإسلامية”.
وقال خامنئي “يجب على أوروبا أن تضمن بشكل كامل سريان مبيعات النفط الإيرانية، في حال يمكن أن يدمر الأميركيون مبيعاتنا النفطية. يجب على الأوروبيين تعويض ذلك وشراء النفط الإيراني”.
لكن، يؤكد الخبراء أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي من أجل إحباط العقوبات الأميركية، فقد أصبح واضحا خلال الأشهر الخمسة الماضية أن هذه المحاولات لن تجد طريقها إلى النجاح.