المسرح جواز سفر لاجئ سوري في فرنسا

هناك الكثير من أمثال رامي ركاب الذين نجحوا في دخول عالم الفن والموسيقى من اللاجئين السوريين الذين قصدوا أوروبا.
السبت 2019/03/09
خشبة المسرح تختصر الحياة

ستراسبورغ (فرنسا) - فرّ السوري رامي ركاب من بلده ولجأ إلى منطقة الألزاس في شرق فرنسا حيث ينعم بالسلام ويحلم بالدخول إلى كلية المسرح الوطني في ستراسبورغ بعد رحلة شاقة. ويؤكد الشاب البالغ من العمر 31 عاما، “أنا شغوف بالمسرح… فإما المسرح وإما لا شيء”.

على شرفة مقهى كلية المسرح، يستعيد ركاب ذكريات حياته في سوريا من دروس المسرح في دمشق حيث كان يمثل كهاو، مرورا بدروس الصحافة، وصولا إلى التظاهرات ضد النظام السوري في العاصمة السورية، ومن ثم في السويداء (جنوب) حيث كان يقيم قبل انتقاله إلى المنفى.

وركاب ليس الوحيد الذي نجح في دخول عالم الفن والموسيقى من اللاجئين السوريين الذين قصدوا أوروبا، هناك العديد من الفنانين الذين ابهروا الأوروبيين بإبداعاتهم المختلفة في المسرح والعزف والرسم والسينما، ناقلين رسالة مفادها، أنهم ليسوا لاجئين فقط، بل هم سوريون يحملون معهم ثقافة وحضارة.

يقول ركاب، “حتى قبل الحرب كنت أرغب في المجيء إلى فرنسا”. وقد انقلبت حياته رأسا على عقب مساء 20 أكتوبر 2014 عندما أتى ضابط صديق للعائلة ليقول لأهلي “إنه عليّ أن أغادر”.

كان ركاب سبق وأن أوقف مرتين بسبب نشاطاته ضد النظام وتستعد السلطات لتوقيفه مرة جديدة. ويروي قائلا، “غداة ذلك، توجهت إلى لبنان بصفة غير شرعية”، حاملا فقط صورة والديه الرابضة الآن على رف في شقته بستراسبورغ في شارع أوبيير الشعبي. وقد انضمت إليه لاحقا في لبنان زوجته المنفصلة عنه راهنا ونجله زيد البالغ خمس سنوات. وبعد حصولهم على تأشيرات دخول، توجهوا في يوليو 2015 إلى فرنسا حيث حصلوا على اللجوء، وتستمر إقامته إلى اليوم فهي قابلة للتجديد، حتى العام 2026.

Thumbnail

يقول الشاب الذي اقترب من تحقيق طموحه بأن يكون ممثلا ذا شأن، “وصلنا صدفة إلى ستراسبورغ وهو أمر ممتاز”، فبعد سنوات من الحرب والخوف “من الجيد أن تكون موجودا في مدينة هادئة”. وكانت المرحلة الأولى في المنفى صعبة إذ يجب الانطلاق من الصفر وتعلم الفرنسية و”هي لغة صعبة” على ما يقول رامي الذي لم يكن يتكلم بها وبات الآن يتقنها.

في العام 2016، حصل رامي الذي يتشوق للعودة إلى خشبة المسرح، على عمل في قسم الاستقبال في مسرح مايون في ستراسبورغ كمرحلة أولى من الوصول إلى هدفه المنشود، “هنا بدأت أنسج شبكتي في أوساط المسرح” بالمدينة.

لم يكتف ركاب بهذه الوظيفة التي جعلته قريبا من العالم الذي يحبه، بل ظل يتابع اقتناص فرصته إلى أن سمع عن برنامج “بروميير آكت” السنوي المدعوم من مسرح ستراسبورغ الوطني والموجه إلى الممثلين الشباب الذين تعرضوا لتمييز (اجتماعي أو جنسي أو إعاقة…).

الفرصة أصبحت بين يديه وقد تمكن بفضل إصراره إلى حجز مكان له في دفعة 2018 بعد أن خضع لتجارب الأداء. ويشمل التدريب الذي يشارك فيه رامي ورشات عمل مع مخرجين معروفين وجلسات عمل في أفينيون وغرونوبل وستراسبورغ.

واعتبارا من الاثنين المقبل في باريس سيكون الشاب السوري في مسرح أوديون في إطار حلقة خاصة مكرسة للكاتب المسرحي الروسي أنطون تشيخوف. يحب رامي هذا الكاتب إلا أنه يفضل شكسبير وموليير وخصوصا المؤلفين المعاصرين على غرار وجدي معوض.

ويقول توما ويرلي المشرف على هذا البرنامج “رامي استثناء”، فالبرنامج عادة مخصص لمن هم بين الثامنة عشرة والسادسة والعشرين. وقد تجاوز رامي هذه السن، “لكنه وجه إلينا رسالة أوضح فيها أن سنوات الحرب سلبت منه شبابه، وأنه يعتبر نفسه في السادسة والعشرين”.

وبموازاة ذلك، يخوض رامي ركاب مسابقة الدخول إلى المعهد العالي للفن المسرحي في كلية المسرح الوطني في ستراسبورغ وقد تجاوز المرحلة الأولى منها، وثمة مرحلتان إضافيتان في أبريل ويونيو المقبلين قبل النتيجة النهائية.

يقول رامي، “لقد قطعت وعدا على نفسي بالوقوف على هذه الخشبة” في إشارة إلى قاعة كولتيس بكلية سترازبورغ. ويختم قائلا بحماسة “المسرح شغفي والشيء الوحيد الذي أحب القيام به وأريد القيام به! فأنا لا أحسن شيئا آخر”.

وإذا نجح بعض الفنانين اللاجئين في إيجاد موطئ قدم لهم في الساحة الفنية الأوروبية، فإن الكثير منهم أجبرتهم الظروف على مزاولة مهن جديدة لتأمين قوت يومهم في بلاد الغربة.

Thumbnail
20