المسحراتي المضيء يبهج الأطفال ليلا في مصر

تقليد بعباراته الرمضانية الشهيرة لا يزال قائما بدول عربية وإسلامية كثيرة ويمارس بطرق مختلفة ولا يخلو من مشاركة الأطفال.
الأحد 2025/03/23
إطلالة جديدة

يظهر المسحراتي كحلقة وصل بين الماضي والحاضر، إذ يتمسك بتقاليد قديمة بينما يتطور ليواكب متغيرات الحياة الحديثة ليظل جزءا لا يتجزأ من التقاليد الرمضانية يتوارثه المصريون عبر الأجيال في المدن والأرياف.

القاهرة - بأضواء تتلألأ في ثيابه وطبلته الصغيرة وحصانه الذي يرافقه أثناء عمله، ينعش المصري الأربعيني محمد أحمد، الشهير باسم “الدهشان”، ذكريات تعود إلى مئات السنين في إيقاظ المواطنين لتناول طعام السحور في شهر رمضان. في شوارع مسقط رأسه بمدينة دكرنس بمحافظة الدقهلية شمال مصر، ينادي الدهشان كل ليلية: “اصحَ يا نائم… قم وحد الدائم” لينبه النيام إلى موعد السحور.

وبطريقة فلكلورية محببة للأطفال، يمارس المسحّراتي هذا العمل منذ خمس سنوات، مناديا على الأطفال بأسمائهم أثناء مروره لإيقاظهم وقت السحور. وفي المقابل، يحصل على بعض المال احتفاء به وبتمسكه بتلك العادات التي يتراجع عدد العاملين بها بشكل لافت. وجواره حصانه وأطفال من الحي الذي يسير فيه في الساعات الأخيرة من الليل قبيل الفجر، تنير كلمات المسحّراتي المصري طريقه وهو ينادي: “اذكر الله… وحد الله… اصحَ يا أحمد وحد الدائم… رمضان كريم،” ويردد الصغار بعض كلماته بكل فرح.

ويتفاعل سكان الحي مع كلمات المسحّراتي المصري، وهو يكرر: “اصحَ يا إياد ويا عماد… كل سنة وأنتم طيبين ورمضان كريم،" "اصحي يا أميرة اصحي يا خلود". وتجد بعض الأهازيج والمدائح التي يرددها رواجا لدى السكان، حيث يردد مع صغار الحي "اصحَ يا كحيل العين (…) وصلي على الزين، الله الله على ذكر الله".

ويسترجع المسحّراتي الدهشان بداية دخوله في هذا المجال قبل خمس سنوات، استكمالا لطريق أجداده، مؤكدا أنه سعى منذ البداية لتطوير عادة المسحّراتي بهدف إدخال البهجة على الأطفال. المصري محمد أحمد (47 عاما) قال إنه “أول مسحّراتي مضيء في مصر، حيث يضع إضاءات كثيرة على ثيابه وحصانه وطبلته،” لافتا إلى أنه يسعى للتغيير كل عام في طريقة تقديمه لهذه العادة.

وأوضح أنه اصطحب معه هذا العام حصانا يرتدي إضاءات، بعدما استخدم العام الماضي جملا، مشيرا إلى أن هذه التغييرات تدخل البهجة على الناس والأطفال وتجعلهم منبهرين بما يقدمه. وأشار إلى أن تلك العادة تحيي ذكريات شهر رمضان في مصر، لذلك يتفاعل معه الكثير من المواطنين ويمنحونه أموالا كلما نادى على أسماء أطفالهم. ويزداد ذلك قبل يوم عيد الفطر الذي يحصل فيه على حلويات ورزق كبير، حسب قوله.

◙ من العادات الرمضانية مدفع الإفطار الذي استخدم لأول مرة في مصر في عام 1877 في عهد الخديوي إسماعيل

تعود أقدم رواية عن ظهور المسحراتي إلى العصر العباسي، وتحديدا عام 853 ميلادية، عندما قام والي مصر، إسحاق بن عقبة، بنفسه بالتجول ليلا في شوارع الفسطاط لإيقاظ الناس للسحور، حيث كان يسير من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص، مناديا السكان للاستعداد للصيام، كهدية إلى الشعب.

ويقول المؤرخون إن مهنة المسحراتي تطورت في العصر الفاطمي، حيث أصدر الحاكم بأمر الله قرارا يلزم الناس بالنوم بعد صلاة التراويح، بينما كان الجنود يمرّون على البيوت ويدقون أبوابها لتنبيههم للسحور. ثم تطورت هذه العادة حتى تم تعيين شخص مختص بهذه المهمة، عُرف بـ"المسحراتي"، وكان يحمل عصا يدق بها على الأبواب مرددا، "يا أهل الله قوموا تسحروا."

وكادت المهنة تندثر لاحقا، لكن السلطان الظاهر بيبرس أعاد إحياءها خلال العصر المملوكي، إذ كلف صغار علماء الدين بإيقاظ الناس للسحور. وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون، ظهرت نقابة للمسحراتية، وكان أبرز روادها “ابن نقطة”، الذي ابتكر فن “القوما”، وهو نوع من التسابيح الرمضانية، كما أدخل استخدام الطبلة الصغيرة “البازة” بدلا من العصا، ليقرعها بإيقاع منتظم، ما أضاف بُعدا فنّيا إلى مهنة المسحراتي.

ويوجد تقليد المسحّراتي وعباراته الرمضانية الشهيرة في دول عربية وإسلامية كثيرة، ويمارس بطرق مختلفة لكنه لا يخلو من مشاركة الأطفال. ومن العادات الرمضانية التي انتشرت في العالم الإسلامي مدفع رمضان، الذي استخدم لأول مرة في مصر في عام 1877  في عهد الخديوي إسماعيل، الذي كان يحكم مصر في تلك الفترة.

وكان الخديوي إسماعيل يسعى إلى تمييز شهر رمضان في القاهرة، وقرر استخدام المدفع كوسيلة لإعلام الناس بموعد الإفطار، إذ كان الصوت المدوي للمدفع يُسمع في أنحاء المدينة عند غروب الشمس ليعلن بداية الإفطار، وبذلك أصبحت هذه الطريقة إحدى وسائل التواصل في وقت كانت وسائل الإعلام الحديثة غير متوافرة.

ورغم تطور وسائل الإعلام الحديثة، مثل الراديو والتلفزيون، التي قد تكون قد قللت من الحاجة إلى المدفع في إعلام الناس بموعد الإفطار، فإن المدفع الرمضاني ظل رمزا وثقافة، وأصبح أحد الطقوس الاحتفالية التي لا يمكن الاستغناء عنها في بعض البلدان.

18