المستقبل لا ينتظر
بعد خمسة عقود من الآن، سينتقل معظمنا إلى ذلك العالم الذي ينعم فيه الجميع بالسّلام الأبدي. في ذلك الزّمن وفي مكان ما من هذا العالم الزّائل غير الآمن، ستختفي الكثير من الثّرثرات، ويعتكف أحد كبار المؤرخين لكي يكتب فصلا عن الثورة السورية. سيكتب على الأرجح إحدى الفقرتين التّاليتين:
الفقرة الأولى؛ صنع الشّعب السّوري ثورة تكالبت عليها شياطين الأرض وآلهة السّماء، أفرغ عليها النظام كلّ مخزونه من البراميل المتفجرة، أحاط بها التّكفيريون من كل جانب، سحلوها في السّاحات ومرّغوها في الأوحال، تلقّت طعنات غائرة وأخرى غادرة، سقطت على الأرض مرارا ثم نهضت مرارا، وما كادت تقف مجدّدا حتى طاف بها الطائفيون، وغطاها المشيعون بكفن السواد، ثم عرضوها للبيع في أسواق النّخاسة. طالت سنوات الحرب حتى سئم الكل من الكل، ثم جاء الفرج، سقط نظام الأسد في ظروف لا يزال يكتنفها الغموض.
الفقرة الثانية؛ انطلقت الثورة السّورية من درعا، وكانت ثورة مدنية ضدّ أجهزة القمع التي كانت تطحن العظام، وتأخذ الأخ بجريرة أخيه، والوالد بجريرة ولده، بدعوى الممانعة والمقاومة وتحرير فلسطين. في المقابل، لم تكن الثورة تطالب بغير الحرية والكرامة والعدالة، لكنها أمام قسوة النظام سرعان ما تسلّحت ثم تأخونت ثم تدعوشت.
ما هي الفقرة التي سيكتبها ذلك المؤرخ؟ لا أحد يملك اليقين، غير أن الجميع بوسعه المساهمة في أحد الخيارين. وفي كل الأحوال، هناك شيء واحد نعرفه ويعرفه الجميع:
المستقبل ليس غدا لكنه الآن، المستقبل هو كل ما نقوله ونفعله الآن، المستقبل هو كل ما ندركه ونتعلّمه الآن، المستقبل هو كل ما نريده ونأمله الآن؛ لكن المستقبل هو كل ما نهمل قوله ونغفل عن فعله ونترك طلبه وننسى تعلمه. المستقبل مسؤولية تتوزع في الزمن الحاضر على ثلاثة ضمائر: أنا وأنت ونحن.
بكل تأكيد ستكون سوريا داعش أسوأ من سوريا الأسد، ستكون سوريا النصرة أسوأ من سوريا الأسد، ستكون سوريا الميليشيات التكفيرية وقطاع الطرق أسوأ من سوريا الأسد. لكن بكل تأكيد ستكون سوريا السوريين الخيار الأفضل والأعدل. وما ذلك على الله وعلى السوريين بعزيز.
كاتب مغربي