المساعدات العسكرية الأميركية لمصر تضع ملف حقوق الإنسان على الرف

المصالح التي تربط بين البلدين أكبر من أن تتوقف عند عقبات هذا ملف حقوق الإنسان.
السبت 2024/09/14
الضرورات تبيح المحظورات

القاهرة - لم تعتبر دوائر إقليمية عديدة موافقة الإدارة الأميركية على المساعدات العسكرية السنوية لمصر تجاوزا لما اعتادت عليه السنوات الماضية بعض الإدارات الديمقراطية التي كانت تربط جزءا من هذه المساعدات بسجل حقوق الإنسان في مصر، بل هي تأكيد على خصوصية العلاقة بين البلدين، والتي لم يحل الخلاف في ملف الحريات عموما بين الحفاظ عليها أمام سلسلة من العواصف السياسية، والسعي نحو تطوير العلاقات كركيزة للأمن في المنطقة.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الولايات المتحدة وضعت ملف حقوق الإنسان في مصر على الرف، لأنها ترى تقدما ملموسا في بعض جوانبه، وتشاهد تحركات جادة لتصويب مساراته، وإن لم تكن بالدرجة الكافية، فإن المصالح التي تربط بين البلدين أكبر من أن تتوقف عند عقبات هذا الملف، حيث التزمت القاهرة بضبط النفس حيال الحرب على قطاع غزة، على الرغم من التجاوزات العسكرية التي قامت بها إسرائيل في ممر فيلادلفيا بالقرب من الحدود المصرية.

وأكدت المصادر ذاتها أن الإدارة الأميركية تثمن صبر القاهرة في مواصلة وساطتها لوقف الحرب على غزة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وعدم انجرارها وراء بعض الاستفزازات التي تقوم بها إسرائيل، والحفاظ على عدم العبث باتفاقية السلام معها، وهي من الثوابت الأميركية في المنطقة.

وأضافت أن الولايات المتحدة يصعب أن تبادر بلوم مصر على أي نقص أو تجاوز في ملف حقوق الإنسان وهي تشاهد انتهاكات جسيمة تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين من دون أن توقفها أو تردعها، ولذلك كان تجاهل هذا الملف والتركيز على ما تحقق من إيجابيات وسيلة مناسبة في هذه الأجواء، خوفا من أن تقع في فخ ازدواجية معاييرها، فإذا تعارضت مصالحها مع حقوق الإنسان اختارت الأولى بارتياح.

الإفراج عن 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر يتخطى حجب جزء من هذه المساعدات العام الماضي

ودرجت الحكومة المصرية على الحديث عن تطبيقها معاييرها في مجال حقوق الإنسان، ووضعت إستراتيجية خاصة بها، لا تقصرها على شق الحريات والمناحي السياسية، حيث مدت نظرتها إلى ما هو أوسع من ذلك، وأدرجت الحق في المأكل والملبس والمسكن ضمن حقوق الإنسان في مصر.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستفرج دون شروط عن 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر، وبذلك تخطت ما قامت به العام الماضي من حجب جزء من هذه المساعدات بسبب عدم إحراز تقدم في مجال احترام حقوق الإنسان في مصر، وتقر بأن القاهرة استوفت الشروط التي وضعتها في هذا المجال. بينما اعترفت الخارجية الأميركية هذا العام بأن مصر أحرزت تقدما في مجالات معينة تتعلق بحقوق الإنسان، مشيرة صراحة إلى المساعدة السياسية التي قدمتها القاهرة في التوسط بين إسرائيل وحركة حماس بشأن الحرب في قطاع غزة.

وترى الإدارة الأميركية أن هذا القرار مهم لتعزيز السلام الإقليمي ومساهمات مصر المحددة والمستمرة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة، خاصة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والمساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين إسرائيل وحماس.

وتشارك الولايات المتحدة ومصر وقطر منذ نحو أحد عشر شهرا في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس لعقد صفقة لإطلاق الأسرى والمحتجزين لدى الحركة ووقف إطلاق النار في غزة، لكن المفاوضات تواجه صعوبات من الطرفين.

إدارة بايدن سترحل في بداية العام المقبل، وستترك لمن سيخلفها إرثا إيجابيا مع القاهرة يمكن البناء عليه في المستقبل

وانتقدت واشنطن كثيرا سجل مصر في مجال حقوق الإنسان ووضعت شروطا على منح جزء من مساعداتها العسكرية السنوية، وعلّقت العام الماضي نحو 95 مليون دولار من المساعدات على أساس مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

وأعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إطلاق الحوار الوطني بين قوى مؤيدة للحكومة وأخرى معارضة لها، وتم الإفراج عن المئات من السجناء والمعتقلين السياسيين، لكن لا يزال الأمل يحدو الكثير من نشطاء حقوق الإنسان في الإفراج عمن تم وضعهم رهن الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا رأي.

وأقرت واشنطن أن القاهرة تبذل جهودا لوضع تشريع لإصلاح نظام الحبس الاحتياطي وقانون العقوبات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتحرك لإنهاء حظر السفر وتجميد الأصول المرتبطة بالتمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن واشنطن تواصل “حوارا صارما مع الحكومة المصرية عن أهمية تعزيز حقوق الإنسان على نحو ملموس، وهو ما يعد حاسما في استدامة أقوى شراكة ممكنة بين الولايات المتحدة ومصر”.

ويبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بدأت عهدها بخلاف حاد مع نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل حوالي أربع سنوات عندما حجبت عنه جزءا من المساعدات السنوية، ووضعت ملف حقوق الإنسان في مقدمة أولوياتها لتحديد شكل العلاقة مع القاهرة، وتريد أن تختمه بوئام في الملف ذاته بما أقدمت عليه من موافقة غير مشروطة على المساعدات العسكرية أخيرا.

ويرجع هذا التغير إلى بعض التطورات الإقليمية، تحديدا في مجال الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، والذي كشفت الحروب المتقطعة في غزة على مدار السنوات الماضية، وآخرها الحرب الحالية في غزة، أهمية مصر بالنسبة إلى المصالح الأميركية، وقدرتها على أن تصبح من الدول التي يعوّل عليها للحد من فرص تمدد الصراعات.

وسوف ترحل إدارة بايدن في بداية العام المقبل، وستترك لمن سيخلفها، سواء أكانت الديمقراطية كامالا هاريس أو الجمهوري دونالد ترامب، إرثا إيجابيا مع القاهرة يمكن البناء عليه في المستقبل، عكس إدارة الرئيس باراك أوباما التي تركت إرثا سلبيا لإدارة ترامب الذي نجح في تصويب مسار العلاقات مع مصر وجمعته مع رئيسها السيسي حالة جيدة من التناغم في الكثير من القضايا.

6