المساحات العامة في الهند تؤجج الصراع بين المسلمين والهندوس

الأقليات الدينية محرومة من تحقيق التساوي في الحقوق.
الاثنين 2021/12/06
لا مكان آخر يسعنا للصلاة

أحدث تزايد أعداد المسلمين في الهند نقصا في الجوامع والمساجد حتى أنهم أصبحوا يصلون في الساحات العامة وأسطح المنازل وحدائقها، إلا أن ذلك جعلهم في مواجهة مباشرة مع الهندوس المتمسكين بإبعاد الحدائق والمساحات المشتركة عن ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين.

نيودلهي – تشهد مدينة غوروغرام في شمال الهند مواجهات متصاعدة بين الهندوس والمسلمين على المساحات المفتوحة، حيث يرغب المسلمون في استغلالها للصلاة خاصة يوم الجمعة فيما يصرّ الهندوس على أحقية الباعة المتجولين بالمكان.

ويشكل التعدد الديني والإثني في الهند إحدى أبرز السمات المكونة للبلاد التي صارت خلال السنوات الماضية – ومع تصاعد المد القومي الهندوسي – مساحة للتعصب والنزاعات الدينية، حيث تندلع بين الحين والآخر مواجهات بين الهندوس والمسلمين تبدي العديد من الأوساط خشيتها من إمكانية تحولها إلى  صراع ديني كبير في مواجهة سلطات البلاد التي تبدو منحازة إلى الهندوس.

وتفاوض المسلمون على مدار سنوات مع السلطات المحلية للصلاة في الحدائق والأراضي الفارغة مع نمو عددهم مقارنة بمساجدهم.

لكن الاحتجاجات الأخيرة التي نظّمتها الجماعات الهندوسية، والتي منعت أحيانا الصلاة بينما كان الأعضاء الذين يحملون لافتات يرددون الشعارات المعارضة لهذه الممارسة، عطلت الترتيب مما دفع مسؤولي المدينة إلى سحب الإذن من بعض المواقع التي يستخدمها المصلون المسلمون.

الأماكن العامة في آسيا أصبحت ساحات قتال بين الباعة المتجولين وغيرهم من المجتمعات المهمشة ضد سكان النخبة والسلطات

ونقلت رينا شاندران في تقرير لمؤسسة تومسن رويترز عن خبراء حضريين قولهم إن الاحتجاجات والأوامر بإبعاد الباعة المتجولين الذين يبيعون الوجبات الخفيفة القائمة على اللحوم في العديد من المدن في ولاية غوجارات تعكس صراعا أوسع نطاقا من أجل المساحات المشتركة حيث تُحرم الأقليات الدينية بشكل متزايد من تحقيق التساوي في الحقوق.

وتعمقت الانقسامات الدينية في الهند في ظل الحكومة القومية الهندوسية برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حيث اتهمت جماعات المجتمع المدني السلطات في عدة ولايات بتفضيل الجماعات الهندوسية على الأقليات.

وقالت بريرنا ميهتا، المديرة المساعدة للتنمية الحضرية في معهد الموارد العالمية الهندي، وهو مؤسسة فكرية، إن “المساحة محدودة، لذلك هناك دائما سؤال حول كيفية إتاحتها لأنشطة ومجموعات مختلفة”.

وتابعت لمؤسسة تومسون رويترز “لكن هناك تسلسل هرمي معين في كيفية توزيع الأماكن العامة والوصول إليها في المدينة. حيث يكون للأقسام الفقيرة ومجتمعات الأقليات مساحات أقل وإمكانية وصول محدودة في كثير من الأحيان”.

ويمثل المسلمون حوالي 14 في المئة من سكان الهند البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة، بينما يشكل الهندوس حوالي 80 في المئة. وغالبا ما تشهد الأماكن العامة في جميع أنحاء البلاد استيلاء المتساكنين غير القانونيين والباعة المتجولين ومواكب الزفاف والتجمعات السياسية.

الانقسامات الدينية تعمقت في ظل رئيس الوزراء ناريندرا مودي
الانقسامات الدينية تعمقت في ظل رئيس الوزراء ناريندرا مودي

وانخفضت الأماكن العامة المخصصة للصلاة في غوروغرام، الواقعة بالقرب من العاصمة الهندية دلهي، إلى حوالي عشرين. حيث حددت الجماعات الهندوسية المساحات للألعاب والأنشطة الأخرى، قائلة إنه لا ينبغي ممارسة الشعائر الدينية هناك.

وقال شهزاد خان، رئيس جمعية مسلم إكتا مانش الخيرية “تستغرق صلاة الجمعة بالكاد 30 دقيقة، وهي المرة الوحيدة باستثناء المناسبات التي نحتاج إلى مساحة كبيرة لعدم وجود مساجد كافية لاستيعابنا. إن الأماكن العامة للجميع، ونحن نصلي بهذه الطريقة منذ أكثر من عقد دون إزعاج أيّ شخص. إذا لم يُسمح بالأنشطة الدينية، فلا ينبغي للسلطات السماح بأيّ احتفالات هندوسية أيضا”.

وقال مسؤول كبير في غوروغرام إن السلطات لم تكن منحازة للجماعات الهندوسية. وتابع ياش غارغ، نائب مفوض منطقة غوروغرام “لا تزال صلاة المسلمين تُؤدى في كثير من الأماكن. كانت الاحتجاجات في مكانين أو ثلاثة فقط”. وتابع دون الخوض في المزيد من التفاصيل أن “المجتمع والإدارة ملتزمان بإيجاد حل سلمي ونبحث في جميع الخيارات الممكنة”.

في جميع أنحاء آسيا، أصبحت الأماكن العامة ساحات قتال بين الباعة المتجولين وغيرهم من المجتمعات المهمشة ضد سكان النخبة والسلطات الذين يقولون إنهم يبعدونهم لتجميل المدينة.

وأمرت السلطات في غوجارات، مسقط رأس مودي، في أربع مدن على الأقل بإبعاد الباعة المتجولين الذين يبيعون الأطعمة غير النباتية. وقال بعض المسؤولين إن أكشاك الطعام أساءت إلى الهندوس، لكن رئيس وزراء الولاية بوبندرا باتيل قال الشهر الماضي إن الأوامر لم تكن تمييزية، وتهدف بدلا من ذلك إلى تنظيم الشوارع المزدحمة وتعزيز معايير النظافة الغذائية.

وأضاف أن “الناس أحرار في تناول ما يريدون. لكن الطعام الذي يُباع في الأكشاك يجب ألا يكون ضارا. كما يجب ألا تعيق الأكشاك تدفق حركة المرور”.

المسلمون يمثلون حوالي 14 في المئة من سكان الهند البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة

وأبلغ نشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد عن ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين والداليت خلال فترة مودي، وهي تهمة نفتها الحكومة.

ويقول النشطاء إن الأحداث التي تُقام في المهرجانات الهندوسية أصبحت أكثر عدوانية أيضا.

وأصرّت نيها دابهادي، نائبة مدير مركز دراسات المجتمع والعلمانية، بأن مثل هذه الحوادث تعكس “تجاهلا واضحا لأيّ ضبط للنفس على المظاهر الدينية في الأماكن العامة عندما يتعلق الأمر بالهندوس. يجب أن يتمتع كل فرد بالمساواة في الوصول إلى الأماكن العامة بطريقة لا تسبب أيّ إزعاج، ولكنّ هناك تنافسا متزايدا ذا طبيعة مجتمعية، وشعورا بأن المسلمين لا ينبغي أن يكونوا في الأماكن العامة”.

وقالت إنه من خلال تقليل عدد الأماكن المخصصة للصلاة، تتقيّد حقوق المواطنة وحرية المسلمين في العبادة. وأضافت “إنه جزء من نظام بيئي أكبر لتهميش الأقليات في البلاد”.

وتأتي هذه الإجراءات حتى في الوقت الذي تعهد فيه المسؤولون الفيدراليون والمسؤولون في المدينة بزيادة مساحة الأماكن العامة وجعل المناطق العامة مناسبة أكثر لتحسين صحة السكان وجودة حياتهم.

وأبرزت عمليات الإغلاق المطولة أثناء جائحة أهمية الأماكن العامة في الهواء الطلق في المدن حول العالم. وعرض بعض السكان الهندوس في غوروغرام منازلهم ومتاجرهم للصلاة، وقالت جماعات سيخية عديدة إن المسلمين يمكنهم أيضا الصلاة في مكان عبادتهم. وقال خان “هذا ما يعطينا الأمل”، مضيفا أنهم ما زالوا يأملون في حل المسألة وديا. وتابع “لا ينبغي أن تكون الصلاة في المساحات العامة مصدر قلق. فهذه المساحات مخصصة للجميع، سواء للصلاة أو للعبة الكريكيت، ويجب أن تظل كذلك”.

7