المساجد الأمنية تجمعات مغلقة للعبادة والمناسبات الاجتماعية في مصر

افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد مسجدا وكاتدرائية، في العاصمة الإدارية الجديدة وصفتهما وسائل إعلام مصرية بأنهما الأكبر من حيث المساحة في الشرق الأوسط. وإذا كان بناء كنيسة بهذه الضخامة جديدا على المجتمع المصري، فإن بناء المسجد الكبير ليس بالحدث الجديد فقد سبقه افتتاح عدد من المساجد التابعة للمؤسستين العسكرية والشرطية والتي جذبت الأنظار إليها، ما جعل قطاعا كبيرا من المصريين يطلقون عليها “الجوامع الأمنية”، حيث تحولت إلى مركز للعبادة والمناسبات الاجتماعية لما تتميز به من طراز معماري ملفت.
القاهرة – دشن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد رسميا مسجد “الفتاح العليم” وكاتدرائية “ميلاد المسيح” للأقباط الأرثوذكس، وسط إجراءات أمنية مشددة، غداة انفجار قنبلة أدت إلى مقتل ضابط شرطة كان يحاول تفكيكها قرب كنيسة أخرى شرق القاهرة.
وفي احتفال أقيم في فندق تابع للجيش المصري داخل العاصمة الإدارية الجديدة (45 كيلومترا شرق القاهرة) افتتح السيسي في حضور نظيره الفلسطيني محمود عباس الكاتدرائية الجديدة، وكذلك مسجد “الفتاح العليم” الذي يعتبر من أكبر المساجد في مصر.
وفي تغريدة على تويتر، هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب السيسي بافتتاح الكاتدرائية وكتب “متحمس لرؤية أصدقائنا في مصر يفتتحون أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط. الرئيس السيسي يمضي ببلاده إلى مستقبل أكثر اندماجا”.
وتمت إقامة المسجد “الفتاح العليم” بمدخل العاصمة الإدارية الجديدة وبدأ العمل فيه مطلع يناير، وذلك على مساحة 445.5 ألف متر مربع تقريبا، وتبلغ السعة الإجمالية للمسجد والمصلى اليومي والساحة المكشوفة حوالي 17 ألف مصلّ. وتبلغ مساحة صحن المسجد 6325 مترا مربعا، ويتسع لعدد 6300 مصلّ، وله خمسة مداخل رئيسية، بالإضافة إلى مدخلين للسيدات.
التوسع في المساجد الأمنية
يبدو لافتا توسع المؤسسات الأمنية المصرية في عمليات بناء المساجد بطرز معمارية مميزة، لكن تفتح الباب لتساؤلات حول دوافع التوسع في إنشائها وسط امتلاك مصر بنهاية 2017-2016 نحو 102 ألف و186 مسجدا، و30 ألفا و623 زاوية (مساجد صغيرة الحجم)، وفقا لإحصائيات رسمية.
يحاول البعض تحميل بناء المساجد بعض الأبعاد السياسية، ويعتبرونها محاولة لإلصاق اسم الأجهزة الأمنية بالجوامع لكسر مزاعم التنظيمات المتطرفة بوجود عداء متوارث بين بعض أجهزة الدولة والمصلين، والتأكيد أنها لا تتصيد المداومين على العبادة، بل على العكس تشجعهم وتوفر الأماكن اللازمة لهم.
الجديد الذي تحمله الجوامع الأمنية بمصر أنه وقع بناؤها بفكر المجتمعات المغلقة، بتوفير مساحات خضراء حولها تناهز ثلث المساحة الإجمالية، وقاعات ضخمة للمناسبات، مع إمكانية إجراء جلسات التصوير حولها، ونشرها على المواقع الإلكترونية
تلك الافتراضية يمكن إطلاقها على مسجد الفتاح العليم الذي جاء بناؤه بإشراف الهيئة الهندسية التابعة للجيش المصري، وانطلاقا من فكرة إسلامية بتأسيس جامع بوسط المدينة الجديدة كنواة لها تتفرع منه شوارعها الرئيسية، وربما تكون مساحته الضخمة، مبررا باعتباره الأول بالعاصمة الجديدة التي من المفترض أن يقطنها قرابة 6.5 مليون نسمة. ويشير مصدر أمني لـ”العرب” إن المؤسسات الأمنية، للجيش والشرطة، هدفها من إنشاء المساجد وقاعات المناسبات الملحقة بها أن تكون جسرا للتواصل بينها وبين أطياف المجتمع المختلفة، ومنبرا لنشر تعاليم الدين الحنيف بوسطيته وسماحته. وتواصل المؤسسات الأمنية المصرية سياسة التوسع في بناء مساجدها الخاصة في الأحياء الراقية، وحراستها ببوابات ضخمة وأسوار حديدية تحيط بجوانبها الأربعة، وقاعات عملاقة للمناسبات مؤهلة لاستقبال الآلاف، ليشهد المصريون للمرة الأولى مساجد محصنة أمنيا.
ويلفت مصدر أمني لـ”العرب”، إلى أن “دور العبادة التي تنشئها المؤسسات الأمنية تقع في المناطق الجديدة التي لا توجد بها كثافة بالمساجد، وتخدم حاجة السكان، والإجراءات الأمنية التي تتخذها مرتبطة بشخصيات أمنية ومشاهير تتواجد بها وتحرص على إقامة مناسباتها بقاعاتها، ومرتبطة أيضا بالحرب التي تخوضها أجهزة الدولة ضد الإرهاب”.
وقد عانى الأمن المصري من سيطرة جماعات الإسلام السياسي على المساجد، وكانت المقر الرئيسي لتجمع المسيرات المؤيدة للإخوان المسلمين وتنطلق منها متسببة في اشتباكات دموية مع الأمن تارة وبين المواطنين العاديين تارة أخرى.
تبعا لذلك يصعب عزل بناء دور العبادة الإسلامية عن السياسة، ففي عهد الاشتراكية (فترة الرئيس جمال عبدالناصر) التي اتهمها الإسلاميون بمصر بمعاداة الإسلام، نسف عبدالناصر جميع اتهاماتهم بتدشين أكبر حركة بناء للمساجد على مدار تاريخها، وبناء 10 آلاف مسجد انضمت إلى 11 ألفا قائمة، لتشهد فترة حكمه بناء مساجد تقارب التي بنيت بمصر منذ الفتح الإسلامي لمصر.
وكان الرئيس أنور السادات، الذي أطلق على نفسه الرئيس المؤمن، حريصا على بناء المساجد التي كان أشهرها “النور” في منطقة العباسية بالقرب من وسط القاهرة، لكنه كان معنيا أكثر بتطوير المساجد الصوفية الكبرى، مثل توسعة السيد البدوي بمدينة طنطا (90 كيلومترا شمال القاهرة)، إلى جانب تنظيم أمور المساجد وحضور بعض الاحتفالات فيها. في حين ترك الرئيس الأسبق حسني مبارك، المجال لإنشاء المساجد الصغيرة التي كانت بوابة للتوظيف فمن حق مؤسسها أن يرشح للتعيين لوزارة الأوقاف عاملين ومؤذنا.
ربما الجديد الذي تحمله الجوامع الأمنية بمصر أنه وقع بناؤها بفكر المجتمعات المغلقة “كومبوند” بتوفير مساحات خضراء حولها تناهز ثلث المساحة الإجمالية، وأماكن انتظار واسعة للسيارات، وقاعات ضخمة للمناسبات تمنع دخول غير المدعوين لحفلات الزفاف، وإمكانية إجراء جلسات التصوير حولها، ونشرها على المواقع الإلكترونية.
يساهم في انتشار قاعات تلك المساجد الطراز المعماري المغاير الذي تتضمنه بعيدا عن الشكل التقليدي المستطيل، والتعامل الجيد مع الشكل الكلي، فمسجد الشرطة بصلاح سالم شبيه بالقنبلة اليدوية ومئذنته مدببة كمقدمة الرصاصة ومسجدها الآخر بالشيخ زايد يشبه الوردة المتفتحة، بينما يتسم مسجد المشير طنطاوي بالضخامة بمئذنتين طول الواحدة منهما 68 مترا.
تحفيز الإقتصا

ومع تغير ثقافة إقامة حفلات القران في مصر، يجعل إنشاء قاعات الأفراح استثمارا مجديا، لتجتذب مساجد المؤسسات الأمنية جميع الطبقات، خصوصا المشاهير ورجال الأعمال الذين يفضلونها لسعتها الكبيرة وابتعادها عن عيون الصحافة والإعلام وعدم دخولها إلا من قبل المدعوين. ويقول رشاد عبده الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاستراتيجية، إن ذلك النشاط يواكب طبيعة التفكير الاقتصادي لحكومات ما بعد ثورة يناير التي تطالب الوزارات بزيادة الاعتماد على إمكانياتها الخاصة في تحقيق مداخيل مالية إضافية إلى جانب مخصصاتها من الموازنة العامة للدولة، التي تعاني عجزا بحوالي 19 مليار دولار.
تتسم المساجد الأمنية بتعزيزات مشددة، فممنوع إدخال علب العصائر والمشروبات الغازية المصنوعة من المعدن أو الزجاج، ومسموح فقط بإدخال الأغذية المعبأة في عبوات كرتونية. يضيف عبده لـ”العرب”، أن الوزارات المصرية تشهد نوعا من التنافس في ما بينها على تقليل الاعتماد على الدولة، ونشاط الخدمات مثل المناسبات يستهوي الكثير منها، باعتباره لا يتضمن مخاطرة، ولا يحتاج إلى عمالة كبيرة أو أدوات إنتاج مكلفة، ما دفع ببعض الجهات إلى اتخاذ قرارات غير مسبوقة، كسماح وزارة الآثار بإقامة حفلات بجانب الآثار الإسلامية والفرعونية.