المزارعون اللبنانيون يواجهون جفافا غير مسبوق

السياسات الحكومية غير قادرة على النهوض بالقطاع الزراعي.
الاثنين 2022/10/03
برك المياه هي الحل

لم يعد أمام المزارعين اللبنانيين من حل لري أراضيهم سوى البرك، فبعضهم يعيش في بلدات يتجاهلها السياسيون في بلد يقوم على المحاصصة الحزبية، ولا يملك الموارد المالية الكافية لجلب المياه بكميات كبيرة من الأودية أو حتى حفر الآبار، فيستسلمون للجفاف غير المسبوق الذي يهدد ديمومة الحياة في أغنى البلدان بالمياه في الشرق الأوسط.

بيروت - لم تلق الأزمة السياسية في لبنان بثقلها على اقتصاد البلاد وأوضاعها الاجتماعية فقط، بل امتدت تأثيراتها إلى البيئة والمناخ حيث صار المزارعون غير قادرين على توفير المياه الضرورية لإتمام عمليات الزراعة وتوفير لقمة عيش اللبنانيين.

ولا يزال المزارعون في بلدة صغيرة معلّقة على جبل لبناني شمالي يرفضون قبول الهزيمة حتى بعد أن تخلت الحكومة عنهم، حيث لا تكاد منطقة حرف بيت حسنة تتلقى أي خدمات أساسية. فلا توجد مياه أو نظام صرف صحي، ولا إنارة للشوارع أو جمع للقمامة. وتبقى المدرسة العامة الوحيدة مغلقة. وتوجد أقرب صيدلية على بعد مسافة طويلة بالسيارة عبر طريق جبلي متعرج.

وقال المزارع المحلي نزيه صبرا “نحن نعيش على كوكب آخر. نسيتنا الدولة والسياسيون والبلديات”.

ونجح سكان المنطقة البالغ عددهم حوالي 2500 نسمة في حفر الخنادق وتبطينها بالبلاستيك لجمع مياه الأمطار، مما مكنهم على مدى عقود من زراعة محاصيل كافية لأنفسهم وتحقيق فائض يبيعونه.

إهمال الحكومة لم يقتل حرف بيت حسنة، إلا أن المنطقة مهددة بمزيج من تغير المناخ والكارثة الاقتصادية

وبينما لم يقتل إهمال الحكومة حرف بيت حسنة، إلّا أن المنطقة مهددة بمزيج من تغير المناخ والكارثة الاقتصادية.

وقد أدى انخفاض معدل هطول الأمطار خلال السنوات الأخيرة إلى إجهاد حتى أكثر البلدان ثراء بالمياه في الشرق الأوسط. وترك انهيار اقتصاد البلاد خلال العامين ونصف العام الماضيين العائلات التي تدمرت سبل عيشها تكافح من أجل تحمل تكاليف الأساسيات مع ارتفاع الأسعار.

وتفتخر منطقة حرف بيت حسنة، الواقعة على هضبة جبلية نائية فوق وديان شديدة الانحدار، بتدبر أمورها مع برك مياه الأمطار التي تنتشر فيها، ومعظمها بحجم أحواض السباحة.

وقال صبرا إنه يتذكر في طفولته كيف تمكن جده والمزارعون الآخرون من تربية المواشي وعيش حياة كريمة.

لكن السنوات الأخيرة أصبحت أكثر صعوبة. وتكيف المزارعون مع انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بزراعة كميات أقل من النباتات التي تتطلب الماء مثل الطماطم والخيار وزراعة التبغ الذائع، وهو نبات أكثر مقاومة للجفاف، لكنهم الآن يكافحون لزرع ما يكفي لسد حاجياتهم.

وقال صبرا “إذا لم يكن هناك مطر، فأنت تستخدم كل ما خزنته وتواجه العجز، ولا يمكنك حتى تحمل تكاليف الزراعة بعد الآن”.

وأصبح حقل صبرا قاحلا وجافا، ما عدا بعض نباتات التبغ والبطاطا. وحاول أن يزرع مساحة صغيرة بالطماطم لتستخدمها أسرته، ولكنه لم يتمكن من الحفاظ عليها بسبب شح الماء. وضربت الآفات الطماطم المتعفنة. وقال المزارع “لا يوجد شيء يمكننا فعله”.

وضع حرف بيت حسنة سيء

وللمزارع اللبناني مساحة صغيرة من الباذنجان محاطة بتربة جافة متشققة. ويأمل أن يتمكن من ترويج الثمار في مدينة طرابلس القريبة لشراء المزيد من مياه الشرب لعائلته هذا الشهر.

وقال مبتسما “لم يكن هذا الباذنجان ليوجد لولا البركة”. وكان خزانه قادرا على استيعاب حوالي 200 متر مكعب من المياه، لكنه ممتلئ بحوالي الربع فقط. وكانت المياه خضراء، لأنه كان يعتمدها ببطء محاولا التقشف.

ويستطيع صبرا رؤية البحر المتوسط ​​في الأفق من حقله، ويرى تحته واد من المياه العذبة. لكن البنزين مكلف وهو لا يستطيع القيادة يوميا للحصول على الماء من هناك. ويكافح من أجل تحمل تكاليف المدرسة لأطفاله. ولم يكن بمنزله كهرباء منذ أسابيع بسبب عدم توفر الطاقة من شبكة الدولة، ولا يمكنه تحمل تكلفة الوقود لتشغيل مولده الشخصي.

الخدمات الحكومية والبنية التحتية في جميع أنحاء لبنان متداعية. لكن وضع حرف بيت حسنة سيء بشكل خاص. فهو بعيد ويصعب الوصول إليه. ويقع بين بلديتين مختلفتين ولا تريد أي منهما التعامل معه.

ويقول السكان إنهم لا يتمتعون براع سياسي، وهو أمر ضروري لأي مجتمع للحصول على أي شيء في السياسة اللبنانية الحزبية.

اجتماع ندرة المياه والتلوث والاستخدام غير العادل للمياه يزيد من الصعوبات التي تواجه المجتمعات الزراعية في لبنان

ويقول صبرا ومزارعون آخرون إن السياسيين تجاهلوا لسنوات طلباتهم بالحصول على بئر أو توصيل بشبكة مياه الولاية.

وقال سامي كايد العضو المنتدب والمؤسس المشارك لأكاديمية البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت، إن الإهمال الحكومي والتغير المناخي في حرف بيت حسنة قد اجتمعا وخلّفا “منطقة تواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بالأمن المائي”.

وذكر أن الكارثة في البلدة “أعمق بكثير لأن لديك مجتمعا بأكمله يعتمد على الزراعة البعلية” ولكن لم يعد بإمكانه الاعتماد على المطر.

ويحاول كايد العثور على متبرعين لتمويل بئر يعمل بالطاقة الشمسية للمنطقة وللفت انتباه المسؤولين لتوصيلها بشبكة مياه الولاية.

وقال فهاكن كاباكيان وهو مستشار في التغيُّر المناخي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن فترات هطول الأمطار تقلصت في أنحاء لبنان وزاد عدد الأيام المتتالية التي تشهد ارتفاع درجات الحرارة.

وقال تقرير حديث لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن اجتماع ندرة المياه والتلوث والاستخدام غير العادل للمياه يزيد من الصعوبات التي تواجه المجتمعات الزراعية في لبنان. ولا يمثل قطاع الزراعة سوى جزء ضئيل من اقتصاد البلاد، وغالبا ما يتم تجاهله لهذا السبب، وهو يكافح التكاليف الباهظة مثل باقي القطاعات في لبنان.

ويقول المزارعون في سلة الخبز اللبنانية في وادي البقاع الشرقي إن عملهم تعطل بسبب أنماط الطقس الغريبة التي ترجع إلى تغير المناخ.

قطاع الزراعة لا يمثل سوى جزء ضئيل من اقتصاد البلاد، وغالبا ما يتم تجاهله لهذا السبب
قطاع الزراعة لا يمثل سوى جزء ضئيل من اقتصاد البلاد، وغالبا ما يتم تجاهله لهذا السبب

وقال رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي لوكالة الأسوشييتد برس إن “المطر انخفض في فترته المعتادة، ونرى تربتنا تجف وتتشقق. ثم هطلت أمطار بطريقة ما أكثر من المعتاد في يونيو. لم نر شيئا كهذا من قبل في البقاع”.

ولا يتوقع شيئا من السياسيين اللبنانيين. وتابع “لا يمكنك هنا سوى أن تتوقع المساعدة من الله”.

وتعهدت الحكومة لسنوات بتنويع اقتصادها وزيادة الاستثمار في قطاع الزراعة المتعثر، لكن الطبقة الحاكمة المنقسمة لم تتمكن منذ انهيار الاقتصاد من صياغة أي سياسات، وفشلت في تمرير ميزانية 2022 حتى الآن وقاومت الإصلاحات المطلوبة لنيل مساعدة صندوق النقد الدولي.

أثناء ذلك، يأخذ صبرا بعض الماء من إحدى بركه ويتنهد. أوشك الماء على النفاد من آخر موسم مطير في الشتاء. هذا هو شريان الحياة الوحيد إلى حين هطول الأمطار مرة أخرى. وقال “لم يبق لنا شيء سوى البرك”.

7