المزارعون السوريون يعانقون شجرة الفستق الحلبي من جديد

إزالة الألغام من الحقول في حماة تفتح الطريق لجني الذهب الأحمر، فقبل الحرب تراوح إنتاج سوريا من الفستق الحلبي بين 75 و80 ألف طن يصدر الجزء الأكبر منها إلى الخارج.
الجمعة 2020/07/17
عودة بعد شوق

هجر المزارعون السوريون منطقة حماة لسنوات بسبب الحرب التي أجبرتهم على ترك أراضيهم وشجرة الفستق التي تدر عليهم ذهبا أحمر، واليوم يعودون بعد إزالة الألغام التي تهدد حياتهم ليواجهوا مصاعب كثيرة للعناية بحقولهم وأشجارهم التي أصابها المرض والجفاف في غيابهم.

معان (سوريا) – في مسقط رأسه في وسط سوريا، يتجول فادي المحمود بين أشجار الفستق الحلبي، ويعاين حبات اكتسبت اللون البنفسجي واقترب موعد نضجها، آملا في أن يعوّض هذا الموسم خسائر تكبّدها خلال سنوات الحرب الماضية.

قبل أشهر، عاد فادي (40 عاما) إلى قريته معان في ريف حماة الشمالي، المنطقة التي كانت تحت سيطرة فصائل مقاتلة وإرهابيين لسنوات، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادتها مطلع العام الحالي إثر هجوم واسع شنّته في المنطقة الملاصقة لجنوب إدلب (شمال غرب).

ويقول فادي “شجرة الفستق الحلبي هي الرئة التي تتنفس منها بلدات ريف حماة”، مضيفا، بينما يكمل جولته بين الأشجار التي عادة ما يبدأ قطافها بعد منتصف يوليو “أنا بخير طالما بستاني بخير”.

ويوضح أن أنتاج شجرة الفستق يختلف من عام إلى آخر، فيبلغ إنتاج الشجرة الواحدة في موسم حملها 70 كيلوغراما، وفي العام التالي لا يتجاوز إنتاجها 10 كيلوغرامات، لأن طبيعةَ شجرة الفستق الحلبي تقوم على إنتاج وفير في عام وإنتاج قليل في العام الذي يليه.

أهم أصناف الفستق الحلبي التي تشتهر بها المحافظة هي العاشوري وناب الجمل والباتوري وأبوريحة، وتتركز زراعتها في المناطق الشمالية للمحافظة كصوران وطيبة الإمام والمناطق الشرقية كسلمية وصبورة.

ويعدّ الفستق الحلبي الذي يُستخدم بشكل خاص في المكسرات وصناعة الحلويات والبوظة العربية وفي تزيين الأطباق الشرقية، من أجود الأنواع في العالم.

وقبل اندلاع النزاع عام 2011، كانت سوريا تعتبر أحد أبرز مصدريه إلى الخارج.ويُزرع الفستق الحلبي بشكل أساسي في محافظة حلب (شمال) التي يشتق اسمه منها، وفي أدلب وحماة، حيث يعدّ من أبرز محاصيل بلدات معان وصوران ومورك.

وكان عدد كبير من المزارعين يعتمدون بالدرجة الأولى على زراعته وبيعه قبل أن ينزح عدد كبير منهم مع تصاعد حدّة العمليات العسكرية.

بعد عودته إلى قريته، وجد فادي أشجارا “يبست أغصانها وانتشرت حولها الخنادق والألغام”.

في مواجهة خطر الألغام
في مواجهة خطر الألغام

ويقضي أيامه حاليا يتنقل من  شجرة إلى أخرى، وهو يحمل منشارا حديديا يقص به الأغصان اليابسة.

ويقول إن زراعة الفستق الحلبي تحتاج إلى الرعاية والمتابعة، ففي العام الواحد تحتاج إلى ثماني مرات من الحراثة، وست من السقاية المتممة للأمطار، ورش بالمبيدات الحشرية، علما أن الظروف الحالية أدت إلى تأخر النمو وقلة الإنتاج، بسبب القصف وقلة العناية ما أدى إلى انتشار بعض الأمراض، منها “حشرة الكانبودس” المسببة لموت الشجرة بشكل كامل إذا لم يتم القضاء عليها، وتحتاج إلى متابعة بعدها لأكثر من عامين.

وأشار إلى أن الأشجار في الآونة الأخيرة لم تحمل سوى الثمار القليلة في ظل عجزه عن قطافها نتيجة القصف العنيف الذي يطول أرضه الزراعية.ويشرح الرجل، الذي حاول مرارا خلال السنوات الماضية الوصول إلى المنطقة لتفقّد بستانه دون جدوى، أن بعض “كروم الفستق الحلبي مهملة منذ العام 2012 بينما تحتاج عادة إلى الكثير من الاهتمام”.

ويضيف “يجب حرثها أربع مرات سنويا ورشها بالمبيدات مرتين” أو أكثر.

ويبذل الرجل اليوم قصارى جهده، كما العديد من المزارعين، من أجل إحياء حقله. ويقول وهو يقف قرب شجرة أطلق والده اسمه عليها عند ولادته “آمل في أن أبدأ بتعويض الخسارة التي كبدتني إياها سنوات الحرب”.

قبل الحرب، تراوح إنتاج سوريا من الفستق الحلبي بين 75 و80 ألف طن، كان الجزء الأكبر منها يصدّر إلى الخارج، خصوصا السعودية والأردن ولبنان، قبل أن يتراجع إلى أقل من النصف في ذروة الحرب، وفق مديرية الفستق الحلبي في وزارة الزراعة.

وكانت سوريا تحتلّ المرتبة الثالثة أو الرابعة عالميا من حيث كمية الإنتاج.

ويشرح مدير عام مكتب الفستق الحلبي في الوزارة حسن إبراهيم أنّ مساحة حقول الفستق الحلبي في البلاد تتجاوز حاليا سبعين ألف هكتار، مشيرا إلى أن الأضرار الناتجة عن المعارك طالت 25 في المئة منها.

خيرها يعم على السوريين
خيرها يعم على السوريين

ويتحدّث عن صعوبات عدة يواجهها المزارعون حاليا أبرزها “وجود الألغام في بعض المواقع”، موضحا أنّ السلطات “أرسلت حاليا فرق الهندسة لتمشيط الأراضي”.

وسط الحقول التي تحيط بالقرية من كل الجهات، تتجوّل عناصر من وحدات الهندسة التابعة للجيش السوري.

يمسك كل منهم عصا طويلة ذات رأس حديدي يغرزها في الأرض بحثا عن ألغام تركتها الفصائل المقاتلة خلفها. ويمشط آخرون الحقول مستخدمين أجهزة كشف خاصة. بين الحين والآخر، يعلو دوي ناجم عن تفجير لغم. ويعمل جنود على رفع عربات قديمة ومدرّعات محترقة تُركت تحت ظلال أشجار الفستق الحلبي.

بإمعان وتركيز شديدين، يعاين إبراهيم إبراهيم (55 عاما) لون حبات الفستق ليتأكد من مستوى نضجها. ويبدو على عجلة من أمره لقطافها بعد انقطاع طويل. ويشرح أن الحبّات التي اكتست قشرتها الخارجية اللون الوردي الغامق باتت شبه ناضجة بينما تحتاج تلك الصفراء إلى وقت أطول.

يقول “كنّا نقطف الأطنان من أشجارنا في كل عام، نوزّع للسوق المحلي ونصدّر الباقي”، موضحا أنّ هذه الزراعة لطالما “شكّلت مصدر دخلنا الأساسي”. بشاحنته الصغيرة، يخترق إبراهيم طرقا ترابية تفصل بين حقول الفستق الحلبي. ويقول “هذه أول سنة يدخل فيها المزارعون أراضيهم من دون خوف”.

ويأمل في أن “يستعيد الفستق الحلبي عافيته.. ويعيدنا هذا العام إلى أرقام الإنتاج التي اعتدنا عليها قبل الحرب” خاصة وأن موسم جني الفستق يوفر دخلا ماليا مهما لأبناء المنطقة والمناطق المجاورة.

20