المزارعون الأفغان يميلون إلى انتهاك الحظر على النبتة المربحة

طالبان عاجزة عن الحد من زراعة الخشخاش في أفغانستان.
الخميس 2024/11/07
طالبان تدمر والمزارعون يسقون

رغم الحظر الذي فرضته حركة طالبان على زراعة الخشخاش في أفغانستان، إلا أن هذه الزراعة لا تزال تنمو في بعض المناطق بشكل غير قانوني. فعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التي تديرها طالبان لمحاربة إنتاج الأفيون، فإن العديد من المزارعين يواصلون زراعة الخشخاش بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهونها وصعوبة العثور على بدائل ذات دخل مماثل.

كابول - أفادت الأمم المتحدة الأربعاء أن زراعة الخشخاش نمت بنسبة 19 في المئة في أفغانستان في عام 2024، بعد عامين من مرسوم حظر أصدره القائد الأعلى لحركة طالبان هبة الله أخوند زاده وتسبّب في انهيار المحصول بنسبة 95 في المئة في البلاد التي كانت آنذاك أكبر منتج لهذه المادة في العالم.

ويُزرع حاليا 12800 هكتار من نبات الخشخاش في أفغانستان حيث يعتمد 80 في المئة من السكان في معيشتهم على الزراعة، وفق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

ويمثّل هذا المستوى “زيادة بنسبة 19 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي”، لكنه لا يزال بعيدا عن مساحة الـ232 ألف هكتار المسجّلة عندما أصدر زعيم طالبان مرسومه في أبريل 2022، بعد عام تقريبا من عودة حكومة طالبان إلى السلطة في كابول، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة.

وبعد عامين من فرض حركة طالبان حظرًا على زراعة الأفيون في أفغانستان، اكتشف المزارعون الذين تحولوا إلى زراعة محاصيل بديلة أن العديد من هذه المحاصيل أصبحت تواجه صعوبات في النمو، بسبب تأثيرات تغير المناخ. وهذا الوضع يهدد الجهود المبذولة للقضاء على زراعة الخشخاش، وفقًا لما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست”.

محاصيل الخشخاش التي كانت تزرع سابقا في جنوب أفغانستان، المعقل التاريخي لطالبان، انتقلت إلى شمال شرق البلاد

ويواجه المزارعون صعوبة في كسب قوتهم من المحاصيل البديلة التقليدية مثل القمح والقطن، التي شهدت تراجعًا في أسعارها نتيجة لإغراق السوق بهذه المحاصيل بعد تنفيذ قرار حظر الأفيون.

كما أصبحت زراعة بعض المحاصيل وأشجار الفواكه التي كانت تنمو في هذه المناطق، مثل الباذنجان والرمان والمشمش، أمرًا بالغ الصعوبة، بل وفي بعض الحالات مستحيلًا، وذلك بسبب الظروف المناخيةالقاسية التي يربطها الباحثون الأفغان بتغير المناخ.

ونتيجة لذلك، بدأ بعض المزارعين في ترك أراضيهم الزراعية، في حين يفكر آخرون في العودة إلى زراعة الخشخاش أو رفض الامتثال للحظر. وفي هذا السياق حذّر شمس الرحمن موسى المسؤول الرفيع في قطاع الزراعة بولاية قندهار من أن “المزارعين إذا لم يتمكنوا من تغطية نفقاتهم، سيعودون إلى زراعة الخشخاش”. وأضاف موسى أن الحكومة “مطلعة على مشاعر الإحباط التي يشعر بها المزارعون”، وأنها تبذل جهدها لإيجاد حلول لهذه الأزمة.

وفي حال فشلت طالبان في إدارة تحول ناجح من زراعة الخشخاش إلى المحاصيل البديلة، فقد يتجاوز تأثير ذلك حدود أفغانستان. إذ أفادت تقارير الأمم المتحدة أن أفغانستان كانت أكبر مصدر للأفيون في العالم، حيث كانت توفر أكثر من 80 في المئة من الإنتاج العالمي قبل أن ينخفض الإنتاج في العام الماضي. ويُلاحظ بشكل خاص انخفاض عائدات الزراعة في جنوب أفغانستان حيث كان يزرع نحو ثلثي مساحات الخشخاش في البلاد قبل تطبيق الحظر.

وشهدت أفغانستان ارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة السنوية بمعدل 3.2 درجة فهرنهايت خلال الخمسين عامًا الماضية، وهو ما يعادل ضعف الزيادة المسجلة على المستوى العالمي. وكان هذا التغير المناخي أكثر وضوحًا في المناطق الجنوبية، حيث ارتفعت درجات الحرارة بمقدار يصل إلى 4.3 درجة فهرنهايت، وفقًا لمسؤولين أفغان تحدثوا لصحيفة “واشنطن بوست”.

Thumbnail

ورغم قدرة العديد من الأشجار في بساتين أفغانستان على تحمل موجات الحرارة المؤقتة بفضل جذورها العميقة، إلا أن مستويات المياه الجوفية في حوض نهر هلمند انخفضت بنحو 8.5 أقدام بين عامي 2003 و2021. وتشير العديد من النماذج المناخية إلى أن الظروف المناخية الصعبة ستزداد تفاقمًا في العقود القادمة.

وفي مزرعة تجريبية بقندهار، بدأت الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة في اختبار مقاومة أشجار الرمان ذات الجذور العميقة للحرارة. وحالياً، يُزرع حوالي 80 نوعًا مختلفًا من الأشجار. ومع ذلك، يعتقد العاملون في هذه المزرعة أن جهودهم لمكافحة تغير المناخ قد أصبحت “قضية خاسرة”.

وحتى النجاحات الأولية التي حققها الباحثون لم تعد تبعث على التفاؤل. فقد جفت أشجار الخوخ من الداخل تحت تأثير الجفاف الطويل الذي ضرب المنطقة في السنوات الأخيرة، مما اضطر المزارعين إلى قطعها. كما تعرضت كروم العنب التجريبية لحروق شمسية، وفقًا لما أفاده جلال مسؤول الري المحلي في قندهار لصحيفة “واشنطن بوست”.

وأشار مكتب الأمم المتحدة أيضا إلى أن محاصيل الخشخاش التي كانت تُزرع سابقا بشكل رئيسي في جنوب أفغانستان، المعقل التاريخي لطالبان، انتقلت في عام 2024 إلى شمال شرق البلاد.

زراعة تزدهر في الشرق
زراعة تزدهر في الشرق

ففي ولاية بدخشان، على سبيل المثال، وقعت في مايو اشتباكات بين قرويين غاضبين وعناصر في أجهزة مكافحة المخدرات أتوا لتدمير حقول الخشخاش، ما أوقع عددا من القتلى. وفي أعقاب الحظر، سجلت أسعار النبتة بشكلها المجفف والتي يُستخرج منها الأفيون والهيروين، ارتفاعا كبيرا.

وخلال النصف الأول من عام 2024 استقرّت الأسعار عند حوالي 730 دولارا للكيلوغرام، وفق الأمم المتحدة، مقارنة بحوالي 100 دولار للكيلوغرام قبل عام 2022.

وفي أفغانستان، إحدى أفقر البلدان في العالم، ينتقد القرويون مقترحات مقدّمة لهم بالتحوّل نحو محاصيل بديلة، لأن قلّة من النباتات يمكنها أن تدرّ مداخيل مشابهة لما يوفّره الخشخاش، فضلا عن كون هذه الزراعة لا تتطلّب الاستعانة بكميات كبيرة من المياه، وهي مادة نادرة على نحو متزايد في أفغانستان.

وبرأي الباحثين في مجموعة الأزمات الدولية، فإن دعم الزراعات “القانونية” يتطلّب “المزيد من الري، ومعدّات التخزين المبردة، وتحسين الطرق”. لكنهم يؤكدون أن “طالبان لا تملك الميزانية اللازمة لمثل هذه البنى التحتية، بينما من ناحية أخرى، ومع ارتفاع أسعار الأفيون، يميل المزارعون إلى انتهاك الحظر” على زراعة الخشخاش.

واقترحت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة إلى أفغانستان أخيرا إجراء مناقشات في كابول بشأن المساعدات المخصصة للمحاصيل البديلة، والتي تدأب طالبان على المطالبة بها.

16