المركزي المصري في مفترق تحديات السيطرة على انفلات التضخم

بوصلة الفائدة مرهونة بأسعار الاستهلاك وسعر الصرف وصندوق النقد.
الثلاثاء 2022/08/16
خلصونا من هذه الورطة!

تدفع الوضعية الحرجة التي يمر بها الاقتصاد المصري صناع القرار النقدي إلى التحرك نحو زيادة أسعار الفائدة والتي يقول محللون إنها مرهونة بالتضخم وسعر صرف الجنيه والاتفاق المتوقع مع صندوق النقد للحصول على قرض عله يخفف من الأزمات الراهنة.

القاهرة - رجح محللون أن يتجه مجلس إدارة البنك المركزي المصري خلال اجتماعه الخامس لهذا العام والمقرر الخميس المقبل إلى رفع الفائدة في محاولة لمواجهة معاودة أرقام التضخم لمسارها الصاعد.

وبحسب مسح أجرته بلومبرغ الشرق تباينت آراء المحللين حول مقدار الزيادة والذي تراوح بين نصف نقطة مئوية واثنين في المئة، والذي من شأنه أن يعيد الاستقرار نوعا ما إلى المؤشرات المحددة لتعافي اقتصاد أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان.

وشمل المسح المجموعة المالية هيرميس وسي.آي كابيتال وبلتون المالية ونعيم المالية والأهلي فاروس وإتش.سي وبرايم القابضة ومصر كابيتال ومباشر وزيلا كابيتال وكابيتال ايكونوميست.

وتوقعت تسعة من هذه البنوك أن يتجه المركزي لرفع الفائدة، خمسة منها قدرت أن تكون الزيادة بنحو نقطة مئوية، فيما رجح بنكان أن تكون الزيادة بمقدار اثنين في المئة، في حين أشار بنكان إلى أن الزيادة لن تتجاوز نصف في المئة.

محمد أبوباشا: رفع الفائدة سيمتص آثار التضخم نتيجة ارتفاع أسعار الوقود

ومن بين البنوك التي شاركت في المسح، أشارت خمسة منها إلى أن يتجه المركزي المصري إلى تثبيت الفائدة ريثما يتم الإعلان عن مؤشر التضخم لشهر أغسطس الجاري.

ورفع المركزي في اجتماع استثنائي خلال مارس الماضي الفائدة بمقدار واحد في المئة لامتصاص موجة التضخم ولجذب استثمارات الأجانب بالدولار لأدوات الدين الحكومية، بعد أن خرجت المليارات من الدولارات عقب الأزمة في أوكرانيا.

وفي مايو الماضي تحرك مرة أخرى وزادت الفائدة بمقدار اثنين في المئة.

وتبلغ الفائدة على الودائع لليلة واحدة 11.25 في المئة وعلى الإقراض لليلة واحدة 11.25 في المئة وعلى سعر العملية الرئيسية نحو 11.75 في المئة.

وبينما سعر الفائدة الحقيقية، أي معدل الفائدة الاسمي مطروح منه معدل التضخم، فهو عند سالب 1.35 في المئة وذلك بحسب أحدث البيانات.

وقال آلن سانديب رئيس البحوث في نعيم المصرية لبلومبرغ إنه يتوقّع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة “بواقع 50 نقطة أساس بسبب الارتفاع الأخير في أرقام التضخم”.

ويتفق معه محمد أبوباشا محلل الاقتصاد المصري لدى هيرميس بأن يتم اللجوء لزيادة أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل لامتصاص الآثار التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود. لكنه يتوقّع أن يكون الرفع بواقع 100 نقطة أساس.

وزاد التضخم في المدن المصرية تحت ضغط من ارتفاع أسعار الوقود ليسجل 13.6 في المئة الشهر الماضي على أساس سنوي، مقابل 13.2 في المئة في يونيو.

أما على أساس شهري، فقد ارتفع التضخم بنسبة 1.3 في المئة في يوليو، من 0.1 في المئة في يونيو، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

علياء ممدوح: البنك سيترقب بيانات تضخم أغسطس قبل أن يتحرك

ورفعت الحكومة الشهر الماضي سعر السولار (الديزل) لأول مرة منذ يوليو 2019، بنحو 50 قرشا ليصبح 7.25 جنيه للتر، كما رفعت سعر البنزين بأنواعه الثلاثة للمرة السادسة على التوالي في خطوة يُتوقَع أن ترفع التضخم بالبلاد لمستويات جديدة.

وتعتقد علياء ممدوح محللة الاقتصاد المصري لدى بلتون المالية أن ثمة احتمالا كبيرا أن يتجه المركزي لتثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل.

وتستند ممدوح على مؤشر أسعار الاستهلاك. وقالت إن “الزيادة في أرقام التضخم ليست كبيرة منذ ثلاثة أشهر. وبالتالي، قد يؤجل المركزي قراره حتى الاجتماع الذي يليه تحسبا لتحركات العملة وأثر ذلك على التضخم”.

وكذلك يقدر عمرو البدري رئيس البحوث في ميراج لتداول الأوراق المالية أن يلجأ المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.

وتوقعات البدري تأتي نظرا “لوصول العملة المحلية لأدنى مستوى مقابل الدولار، بجانب التوقعات بتراجعات جديدة الفترة المقبلة قبل الانتهاء من المفاوضات مع صندوق النقد بشأن تمويل جديد”.

وفي خضم ذلك ترجح آية زهير محللة الاقتصاد المصري في زيلا كابيتال أن يتجه المركزي في اجتماع الخميس إلى رفع أسعار الفائدة.

وقالت إن ذلك “سيحفّز ويسرّع من المفاوضات مع صندوق النقد للحصول على التمويل المطلوب، فضلا عن أن رفع أسعار الفائدة سيساعد في دعم العملة المحلية مقابل الدولار”.

وشرعت مصر أواخر عام 2016 بتنفيذ برنامج مع صندوق النقد لمدة ثلاث سنوات، تضمّن قرضا بقيمة 12 مليار دولار، تزامنا مع خفض قيمة العملة بشكل حادّ وتقليل الدعم.

وفي 2020 حصلت مصر من الصندوق، بموجب اتفاق استعداد ائتماني، على 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع، ما ساعد السلطات في معالجة تأثير تداعيات كورونا.

ويرى مونيت دوس محلل أول الاقتصاد الكلي في إتش.سي، أن رفعا أعلى للفائدة، وذلك بمقدار 200 نقطة أساس، إلى جانب خفض قيمة العملة بنسبة 9 في المئة إلى 21.2 جنيه مقابل الدولار، ضروريان لدعم العملة المحلية ومكافحة الدولرة.

مونيت دوس: رفع الفائدة وخفض قيمة العملة ضروريان لمكافحة الدولرة

وقال “المفيد اتخاذ مثل هذه الخطوات في ضوء الانخفاضات الحادة في احتياطيات العملة الأجنبية في البلاد”.

وهبط سعر صرف الجنيه إلى 19.18 مقابل الدولار ليتراجع بأكثر من 22 في المئة منذ مارس الماضي وهو أقل مستوى له منذ خمس سنوات.

وتعرضت مصر لتخارج المليارات من الدولارات منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، في وقت ارتفعت احتياجات القاهرة إلى النقد الأجنبي لتلبية كلفة الواردات.

وجاء تخارج الدولار من البلاد عبر قنوات، منها بيع مستثمرين أجانب سندات في أدوات الدين المصرية، وآخرون تخارجوا من سوق الأسهم، بينما ارتفعت كلفة الواردات بسبب التضخم العالمي.

وتراجعت احتياطات النقد الأجنبي خلال يوليو الماضي، للشهر الثالث على التوالي. وقال المركزي في وقت سابق هذا الشهر إن الاحتياطي تراجع إلى 33.143 مليار دولار بنهاية يوليو، نزولا من 33.37 مليار دولار بنهاية يونيو.

وخلال العام الجاري تراجعت احتياطات النقد الأجنبي 19 في المئة، نزولا من 40.94 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي.

وبحسب هاني جنينة المحلل الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة فإن قرارات المركزي لا تكون للماضي بل تتطلّع للمستقبل.

وقال “أتوقع رفع الفائدة واحدا في المئة على الأقل لضمان عدم عودة الدولرة بعد تحرك سعر الصرف مؤخرا”.

وأوضح أن ذلك سيحافظ على فارق أسعار الفائدة بين مصر والولايات المتحدة، وسط تصاعد احتمال رفع الفيدرالي (البنك المركزي) الفائدة بين 50 و75 نقطة أساس في اجتماعه المقبل.

11