المربد في نسخته الثالثة والثلاثين يعد بالتجديد

تنطلق اليوم الأربعاء في مدينة البصرة العراقية فعاليات الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان المربد الشعري، الذي يعتبر من أعرق المهرجانات الشعرية العربية، حيث يستقطب شعراء وباحثين في قضايا الأدب والفكر من مختلف الأقطار العربية.
يبدو أن المعركة “الصامتة” بين اتحاد أدباء البصرة والمركز العام في بغداد قد انتهت بسلام، بعدما ثبّت الأول موعد انعقاد مهرجان المربد الدولي للشعر في يوم 6 مارس الجاري حتى التاسع منه، ورفض أن ينعقد بعد الانتخابات المقبلة للاتحاد العام لأدباء العراق في أبريل المقبل، عادّا التأجيل المقترح من قبل المركز العام كما لو أنه تحشيد ضمني للجو الانتخابي المقبل، وهو أمر، وإن لم يظهر إلى العلن صراحة، إلا أن البصريين تمسكوا بموعدهم باعتبار أن المربد مهرجان بصري قديم ولا علاقة له بصراعات الانتخابات وما جاورها من هوامش تالية، بينما اكتفى المركز العام بقبول التاريخ موعدا لانعقاد المربد وأصدر بيانا أعلن فيه دعمه للمهرجان وإبداء مساعداته المالية والاعتبارية.
السرد يجاور الشعر
المربد في دورته الثالثة والثلاثين يحمل شعار “المربد واحة الشعر” مدعوما من جهات حكومية كثيرة تتقدمها وزارة الثقافة والسياحة والآثار والحكومة المحلية في البصرة والشركات النفطية في المحافظة وشركة موانئ العراق وشركة آسيا سيل للاتصالات، بوصفه مهرجانا محليا يحمل صفة عربية ودولية يُدعى إليه سنويا شعراء وأدباء وإعلاميون من شتى بقاع العالم، وهو الحدث الأبرز في مدينة البصرة تاريخيا وحاضرا. مثلما يحمل، عبر دوراته الكثيرة، محاولات الوقوف على ملامح التغييرات في القصيدة العربية وتحولاتها في ندواته النقدية التي يديرها نقاد وباحثون متمرسون في تاريخية الشعر العربي ومتغيراته المتعددة.
أطلقت اللجنة التحضيرية لاتحاد أدباء البصرة اسم الشاعر الراحل حسين عبداللطيف على هذه الدورة وهو الذي كانت له إسهاماته الشعرية البارزة في خمسة دواوين شعرية، إضافة إلى دوره في إثراء الحركة الأدبية البصرية بتأثيثه مفاصل التجديد والتحديث في جوهر الحياة الأدبية في مدينته البصرة، وهو الشاعر الذي كان لصيقا لمدينته، ولم يغادرها حتى رحيله، بالرغم من كل الظروف السيئة التي مرت بها طيلة أكثر من أربعة عقود.
وبإطلاق اسم عبداللطيف على هذه الدورة يكون اتحاد أدباء البصرة قد كرّس بعض أسماء أدباء المدينة من الشعراء الراحلين والأحياء على مر دوراته الشعرية تثمينا لعطاءاتهم الشعرية والأدبية.
وإذا كانت اللجنة التحضيرية كما في كل سنة تعتني بالشعر ومؤشراته وآفاقه الحداثية المتعددة، إلا أنها ارتأت هذه المرة أن تُدخل السرد في محاوره من خلال محور الهوية الثقافية ليكون ساندا إلى شعرية المربد وأجوائه، ونعتقد أن الإدخال السردي والنقدي سيضاعف من أهمية المربد الشعري، حينما تتداخل الأجناس الأدبية تحت خيمة مربدية لتعيد تأصيل الماضي بالحاضر في جدلية ثقافية نرى أنها ستقدم هذه النسخة من المربد بصورة مغايرة لبقية الدورات التي مضت، وهو ما يأمله المتابعون المهتمون بشأن الشعر وقضاياه المتعددة المعروفة، مثلما يأمله آخرون حتى تتعدد محاور المربد ولا تقتصر على الشعر عندما تكون السرديات النقدية تناقش محاور الهوية والمثقف والسلطة.
الدورة الـ33 من المهرجان ستشهد انعطافات مميزة في محاورها للخروج من السائد الشعري وفقراته النقدية
أكثر من 60 شاعرا وشاعرة يمثلون وجهات نظر إبداعية عربية متعددة، قد تشكل خارطة شعرية على طاولة النقد العربي الذي دُعيت منه أسماء عربية منتخبة لتواكب هذا الحراك الشعري المتجدد في مدينة السياب، وتكون على تماس مباشر مع الشعر العربي في آخر تحديثاته الفنية، بعدما استحوذ المشهد السردي العربي على فرشة الشعر الواسعة في العقود الأخيرة.
تضاف إلى كل هذا دعوة شعراء من أذربيجان وتركيا وإيران ودول أخرى لمحاولة الفهم المشترك بين الأنا والآخر، الذي تغيب ترجماته العربية في الكثير من الأحيان، ليبقى عائما في المشهد العربي. لهذا يُبقي المربد على الصلة مع الآخر وإن كانت الصلة ضعيفة إلى حد ما، غير أن التفاعل المستقبلي سيفتح بابا واسعا لتبادل وجهات النظر.
وتسنى لنا الاطلاع على بعض أسماء المدعويين من الشعراء والشاعرات العرب والأجانب، أبرزها قاسم حداد من البحرين، منير وسلاتي من تونس، جودت فخرالدين من لبنان، ومن تركيا كل من عائشة أصلان وشمس الدين كوده جي، رولا حسن من سوريا، ارادا عليفا من أذربيجان، كريم معتوق من الإمارات، طلال الطويرقي من السعودية، عبدالواحد عمران من اليمن، أنور الخطيب وطه العبد من فلسطين، محمود حسين وضياء الكيلاني من مصر.
برنامج مختلف
الهيئة التحضيرية لاتحاد أدباء البصرة أعدّت برنامجا واسعا عدا القراءات الشعرية، يليق بمقام البصرة كمدينة حاضنة للشعر والثقافات والحضارة الأدبية، ولدورها التاريخي في حركة الشعر العراقي والعربي المشرق في صورته القديمة والحديثة منذ طروحات الخليل الفراهيدي والجاحظ حتى بدر شاكر السياب وما تبعه من شعراء حداثيين في تجاربهم الشعرية.
ولعل هذه الدورة الشعرية التي شرّفها اسم الراحل حسين عبداللطيف حرية بأن تكون بعض محاورها النقدية والدراسية والبحثية عن هذا الشاعر المجتهد، يساهم فيها باحثون ونقاد عراقيون في تناول تجربته الشعرية والإبداعية ودوره البارز في تحديث القصيدة التي ظل مواكبا لتطوراتها واستحداثاتها التي طرحها في مشروعه الشعري عبر دواوينه الشعرية، وهذا ما سيتحقق في محور البحوث التي تحمل عنوانا مشتركا هو “القصيدة.. مشروعا حداثويا.. حسين عبداللطيف”.
إضافة إلى ذلك فإن هذه الدورة الثالثة والثلاثين ستشهد انعطافات مميزة في محاورها للخروج من السائد الشعري وفقراته النقدية إلى “علاقة المثقف بالسلطة والفعل الثقافي”، وهو محور متجدد في مناسبات عربية مختلفة لا ينتهي قريبا ما لم يأخذ المثقف دوره الطليعي والريادي في الحياة العامة، وإذا كان هذا المحور عاما فإن محور “الهوية الثقافية في منجز إسماعيل فهد إسماعيل” هو ذو خصوصية تتعلق بالمنجز السردي للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، الذي كان نصفه عراقيا والآخر كويتيا، وظل معلقا بين هاتين الهويتين حتى رحيله، يضاف إلى هذا المحور الخاص محور عام يتعلق بـ”الهوية الوطنية والوعي الاجتماعي/ الحداثة والتقليد”.
سيكون على هامش المربد مهرجان توقيع كبير لأدباء البصرة، حيث يتزامن موعد المهرجان مع 22 إصدارا أدبيا بين الشعر والقصة والرواية، وهو مساهمة من اتحاد أدباء البصرة لتشجيع أدباء المحافظة على النشر والانتشار، وسيكون الفنانان المعروفان كوكب حمزة وطالب غالي صيفين موسيقيين وغنائيين في أمسيات فنية سيشهدها المربديون.