المرأة والرجل متكاملان في الحياة رغم دعوات الإقصاء

لا تستقيم الحياة الاجتماعية دون بناء تشاركي بين المرأة والرجل، غير أن البعض ينظر إلى هذه الحياة الثنائية نظرة سطحية وقاصرة مبنية على إقصاء أحد الطرفين، إما بدافع الإيمان بالفوقية أو استنقاصا من قيمة ودور الطرف المقابل. وهو ما يستشري في بعض المجتمعات العربية التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية تجعلها تمارس عليها شتى أنواع الضغوط قصد تهميشها وتحجيمها.
الأحد 2015/08/02
ثمة أسباب عميقة تجعل النساء يطلقن هكذا حملة للقضاء على الرجل -نصفهن الثاني- أغلبها نفسية واجتماعية

لا تستقيم الحياة الاجتماعية دون بناء تشاركي بين المرأة والرجل، غير أن البعض ينظر إلى هذه الحياة الثنائية نظرة سطحية وقاصرة مبنية على إقصاء أحد الطرفين، إما بدافع الإيمان بالفوقية أو استنقاصا من قيمة ودور الطرف المقابل. وهو ما يستشري في بعض المجتمعات العربية التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية تجعلها تمارس عليها شتى أنواع الضغوط قصد تهميشها وتحجيمها.

لا تُبنى الأسرة -النواة الأولى للمجتمع- بغياب الرجل أو المرأة فكلاهما يكمل الآخر على جميع الأصعدة لإنجاب الأبناء وتربية أجيال المستقبل، هذه معطيات بديهية تدل على أن المجتمع امرأة ورجل أو لا يتكون ولا يستقيم دون أحدهما لذلك تلاقي الأصوات المنادية بإقصاء أحدهما استهجانا من كل من يعي أن لله حكمة في خلق الرجل والمرأة وكل منهما يكمل الآخر بسماته المختلفة.

تتسم المجتمعات العربية خاصة منها المحافظة بسيطرة العقلية الذكورية على امتداد الأجيال المتتابعة وهي تؤمن بأولوية وأحقية الرجال في كل شيء وبهضم حقوق النساء في جميع المجالات حيث تفرض عليهن القيود وتحرمهن من المشاركة الفاعلة في بناء الدولة والمجتمع وتجحد عليهن حقهن في التعلم والعمل وفي الحياة الكريمة. سيطرت هذه العقلية على المجتمع العربي لعقود طويلة ولا تزال سيطرتها متواصلة إلى اليوم ولعلها في بعض الدول التي شهدت صعودا للتيارات الدينية المتشددة ازدادت سطوة وانغلاقا.

وفي المقابل تواصل المرأة نضالها نحو كسب حقوقها بالمساواة مع الرجل في جميع الدول العربية وإن حققت نجاحات متفاوتة إلا أن المسيرة متواصلة. وتتباين طرق الكفاح للظفر بالحقوق وتختلف تعبيرات الرفض من جيل من النساء إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. وفي غضون هذه الأيام انتشر هاشتاغ على صفحات التواصل الاجتماعي تويتر تحت عنوان “حملة القضاء على الرجال” وأول ما يلاحظ ومنذ الوهلة الأولى هو التمييز ضد الرجل والعنف الموجه له بالرغبة في القضاء عليه مما من شأنه إثارة العداء الاجتماعي بين الرجل والمرأة ونقض مسلّمة أن المجتمع رجل وامرأة أو لا يكون.

الانتشار اللافت لهذا الهاشتاغ على العديد من صفحات تويتر وتداوله والردود المتنوعة عليه تلفت الانتباه إلى أن ثمة أسبابا عميقة تقف وراءه أو تجعل النساء يطلقن هكذا حملة للقضاء على الرجل -نصفهن الثاني- أغلب هذه الأسباب نفسية واجتماعية بدرجة أولى وهو ما يجعل مثل هذه التعبيرات مبحثا اجتماعيا هاما يسترعي اهتمام الباحثين في علم النفس وفي علم الاجتماع والمهتمين بقضايا المساواة بين الجنسين.

ما تقوله نساء اليوم رغم ما فيه من مبالغة أنه لم يعد ثمة رجال، بل ذكور فحسب، قد قالته جدتهن عبر العصور ولكن من خلال إبداعهن وخيالهن حيث تعمد المرأة التقليدية إلى تضمينه في الحكايات الشعبية

وترى الكاتبة والصحفية السعودية سكينة المشيخص أن هذه الحملة على تويتر التي انتشرت بشكل واسع في المملكة العربية السعودية ليست إلا متغيرا ظرفيا طارئا في الفكر الاجتماعي وتقول للعرب: لا يمكن التعامل معها كثابت في المسار المجتمعي، ولا تعدو أن تكون نوعا من التسلية التي تطلقها الفتيات في المواقع الاجتماعية، فلا يمكن التفكير في القضاء على الرجال لأن ذلك ضد الطبيعة البشرية، ولا تستطيع المرأة بأي حال الاستغناء عن الرجل، ولكن هناك مظاهر لضغط ذكوري على حرية وحقوق المرأة تدفعها للتفاعل مع مثل هذه الاتجاهات غير الجدّية بالتأكيد.

وترجع المشيخص أسباب انتشار الهاشتاغ إلى الضغط الذكوري المكثف الذي تعاني منه المرأة في كثير من احتياجاتها وحقوقها، وتقول “عموما نحن نعيش في مجتمعات لا تزال فيها تلك السطوة غير المبررة سوى بالأعراف التقليدية التي تضع المرأة خلف الرجل، فيما هي استطاعت فعل الكثير الذي يؤهلها لأن تتقدم ولا تتأخر”.

أما الوضع الذي يدفع النساء لشن مثل هذه الحملات أو مساندتها فهو تعرض المرأة لكثير من المضايقات التي تكبل حركتها وحريتها، فهناك انتقاص مريع لها ولقيمتها، ولم يعد متاحا أن تظل حبيسة جدران المنزل بعد أن تلقت تعليما وتأهيلا عمليا مناسبا يجعلها تنطلق بقدراتها الفكرية والعملية وطاقتها الحركية للمساهمة في بناء مجتمعاتها وبلدانها بصورة حضارية مؤثرة وفاعلة ربما أفضل وأكثر من الرجل.

وتضيف سكينة أنه في حال هناك إفراط في حبس المرأة وتقليص حجمها ودورها، تصبح المواقع الاجتماعية موقعا ومنبرا حرا ومفتوحا للتفاعل على نطاق واسع يمنحها قدرات فائقة للتعبير عن ذاتها وما تتعرض له من مضايقات ومعاناة في حياتها. وتقول “لا أتصور أن فكرة القضاء في الهاشتاغ تعني الإقصاء وإنما محاولة لإزاحة الرجل عن طريق المرأة وتقدمها وتطورها”.

تواصل المرأة نضالها نحو كسب حقوقها بالمساواة مع الرجل في جميع الدول العربية

أما الباحث التونسي في علم الاجتماع د. محمد الجويلي فيقول إنه يبدو لأوّل وهلة أنّ الهاشتاغ الذي أطلقته بعض النساء في الخليج العربي يندّدن فيه بالرجل ويدعون فيه إلى القضاء عليه ظاهرة جديدة لا عهد للعرب والعربيّات بها من قبل. ولكن المتمعّن في التراث النسوي العربي التقليدي، تراث الجدّات من خلال حكاياتهنّ الخرافيّة يدرك أنّ لهذه الظاهرة جذورا في ما يمكن أن نسمّيه بـ”هاشتاغ الجدّات” اللواتي عانين الكثير من سطوة الرجال وأنانيتهم وقمعهم وحرمانهم من أبسط حقوقهنّ، وهي ذاتها الأسباب التي تجعل المرأة العربيّة اليوم تطلق حملة من هذا النوع.

ما تقوله نساء اليوم رغم ما فيه من مبالغة أنّه لم يعد ثمّة رجال، بل ذكور فحسب، قد قالته جدّاتهن عبر العصور ولكن من خلال إبداعهنّ وخيالهنّ حيث تعمد المرأة التقليديّة بصفة لاواعية إلى العبث بالرجل في حكاياتها الموجّهة إلى طفلها أو حفيدها والتي وقع توارثها جيلا بعد جيل بالسخرية منه وبتصويره كاريكاتوريا في مظهر مزر. وهناك أمثلة وحكايات شعبية كثيرة تقدم هذه الصورة بشكل مغاير لما هو موجود اليوم.

فلا غرابة إذن أن يكون على هذا النحو في هاشتاغ الحفيدات مادامت الأسباب مازالت قائمة. ثمّة بالطبع اختلافات بين الليلة والبارحة أهمّها يتمثّل في أنّ الجدّات كنّ قديما منقطعات عن العالم ويعتقدن أنّ وضعهنّ قدر مسلّط عليهنّ ككلّ النساء، بينما نساء العرب اليوم يعشن في عصر ثورة التواصل الإلكتروني يقارنّ بين حالتهنّ وحالة بنات جنسهن من الشعوب الأخرى ويمتطين أدواتها للتعبير عن سخطهن ورفضهّن لهذه المنزلة التي يعتقدن أنّ الرجل هو المسؤول الأوّل عنها كما يتمثّل في الفرق بين رجل الأمس الذي كان في العادة أمّيا وجاهلا ورجل اليوم المتعلّم وخرّيج الجامعة الذي يحمل فكر “داعش” حتّى وإنّ لم ينتم إلى دولتهم المزعومة، ما يعني أنّه أخطر من جدّه وأنّ مقاومته تكون أشرس خير من يعبّر عنها الدعوة إلى استئصاله وإبادته.

وفي تحليلها للأبعاد النفسية والاجتماعية “لحملة القضاء على الرجال” تقول سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عيش شمس بالقاهرة لـ”العرب”، إن المرأة أصبحت عدوا للرجل، عندما أصابها اليأس من أن تكون صديقة له، لهذا طالبت في البداية بنفيه من عالمها الخاص، ونجاحها في ذلك شجعها على المناداة بإبعاده من الحياة العامة.

وأضافت أن القهر النفسي والضغوط التي تعاني منها النساء في بعض المجتمعات دفعاهن لتفضيل الحياة بمفردهن، ولأن البعض منهن ليس بإمكانه معاداة الرجل على أرض الواقع، خرجن بمشاعرهن إلى الفضاء الإلكتروني على أمل أن يكون صوتهن عبر التغريدات المتعددة جرس إنذار يدق ناقوس الخطر قبل وقوع الانفجار الحقيقي.

وأوضحت خضر أن الوضع المشين للمرأة العربية، جعلها تشعر أحيانا بالتلاشي، كما أن تصاعد نسب الاكتئاب ساهم في إدخالها إلى مشاعر العدم، التي تفضي تلقائيا إلى رغبة عارمة في نفي سلطوية الرجل، باعتبارها السبب في حرمانها من الحق في الحياة بالطريقة التي تريدها.

الوضع المشين للمرأة العربية، جعلها تشعر أحيانا بالتلاشي، كما أن تصاعد نسب الاكتئاب ساهم في إدخالها إلى مشاعر العدم، التي تفضي تلقائيا إلى رغبة عارمة في نفي سلطوية الرجل

وشددت خبيرة علم الاجتماع على أن السلطوية الذكورية، سواء تمثّلت في أسرتها الأصلية أو في مؤسسة الزّواج، كان لها ما يبررها في الماضي، بسبب انغلاق بعض المجتمعات، لكن الآن هناك الانفتاح التقني الذي منح المرأة الجرأة في التعبير عما تعانيه، ولم يقتصر الأمر على إصدارها شعارات ونظريات بل تعدى إلى الممارسات، حيث طالبت بالحرية للتغلب على سيطرة الزوج والرجل والأب، وتطورت المسألة إلى درجة الدعوة للشذوذ الجنسي باعتباره أحد أشكال الخروج من سيطرة الرجل. وقالت خضر إن هاشتاغ “عالم بلا رجال” يشير إلى اندثار صفات الرجولة في تلك المجتمعات، وأن الرجل فقد قيمته المعنوية، كذلك جانب من تأثيره المادي الذي كان سببا رئيسيا للحفاظ على تواجده في واقع المرأة، ولم يبق له سوى خانة في شهادة الميلاد وبطاقة الصحة وعقود الزواج.

من وجهة نظر خضر أن الهاشتاغ رد فعل طبيعي على عالم إذا أراد أن يبجل المرأة وصفها بالرجل، وإذا أراد أن يسخر من الرجل وصفه بأنه امرأة، وهو دليل دامغ على مرض المجتمعات العربية، فذكوريتها حولت المرأة من الندية إلى الأنانية المطلقة.

وبرأي قدري حفني خبير علم الاجتماع المصري فإن الهاشتاغ عبثي وغير مسؤول، ومتوقع أن يكون الرد عليه هاشتاغ يطالب بـ”عالم بلا نساء”، وكل من الجنسين له مبرراته وهذا ليس بجديد.

وقال حفني لـ”العرب” عبر التاريخ كانت هناك دعوات ذكورية ونسوية على حد سواء تشجع فكرة الندية بين الرجل والمرأة وتؤجج العداوة بينهما، لكن هذا لا يعني أنه يمكن الاستغناء عن دور أي منهما في حياة الآخر.

هذا ويظل انتشار مثل هذا النوع من الحملات في الفضاء الافتراضي أو انتشار الممارسات الاجتماعية والسلوكات التي تطرد الرجل من حياة المرأة ظرفية وفئوية وكثيرا ما ترتبط بحدث أو ظاهرة بعينها، وبالتالي فهي ليست إلا تعبيرات يفرزها واقع تشعر فيه المرأة بهضم حقوقها وكرامتها فتندفع نحو رد الفعل بالوسائل المتاحة لها، وأحيانا تصل ردود فعل النساء إلى العنف ضد الرجل تعبيرا على رفضهن لسيطرته المطلقة على حياتهن منذ الطفولة كأب وأخ وحتى في سن الشباب بعد الزواج ولأولويته في نيل الحقوق والحريات خاصة في الفضاء العام أي في العمل والدراسة وبقية مجالات الحياة.

20