المرأة المصرية تعبر مصدات طريقها نحو منصة القضاء

يعد تعيين مصريات في مناصب قضائية رفيعة سابقة في مجال القضاء المصري. ورغم أن الدستور المصري لم ينص على عدم شغل المرأة لمنصب قضائي، إلا أن نسبة مشاركة المرأة المصرية في مجال القضاء تعتبر الأقل على مستوى العالم العربي. وعادة ما يرافق تعيين نساء في مناصب قضائية جدل واسع من القضاة ورجال الدين.
تونس - وصلت المرأة العربية منذ سنوات طويلة إلى كرسي القضاء وإلى مناصب متقدمة ورئاسة محاكم رفيعة المستوى، وكانت المملكة المغربية أول دولة عربية تمنح المرأة هذا الحق الذي يعد دستورياً.
ومن المفارقات أن تظل المرأة المصرية محرومة من شغل منصب قاض حتى القرن الـ21 على رغم عدم وجود أي سند دستوري ولا قانوني ولا شرعي يحرمها من ذلك، إلى أن أتى مؤخرا ولأول مرة قرار تعيين النساء في مناصب قضائية بارزة، وذلك خلال اجتماع للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع أعضاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية المعني بإدارة شؤون القضاء.
وأكد بيان صادر عن الحكومة المصرية “بدء عمل العنصر النسائي في مجلس الدولة (ممثل القضاء الإداري) والنيابة العامة (هيئة قضائية بارزة) اعتبارًا من مطلع أكتوبر المقبل”.
واعتبر أن “القرار سيساهم في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في تولي الوظائف القضائية في جميع الجهات والهيئات”.
وقال عمر مروان وزير العدل إن “قرار بدء عمل العنصر النسائي في مجلس الدولة والنيابة غير مسبوق”.
وأضاف الوزير أن “وجود النساء لأول مرة في مجلس الدولة والنيابة استحقاق دستوري، وتطبيق للمساواة بين الرجل والمرأة لأول مرة”.
وعلى مدى سنوات طالبت منظمات حقوقية نسوية مرارا بضرورة تعيين المرأة في الهيئات القضائية التي لا تتولى مناصب فيها، وهي مجلس الدولة والنيابة الإدارية، وذلك وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين المنصوص عليه في الدستور المصري.
وتنص المادة 11 من الدستور المصري وتحديداً الفقرة الثانية على تعيين المرأة في الجهات والهيئات القضائية “على أن تكفل الدولة للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية”.
وقالت المحامية المهتمة بتمكين المرأة في المناصب العامة نيهال عبدالقدوس “إن كمّ المواد المنصوص عليها في الدستور والقوانين كبير جداً. لكن العدد المطبّق في حياتنا صغير جداً، ولنا في الشارع والنساء عبرة”.
وأشارت عبدالقدوس إلى أن وضع الشارع في مصر يعد نموذجاً لعدم تطبيق القوانين بدءاً من المرور إلى الإشغالات والاعتداء على الأملاك وانتهاء بالسلوكيات الخاطئة. والشارع في ذلك شأنه شأن حقوق النساء، ومنها التعليم والصحة وعدم التحرش وأيضاً المناصب العامة. وأضافت أن الدستور يحمي الحقوق والقوانين تدعم، لكن لا التطبيق كافٍ ولا المجتمع مستعد.
وأكدت عبدالقدوس أن استعداد المجتمع لتقبل المرأة القاضية تتجاذبه قوى عدة. فمن جهة تشير الأعراف والعادات والتقاليد إلى أن المرأة تصلح لمهام دوناً عن غيرها. ومن جهة أخرى جاءت موجة التدين والتطرف التي هبت على مصر في أواخر سبعينات القرن الماضي لتضفي هالة دينية على العادات الرجعية فتكسبها شرعية وقبولاً مجتمعياً تحول خلال السنوات إلى مقاومة من الشارع للتطور، ودفاع مستميت من أجل دفع المرأة مراحل إلى الوراء.
وأكد الإعلامي إبراهيم عيسى أن العالم يمكن السيدات في مجال القضاء، وأن 54 في المئة من القضاة في العالم سيدات يعني تقريبا أن نسبة القاضيات أكثر من النصف، بينما تقل النسبة في مصر عن 1 في المئة مستشهدا ببعض النسب في دول أوروبا، كبريطانيا التي تصل فيها النسبة إلى 30 في المئة، والولايات المتحدة إلى 33 في المئة.
وفي تعليق له ببرنامج “حديث القاهرة” في مارس المنقضي قال عيسى إن بعض نسب القاضيات في الدول العربية تصل إلى 42 في المئة (الجزائر) وتتجاوزها إلى 49 في المئة (لبنان) بينما لا تتجاوز في مصر نسبة الـ 1في المئة.
وكانت منظمة حقوقية مصرية قد دعت للتوقيع على وثيقة إلكترونية أطلقت قبل أكثر من شهر، تطالب بـ”تفعيل الدستور بشكل كامل لتولي النساء المناصب القضائية من دون تمييز ضدهن”، وقد استجابت لها أحزاب وشخصيات عامة.

وقال شريف جمال مدير البرامج السياسية في مؤسسة قضايا المرأة المصرية التي دعت إلى التوقيع على الوثيقة، إن التسجيل الإلكتروني للتقدم إلى الوظائف القضائية في مجلس الدولة لا يقبل استكمال الإجراءات عندما يتبين من رقم الهوية الوطنية أن المتقدمة للوظيفة امرأة.
وتساءل جمال “كيف يمكن لخريجات في كليات الحقوق أصبحن متميزات في عملهن وبعضهن بتن يُدرِّسن القانون في الجامعات ألا يتمكّنّ من التقدم إلى الوظائف القضائية من الأساس؟”.
وفي اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من وزير العدل عمر مروان بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء ومجلس الدولة، الاستعانة بالمرأة فيهما “تفعيلًا كاملًا للاستحقاق الدستوري بالمساواة وعدم التمييز”.
وبعدها بأيام أعلن مجلس الدولة عن تعيين أعضاء من السيدات، لكن نقلًا من هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، من دون فتح الباب لمزيد من النساء للتقدّم.
ويقول جمال إن المؤسسة تطمح لجمع أكبر عدد ممكن من التواقيع على وثيقة أحقية المرأة في المناصب القضائية لإرسالها إلى رئيس الجمهورية للمطالبة باستجابة غير منقوصة وفتح الباب لتوظيف نساء جديدات.
وكانت أمنية جادالله مؤسسة مبادرة “المنصة حقها” قد أكدت أنها ستقاضي مجلس الدولة لأنه لم يفتح الباب للمزيد من النساء، ولأن شروط التعيين “أكثر تشدداً من تلك التي تطلب في العادة لتعيين الذكور”.
وكانت الشروط التي أعلنها مجلس الدولة قبل نحو شهرين قد تضمنت حصول المتقدمات في الشهادة الجامعية على درجة جيد جدًا على الأقل، وحصولهن على دبلومين في الدراسات العليا، وأن تكون المتقدمة تشغل منصب وكيل النيابة الإدارية من الفئة الممتازة أو نائب بهيئة قضايا الدولة.
وكانت جادالله قد تقدمت بطلب عام 2014 للالتحاق بالسلك القضائي ورُفض طلبها، كما رفضت الدعوى القضائية التي رفعتها في الشأن نفسه.
وجاء في قرار المحكمة بالرفض “إن لعوامل البيئة وأحكام التقاليد وطبيعة الوظيفة ومسؤولياتها شأن كبير في توجيه السلطة الإدارية الوجهة التي تراها محققة للمصلحة العامة، ومتفقة مع حسن انتظام المرفق العام، وليس في ضوء هذه الاعتبارات إخلال بمبدأ المساواة المقرر دستورياً”.
قرار تعيين نساء في مناصب رفيعة سيساهم في تحقيق المساواة الكاملة في تولي الوظائف القضائية في جميع الجهات والهيئات
وتوضح أمنية أن الحديث في الأمر صعب لأنها تحاول الجمع بين نشر قضية تولي المرأة المناصب القضائية وفي الوقت نفسه تحاول الحفاظ على مبادئ القانون المصري في “عدم التعقيب على حكام القضاء والتدخل في شؤون الهيئات المستقلة”.
ويواجه تعيين القضاة من جنس النساء جدلا كبيرا في مصرمنذ سنوات ما قبل ثورة يناير 2011.
وفي العام 2007 أصدر مجلس القضاء الأعلى المصري قرارا بتعيين 31 قاضية لأول مرة في تاريخ البلاد. وتباينت مواقف القضاة وعلماء الدين بين مؤيد للقرار يرى فيه نقلة مستحقة والتزاما بمبدأ المساواة فى العمل، وبين معارض يعتبر الخطوة تحديا لتعاليم الدين وتقاليد المجتمع الإسلامي واستجابة للضغوط الغربية.
وقال المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض إن علماء الدين يحرمون تولي المرأة منصب القضاء. لكنه شدد فى الوقت نفسه على ضرورة إعادة ترتيب أولويات الفقه السياسي الحالي لأنه وضع فى عصر مغاير عن العصر الذى نعيشه الآن.
كما اعترض على تعيين القاضيات الجديدات من هيئتي النيابة الإدارية (تختص بالتحقيق في مخالفات الجهاز الإداري للدولة) وقضايا الدولة (تضم محامين يتولون الدفاع أمام القضاء عن إدارات الدولة والحكومة). وقال مكي “هذا ليس الباب الطبيعي لدخول المرأة إلى القضاء، فالمفترض أن تدخل عن طريق النيابة العامة، وهو ما لم يحدث”.
وبالمقابل رفض الدكتور عبدالمعطي بيومي أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما ذهب إليه المستشار مكي، وقال “هذه ثقافة خاطئة علينا ترشيدها لا الاستسلام لها، كما أنها ثقافة دخيلة على الإسلام الذي شهد وجود المفتيات والداعيات منذ زمن النبوة”.
وفي ظل وجود كفاءات جديرة بتبوّء مناصب قضائية، ما زالت قيادات العمل النسائي في مصر تسعى وتطالب بهذا الحق الدستوري وتحاول مواجهة الحجج والادعاءات بعدم مقدرة المرأة على تولي هذا المنصب. وتدعم مؤسسة المرأة الجديدة حق النساء في تولي مناصب القضاء.
ومن المفارقات أن تنحصر نسبة القاضيات المصريات في 0.5 في المئة بمجموع 69 قاضية وأول قاضية في العالم العربي كانت مصرية وهي إنصاف البُرعي التي أضحت قاضية في العام 1958.
وحسب منشور لمجلة “المصور” في عددها الصادر بتاريخ 14 نوفمبر1958، فإن المحامية إنصاف البُرعي هي أول امرأة في العالم العربي تتقلد منصب قاضية، بعد أن تقدمت في العام نفسه بطلب إلى مجلس القضاء الأعلى لتعيينها كقاضية في الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا إبان الوحدة التي أعلِنَت في الـ22 من فبراير في العام 1958)، وقد وافق المجلس على تعيينها في محاكم الأحداث في سوريا، وهي المحاكم المختصة بالنظر في قضايا الأحداث القاصرين، أي من هم دون الثامنة عشرة.